الارمن العراقيون

سيار الجميل www.sayyaraljamil.com 16-26 تشرين الاول/اكتوبر 2010 الجذور والاغصان مقدمة 1/ الارمن عراقيون لقد غبنت مجموعات اجتماعية عراقية عديدة، تعد تشكيلاتها مؤسسة لبنية المجتمع العراقي اليوم.. نعم، غبنت طويلا من قبل الدارسين والعلماء والمؤرخين العراقيين الذين كتبوا عن حياة المجتمع العراقي، دون التطرق إلى تفاصيل أولئك الناس الذين لم يكونوا مجرد أصفار على الشمال، بل امتازوا بحيويتهم وجهودهم وخصالهم التي أسدوا من خلالها خدمات كبيرة الى المجتمع على امتداد تاريخ طويل.. ومنهم الأرمن الذين لهم تاريخ حافل بالمنجزات والسمعة الحسنة، وكانوا على الدوام من الناس الحاذقين والمهرة.. صحيح أن لهم خصوصيتهم، شأنهم شأن أي تكوين اجتماعي آخر ضمن حلقة المجموعات الأخرى، إلا أنهم كانوا من المسالمين الذين ندرت مشاكلهم نتيجة تماسكهم الاجتماعي، والفتهم وتجانسهم مع بعضهم الاخر في المدن العراقية التي سكنوها، ولكنهم دفعوا أثمانا غالية في وجودهم كعراقيين، وهم يحتفظون بالجميل الذي أسداه لهم العراقيون الأوائل عندما فتحوا أبوابهم لهم، فتعايشوا مع الجميع من دون أية نعرات خلاف، ولا أي اتكالية على الآخرين في كسب رزقهم مع دوام العلاقة الرائعة بينهم وبين الآخرين، فضلا عن تمسكهم بوطنهم العراقي، وعدم إثارتهم لأية مشاكل سياسية أم اجتماعية. صحيح أن العراق استقبل الأرمن الذين جاءوا إليه بعد تشردهم وإفنائهم في موجتين للنزوح من تركيا شمالا واستوطنوا العراق، ولكن ثمة حقائق تاريخية تؤكد أن هناك من الأرمن من كان له وجود في العراق منذ القدم، بل وان بعضهم قد استوطن العراق منذ العصور الوسطى فثمة معلومة تقول بأن أبرشية للأرمن قد أنشأت في البصرة1222م، وان آخرين من الأرمن قد استوطنوه عبر تضاعيف العصر الحديث. 2/ مصادر المعلومات ومراجع البحث إن الأرمن جزء حيوي في بنية المجتمع العراقي الذي نتدارس اليوم تشكيلاته بكل ألوانه وأطيافه التي ينبغي تدارسها بمنتهى الموضوعية والحيادية والأمانة العلمية وبمنهجية واضحة والاعتماد على مصادر موثوقة لا مراجع تافهة. لقد اعتمدت على عدة مصادر وكتابات وشواهد وذكريات ومعلومات رسمية وكنسية أرمنية في كتابة هذا ” الموضوع ” الذي تندر المراجع عنه بالعربية، ولقد أسعفتني مقالة الكاتب والمؤرخ الارمني آرا اشجيان عن الأرمن العراقيين، والرجل ارمني عراقي يقطن اليوم في أرمينيا، وقد ساعدتني مقالاته كثيرا، فضلا عن مصادر مهمة كتلك التي نشرها صائغيان، أو التي كان قد حكاها لي الدكتور الراحل حنا جقماقجيان مع معلومات عدة أسدتها لي عائلته الكريمة. إضافة إلى معلومات الدكتور الموسيقار فريد الله ويردي قبل سنوات طويلة مضت. لقد استفدت أيضا من كتابات المؤرخين الأرمن، وأشهرهم: يعقوب سركيس ونرسيس صائغيان ورازميك سيمونيان.. اضافة الى بعض الكتب بالتركية والانكليزية، ووقع بيدي مؤخرا ما كتبه كل من الصديقين الكاتبين ليث الحمداني في تعقيبه على