اسطنبول-اف ب 5 كانون الاول 2005 عمد المتحدرون من الارمن الذين اعتنقوا الاسلام أثناء المجازر التي اقترفها العثمانيون, الى اخفاء اصولهم طوال عقود لاعتبارها عارا, لكنهم يغتنمون اليوم انفتاحا معينا داخل المجتمع التركي للكشف عن هذه الاصول، فيما تشهد البطريركية الأرمنية باسطنبول عودة 20 شخصا في السنة الى اعتناق الديانة المسيحية, وهم في غالبيتهم “اشخاص عاشوا كمسلمين” ويريدون العودة الى ديانتهم الاصلية قبل وفاتهم، بحسب ما أفادت به لويز باكار، إحدى محاميات البطريركية.وتقول باكار على سبيل المزاح “ان طلبتم رايي في الموضوع, اقول ان نصف الاتراك لهم اصول ارمنية”, وذكرت روايات نقلها اليها اشخاص اعتنقوا الاسلام. وكانت المحامية فتحية تشيتين اول من طرح المسالة علنا في كتاب بعنوان “جدتي” صدر اواخر 2004 وكشفت فيه عن اصل جدتها هيرانوش التي ولدت في قرية ارمنية في محافظة ايلازيغ شرق تركيا. وتستند هذه السيرة الذاتية الى الشهادة التي ادلت بها المرأة المسنة في آخر عمرها, واستعادت فيها ما قاسته من احداث مؤلمة منذ عام 1915, من قتل الرجال في قريتها ونفي النساء مرورا بتبني عائلة تركية لها واعتناقها الاسلام. وتم بيع 12 الف نسخة من هذا الكتاب وهو رقم مبيعات محترم جدا في تركيا بالنسبة لقصة حقيقية. وينتظر الكتاب حاليا صدور الطبعة السابعة منه. وتقول المحامية ان “اهم ما في ذلك هو ان اشخاصا مثلي اتصلوا ليقولوا لي: “انا ايضا, جدتي…”, متحدثة عن “مئات” الشهادات التي وصلتها منذ صدور الكتاب والتي “حملت دائما ذكرى العذاب”. واضافت “آمل ان يكون كتابي فتح الطريق (امام شهادات اخرى). من قبل, كان الخوف سائدا والموضوع محظورا. كان الارمن اشرارا وكانت كلمة ارمني شتيمة …اما اليوم فنشهد عملية اعادة نظر كاملة”. وبعد صدور كتاب “جدتي”, كشف العديد من الاشخصاص مثل الكاتب الصحافي بكير كوسكون, عن اصلهم الارمني او باشروا ابحاثا حول ماضي عائلاتهم الغامض. وهكذا بدأت المخرجة السينمائية بيركي باس بابحاث حول جدتها في مدينة اوردو التي تطل على البحر الاسود. وتروي ان “العديد من سكان المدينة زودوني بمعلومات وهم اشخاص يتذكرون تماما جيرانهم السابقين”, مضيفة ان “اتراك مدينة اورودو (شمال شرق) يتذكرون بحزن هذه المرحلة (من التعايش), كما لو انهم فقدوا امرا ما”. وهذه المراة التي لم تطلع على اصل جدتها الارمني الا في سن الرشد, اعتبرت ان الاتراك اليوم باتوا يتعاطون مع ماضيهم ب”ارتياح اكثر”, معربة عن سرورها لوجود “روايات تاريخية متعددة وليس الرواية الرسمية السائدة فحسب”. وفي الاشهر الاخيرة, كثر النقاش في تركيا حول المجازر التي ارتكبت ضد الارمن في عهد السلطنة العثمانية (1915-1917), في حين تسعى تركيا الى الانضمام الى الاتحاد الاوروبي. وقد بدات مفاوضات هذا الانضمام في الرابع من اكتوبر/تشرن الاول. ولم تغير الحكومة بعد الموقف التركي الرسمي اذ ما زالت تعتبر ان الاحداث التي قضى خلالها 1,5 مليون ارمني بحسب الرواية الارمنية و300 الف ارمني وكذلك 300 الف تركي بحسب رواية انقرة, ليست “مجزرة”. لكنها شجعت باسم حرية التعبير على تنظيم اول ندوة جامعية نقدية حول الموضوع في سبتمبر/ايلول الماضي. وخلال هذه الندوة, شدد المحاضرون على ضرورة القيام بابحاث حول الارمن الذين اعتنقوا الاسلام للنجاة من المجازر – والذين يقدر عددهم بما بين 100 الف و200 الف شخص, لا سيما من الاطفال والفتيات الصغيرات والشابات, وفقا لبعض المحاضرين.