واث الغضنفري، فأكبرت جهدهما الوطني.. كما قمت بعدة اتصالات مع السيدة الفاضلة دكراروهين طوقاتليان وولدها الصديق العزيز ميناس جاقماقجيان وقد أرسلوا لي بمعلومات قيمة جدا، وخصوصا عن أوضاع الأرمن العراقيين في هذه الأيام العصيبة. فلهم كل الشكر والعرفان. الارمن العراقيون: الجذور والاغصان 1/ من الماضي القديم حتى اليوم الأرمن، شعب عريق ينتمي إلى الآريين، وقد عرفوا في المناطق الشرقية والوسطى من آسيا الصغرى (= الأناضول ) منذ الألف الثالثة ق.م. وكانت لهم إمبراطوريتهم القديمة التي امتدت في شرق الأناضول حتى سواحل البحر المتوسط، وان لهم تاريخهم العريق في منطقة الشرق الأوسط، ولهم دورهم التاريخي الذي أخذ بالأفول نتيجة التحديات الكبرى التي تعرضوا لها. والأرمن من المسيحيين القدماء جدا، واندمج مذهبهم بقوميتهم اندماجا قويا، وبقوا يعتزون بذلك، ويدافعون عنه دفاعا مستميتا. صحيح ان لهم جمهوريتهم الأرمينية اليوم، والتي كانت تابعة للاتحاد السوفييتي قبل تفككه، الا أنهم ينتشرون على رقعة واسعة من الأرض المزدحمة بمختلف الأعراق القديمة.. ولقد تعرضت مناطقهم واوطانهم الى موجات اكتساح عدة من قبل إمبراطوريات قديمة، ويشير المستشرق الفرنسي المعروف غوستاف لوبون في كتابه ” حضارة العرب ” إلى أن الأرمن القدماء قد سجلوا في سجلاتهم الكنسية وتناقلوا في موروثهم بأن تاريخهم لم يعرف ارحم من العرب في تعاملهم مع الأرمن إبان الامتدادات العربية الإسلامية الأولى. نعم، لقد تعرّضوا إلى تحديات كبرى سواء من خارج مملكتهم، ام من داخلها بحكم صراعات السكان المحليين المتنوعين.. ولعل أشهر المجازر، تلك التي حدثت بحقهم بين 1894- 1896 إبان حكم الدولة العثمانية، تلتها مجازر 1915-1923 والتي انتهت بتأسيس الجمهورية التركية على يد الغازي مصطفى كمال أتاتورك. لقد تشّرد الآلاف من الأرمن في بلدان عدة من الشرق الأوسط، وخصوصا العراق وسوريا ولبنان ومصر.. لقد وصل عدد الأرمن في العراق بعد المجازر المريعة التي تعرضوا لها إلى 25-30 ألفاً.. وسكن الأرمن المُهجًّرون في البدء مدينة الموصل، ونزح قسم منهم إلى بعقوبة، ثم سكنوا في منطقة نهر عمر قبل أن يقطنوا مناطق مختلفة في العراق، فيما هاجر قسم آخر منهم إلى خارج العراق. إن الغالبية العظمى من الأرمن العراقيين اليوم هم أحفاد وأولاد أولئك القدماء من القاطنين الأوائل، أو من صلب هؤلاء المُهجًّرين الجدد الذين أصبحوا عراقيين بعد أن توطنّوا العراق وعشقوا الحياة العراقية وعملوا من اجل تطوير اقتصادياته المتباينة. ويتراوح عدد الأرمن في العراق حالياً بين 18-20 ألف نسمة يسكنون بغداد والبصرة وكركوك والموصل وزاخو ومناطق أخرى من العراق. ونقلا عن السيدة دكراروهين طوقاتليان أن امّها التي وصلت مع المهاجرين المشردّين حكت لها، وكانت شاهدة عيان بأن المهاجرين الأرمن عندما وصلوا إلى الموصل، استقبلتهم العوائل الموصلية بسلال من الخبز والحلاوة. 2/ الشخصيات التاريخية يفتخر الأرمن العراقيون بشخصيات أرمنية مهمة جدا خدمت العراق تاريخيا، وبانجازات حققوها في الماضي ويستمرون في تحقيقها في الحاضر. وقد ورد في تاريخ العراق أسماء عدة ملوك وحكام حكموا العراق، وكانوا من أصول ارمنية منذ القدم، وصولا إلى العصور الوسطى، وخدم بعضهم مع القادة العرب المسلمين، وكانوا من الأمراء الأرمن الذين عرفوا بمصداقيتهم ونزاهتهم وأنشطتهم التطبيقية في كل الميادين، فضلا عن جعل بعضهم مساعدين، وكانت لهم صلاحياتهم التفويضية في شؤون العراق إبان العصور العباسية، ويذكر أن أصل كل من السلطان بدر الدين لؤلؤ حاكم الموصل في القرن الثالث عشر الميلادي كان ارمني الأصل، أي في نهاية العهد الاتابكي، وكان الرسام الشهير الواسطي الذي عاش في القرن الثالث عشر الميلادي أرمني الأصل أيضا. ويعد يعقوب أميرجان، وهو بغدادي المولد، من الشخصيات الأرمنية البارزة، وأسدى خدمات كبرى للعراق عند قيادته مجموعة من رجال البصرة للدفاع عن بغداد والمحافظة عليها، والقتال دفاعا عنها، حينما حاصرها طهماسب قولي خان مع جيوشه عام 1732. وترد أسماء شخصيات أرمنية عراقية شغلت عدة مناصب ببغداد إبان القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ومنهم: بيدروس كوركجي الذي كان رئيسا للفرائين.. ويوسف كيفورك رئيس الصيارفة، وستراك بوغوصيان المفتش العام للبنك العثماني. أما التاجر الأرمني المعروف نعوم سركيس فكان أول من سكن الشطرة وشجع الناس للسكن فيها. العراق وأرمينيا: حفريات لروابط جيو تاريخية تشير الحفريات التاريخية الى ان العراق وارمينيا كانت بينهما علاقات قديمة جدا، نظرا لاقترابهما بعضهما من الاخر جغرافيا.. وان العلاقات بين الطرفين تعود إلى العصور القديمة تاريخيا. قلت في كتابي ” العثمانيون وتكوين العرب الحديث: من اجل بحث رؤيوي معاصر والمنشور ببيروت 1989 ” إن كلا من العراق وأرمينيا كانا ساحتي صراع بين الإمبراطوريات المتصادمة في الشرق الأوسط.. منذ القدم وحتى الصراع العثماني ـ الإيراني الذي استمر أربعة قرون كاملة منذ بدايات القرن السادس عشر وانتهاء ببدايات القرن العشرين. كما استطعت أن أتحقق جغرافيا في كتابي الآخر ” حصار الموصل.. المنشور عام 1990 ” من استخدام المسلك التجاري الذي كان يربط ارمينيا بالعراق من خلال مسالك الموصل التجارية نهرا وبرا عبر الجبال باتجاه بحيرة وان. لقد استقر العديد من الأرمن في بلاد ما بين النهرين بتأثير امتدادات دجلة والفرات تجاريا في مختلف العهود، إذ وجدت كنائسهم معهم منذ العصور الوسطى.. وزاد توّطن الأرمن في العراق إبان العصر الحديث، أي في القرون الخمسة الأخيرة، وخصوصا منذ القرن السابع عشر، كما تشير المصادر التاريخية إلى ذلك، ويشير الخوري ناريك اشخانيان راعي كنيسة الأرمن الأرثوذكس في العراق: إن أول هجرة للأرمن إلى العراق كانت من مناطق إيران إلى البصرة فبغداد، ثم الموصل في بدايات القرن السابع عشر. ووجدنا كم استقر من الأرمن في الموصل والبصرة خصوصا في القرن الثامن عشر.. وشاركوا العراقيين معاناتهم مرورا بالقرنين التاسع عشر والعشرين. ومع وجود بقايا من الأرمن العراقيين منذ القدم، إلا أن العراقيين استقبلوا الأرمن النازحين منذ بدايات القرن العشرين، وكانوا حماة لهم بعد أن نفروا خفافا وثقالا اثر المذابح الدموية التي تعرضّوا لها في شرق تركيا وخصوصا في العام 1915. ( لقد أطلعني طبيب الأسنان الراحل الدكتور حنا جاقماقجيان عندما كنت طالبا في الجامعة على مجموعة صور قديمة منها ما نشر ومنها ما لم ينشر عن ركامات من جثث القتلى الأرمن الذين راحوا ضحايا تلك المجازر البشعة التي كانت تمثّل حربا عرقية بين السكان المحليين المختلطين وهم من الترك والأرمن والكرد في شرقي الأناضول ). ويقول اشكانيان: ” نحن مدينون للعرب، فقد فعلوا ما باستطاعتهم للترحيب بنا، كما سمحوا لنا بالعمل والترقي في المراتب الاجتماعية بعد أن وصل الناجون من (المذابح)، وغالبيتهم من اليتامى، حفاة إثر فرارهم في متاهات الصحراء هربا من الموت “. أما في مجال التجارة، فقد أخذ التجار الأرمن يتواردون من اسطنبول إلى العراق منذ بدء الربع الأخير من القرن الثامن عشر، بفعل الحراك الاقتصادي وقوة الأسواق الدولية التي ازدهر العراق بها في النصف الثاني من القرن الثامن عشر. وينقل الكاتب الارمني آرا اشجيان قول جان باتست روتسو قنصل فرنسا في بغداد في كتابه المعنون: (Description du pachalig de Bagdad)، ما يأتي: “إن نصارى بغداد سواء كانوا كاثوليكاً أو غير كاثوليك يعيشون عيشة عديمة الرّفاه وهم يتعاطون البيع والشراء الداخلي ويزاولون مهنة الطباعة على الأقمشة (البصم) وغيرها من المهن اليدوية. وأما العدد اليسير من التجار ذوي اليسار فيهم فمعظمهم أرمن من استانبول قد اغتنوا بمعاطاة التجارة بالأحجار الكريمة والشال مع إيران والهند”. ويتابع أشجيان كتابته قائلا: ” لا غرو في ذلك، لأن الأرمن على ما قاله السائح الفرنسي المدعو بيتون دي تورنيفور: ليسوا أسياد تجارة الشرق فحسب، بل لهم شطر وافر في تجارة أعظم مدن أوروبا “. ويتابع ما تحدث به الرحالة الانكليزي جاكسون عن أن الأرمن هم الذين يتحكمون في الاقتصاد والتجارة في بغداد، وأن النحاس الذي كان يبعث من قبل التجار الأرمن من الموصل الى بغداد والبصرة كان من النوع نفسه الذي يجري صنعه في انكلترا. ويتحدث عن مشاهداته في المدينة بالقول:” وتوجد فيها سوق واسعة مزودة بمختلف أنواع المواد… والأرمن هنا يؤلفون التجار الرئيسيين والمعامل المستعملة في بغداد قليلة وهي محدودة.. ويبعث الأرمن الموجودون في الموصل عن طريق دجلة بكميات كبيرة من النحاس تنقل في أرماث من الأخشاب التي تشد إلى بعضها بعضاً ومتى وصل الرمث إلى بغداد بيعت أخشابه فيها لأنها جد نادرة هناك.ومن ثم يشحن النحاس إلى البصرة في سفن شراعية..ويكون النحاس…من نفس النوع الذي يجري صنعه في انجلترا. إن هذه التجارة التي لم يكن أحد قبلاً يمارسها قد ازدادت بسرعة فغدت تجري بنطاق واسع…وأنا مقتنع أن هذه السلعة ستثير بمرور الوقت سخط أصحاب المعامل الانجليزية. فالعمل في هذه البلدان أقل نفقة بكثير مما هو عليه في أوروبا، وهذا مما يساعد الصناع على نقل مصنوعاتهم إلى السوق بسعر أرخص ويهيئ ربحاً أوفر للمشتغلين فيها”.وكان الأرمن، مع اليهود، يشكلون غالبية موظفي الشركة الانكليزية التي تحولت إليها ملكية شركة بغداد للقوة الكهربائية بعد الاحتلال البريطاني للعراق في عام 1917. اضيف الى ذلك ما ذكره العديد من الرحالة والآثاريين الذين جاسوا عدة مناطق من الشرق الاوسط ابان القرن التاسع عشر، وخصوصا ولئك الذين امتدوا برحلاتهم في شرقي تركيا وغربي ايران والعراق بصدد الارمن ومشكلاتهم الاجتماعية مع غيرهم من سكان المنطقة والتي قادت الى صراعات لا ترحم، وكان من نتائجها ان استؤصل الارمن عن اوطانهم ومدنهم وفر الناجون الى من يحميهم. الارمن العراقيون: كنائسهم ومدارسهم وجمعياتهم ونواديهم 1/ الكنائس انهم تكوين مستقل عن المسيحيين العراقيين سواء كانوا كلدانا ام سريانا ام آثوريين، ومستقلين مذهبيا ايضا، فلهم كنيستهم الارثودكسية وكنيستهم الاخرى الكاثوليكية. وتتوزع كنائسهم العديدة في ابرز المدن العراقية التي سكنوها، ومن اشهر تلك الكنائس في بغداد، كنيسة القديس كرابيت للارمن الارثودكس في منطقة كمب سارة، وكنيسة القلب الاقدس للارمن الكاثوليك في الكرادة الشرقية، وكنيسة القديس كريكور للارثودكس في الباب الشرقي، وكنيسة الارمن في الجادرية، وكنيسة سيدة الزهور للكاثوليك في الكرادة، وكنيسة مريم العذراء للارمن في الميدان وتعد هذه الاخيرة من اقدم الكنائس الارمنية ببغداد. وتوجد كنيسة قديمة لهم في الموصل واخريات في كل من البصرة وكركوك وزاخو.. وقد افتتحت كنائس جديدة لهم، ولكنها تعرضّت لتفجيرات خلال السنوات الاخيرة من قبل ارهابيين. 2/ المدارس وللارمن مدارسهم الخاصة باولادهم وبناتهم، اذ أنشأت أول مدرسة أرمنية في بغداد عام 1852 باسم (تاركمانجاتس وتعني: المترجمون). وأول مدرسة للبنات افتتحت من قبل الطائفة الأرمنية في العراق عام 1901، وكذلك أول روضة منفصلة عن الابتدائية سنة 1913. وفي عام 1917، دمجت مدرسة البنات مع (المدرسة الزابيلية) الأرمنية، لتتكون منهما أول مدرسة مختلطة في العراق. وفي عام 1921، افتتحت مدرسة للأرمن في منطقة كمب الكيلاني ببغداد سميت لاحقاً (مدرسة سفاجيان). وقد دمجت مدرستا (تاركمانجاتس) و(سفاجيان) عام 1948 لتتكون منهما (مدرسة الأرمن المتحدة الأهلية)، وكانت تضم صفوفاً وطلبة من كلا الجنسين في المراحل الدراسية من الروضة وحتى الإعدادية، والتي استمرت حتى عام 1974، حينما جرى تأميم جميع المدارس الأهلية في العراق. وتقول احدى الدراسات انه أعيد افتتاح (مدرسة الأرمن الابتدائية الأهلية المختلطة) في 15 تشرين الأول/أكتوبر 2004. وهناك مدرسة قديمة خاصة باسم مدرسة الارمن بالموصل وتقع في الدواسة قرب حديقة الشهداء. وكانت هذه المدرسة الخاصة قد بنيت بجهود ارمنية، واموال اهلها الارمن، ومن دون مساعدة من اي شخص او دولة… بنيت بالتبرعات الارمنية انذاك لحين ان تم تاميمها. هنا يتساءل المرء: بأي حق تؤمم مؤسسات خاصة تبرع بها الاهالي، ولم تكن الدولة قد صرفت عليها فلسا واحدا؟ وليس هذه المدرسة وحدها فقط، بل كان هناك مدارس اخرى لهم في بعض المدن العراقية.ان أول طالب عراقي حصل على مجموع 599 من 600 في الامتحانات العامة للدراسة الإعدادية الثانوية (الصف السادس العلمي) كان الأرمني زافين بانوسيان، وذلك في العام الدراسي 1982-1983 3/الجمعيات وللارمن في العراق جمعياتهم الاجتماعية والثقافية والرياضية، اذ جرى منذ العام 1911، تأسيس الجمعية الخيرية الارمنية العمومية في بغداد، ثم اغلقت واعيد افتتاحها عام 1959، وكانت تضم فرقة للغناء الفولكلوري الارمني.. كما كانت جمعية الشبيبة الارمنية الارمنية قد تأسست منذ العام 1926، وانبثقت عنها عام 1954 فرقة كورال (كوميداس) للغناء الفولكلوري الارمني، واشتهرت بعروضها الرائعة في الخمسينيات. مع جمعية ثقافية في البصرة فضلا عن جمعيات خيرية في كل من الموصل وبغداد والبصرة.. أما النادي الرياضي الارمني (الهومنتمن)، فقد تأسس عام 1949. وتأسست الجمعية الثقافية لنساء الأرمن عام 1961.. وكان لهذه الجمعيات والنوادي حرياتها في ممارسة أدوارها الثقافية والحضارية بإقامة الأمسيات الثقافية والاجتماعية والعروض والمهرجانات الرياضية من دون أية معوّقات أبدا.. وحقق بعضها انجازات مهمة باسم العراق مهمة. وقد رفد الارمن العراقيون انفسهم وعلى مدى سنوات طوال بالثقافة الخاصة بهم، وخصوصا خلال النصف الاول من القرن العشرين، فبرز منهم نخبة من المختصين والمثقفين والمبدعين الذين ساهموا مساهمات حقيقية في خدمة المجتمع العراقي في حقول مختلفة، حتى بدأ التضييق عليها لاحقا. 4/ المطبعة والصحف الأرمنية كانت أول مطبعة أرمنية قد تأسست في بغداد عام 1874، والتي من خلالها، طبعت كتب المناهج المدرسية وصحيفة بونج بعد صدورها عام 1890 [16]. لقد اصدر الأرمن العراقيون عدة صحف ونشرات وأدلة عمل، إذ صدرت في بغداد عدة صحف أرمنية، منها صحيفة مدرسية مطبوعة باسم ( بونج: تعني الباقة ) منذ عام 1890، واستمرت تصدر على مدى سنتين. ثم صدرت صحيفة ( تايكرس: أي دجلة) عام 1924، ولكنها توقفت بعد بضعة إصدارات. ثم صدرت صحيفة ( كويامارد: تعني صراع الوجود) الأسبوعية للفترة 1948-1954، وأعيد نشرها للفترة 1957-1958. وكانت مدرسة الأرمن المتحدة الأهلية تصدر صحيفة ( كايدز) ( أي: الشرارة) المدرسية، مع إصدار الكتاب السنوي باسم (ماشدوتس). كان هذا ” الكتاب ” قد وثق الحياة المدرسية بكل أنشطتها وفعالياتها وحياة الجماعات الارمنية في العراق منذ ستينيات القرن الماضي وحتى تأميم المدارس الأهلية في العراق عام 1974.. واليوم، لا توجد للأرمن العراقيين أية صحيفة تعبر عن ذاتهم، باستثناء نشرات تصدرها مطرانية الأرمن الارثودكس في العراق باسم ( كانتيغ ) ( تعني: القنديل ) إلى جانب نشرات أخرى متفرقة. حذاقة الصنّاع وعظمة المشاهير الشخصيات العامة الأرمنية ينقل لنا الأستاذ آرا اشجيان عن الرحالة الانكليزي جاكسون الذي وصل إلى بغداد يوم 14 تموز-يوليو عام 1797 قوله: ” قليل جداً هو عدد الأوروبيين الذي يزاولون الأعمال التجارية في بغداد أو يحتفظون لهم بقناصل فيها. فالانكليز مثلاً ليس لديهم قنصل في بغداد ولكن أعمالهم تدار من قبل أحد الأرمن المدعو (خوجة مايكل) وهو رجل محترم.. ولقد كنت أحمل رسائل معي إلى أرمني آخر يدعى خوجة سطيفان بابك وهو من الأثرياء الكبار ويتكلم الإنجليزية بطلاقة وأنا أعتقد أنه المقيم الوحيد في المدينة الذي يلم باللغة الإنجليزية”. ومن الشخصيات الأرمنية العامة فوسكان مارديكيان (اوسكان أفندي) الذي كان وزيراً للبريد والبرق في الدولة العثمانية، وبناء على دعوة وجهت له من قبل الحكومة العراقية في عشرينيات القرن الماضي، أصبح خبيراً مالياً في وزارة المالية العراقية، وطوًر النظام المالي في العراق وترجم عدة نصوص قانونية من العثمانية إلى العربية. وبرز ايضا، اسم سيروب اسكندريان مديراً للإدارة النهرية في بغداد عام 1910، وأيضا هناك سرابيون سيفيان الذي شغل المنصب نفسه قبل الحرب العالمية الأولى ابان الحكم العثماني، ثم شغل في عام 1921 منصب السكرتير لوزير المالية عقب تأسيس النظام في المملكة العراقية. ومن الشخصيات الارمنية ايضا، مركوريان مدير شعبة المصرف العثماني الذي عين عام 1910 رئيساً لأول غرفة للتجارة في بغداد، وقد غدت على زمنه مرجعاً للأمور التجارية. أما ديكران ايكماكجيان، فقد توّلى منصب سكرتارية مجلس إدارة السكك الحديدية العراقية لسنوات طوال.. وكان كاسبار بوغوصيان رئيساً لأمناء صندوق السكك الحديدية. وهناك مسؤول أرمني آخر اسمه ابكار هوفهانيسيان الذي نصّب مديراً عاماً للمواصلات، ونظير خدماته وإبداعاته، منح وسام الرافدين من الدرجة الثالثة. وكان فاهي سيفيان، مسؤولاً مالياً في بغداد أثناء حكم الدولة العثمانية، ونصّب في خمسينيات القرن الماضي مفتشاً للري العام ببغداد، وقد أسهمت جهوده الممتازة والإجراءات الطارئة التي اتخذها في إنقاذ العاصمة بغداد وضواحيها من أسوأ فيضان تعرضت له بغداد في العام 1954. كما وجد اثنان من المدراء العامين في الموانئ والسكك الحديدية في مدينة البصرة، وهما كريكور كولويان وازكاناز فارتانيان. ولقد عرف في مجال السياسة والدبلوماسية اسكندر ستيبان ماركاريان، اذ كان قد انتخب عام 1947 في البرلمان العراقي ممثلاً لجميع المسيحيين في العاصمة بغداد، ولابد من ذكر كل من القنصلين الفخريين لبلجيكا في العراق، وهما: ديرفيشيان وسيمون غريبيان، وان نذكر ايضا قنصل النرويج الفخري في العراق آرام سيمرجيان. وفي أرمينيا بعد الاستقلال في عام 1991، تقلد اشخان مارديروسيان منصب وكيل الوزارة في وزارة الزراعة ثم الخارجية، وهو من اصل عراقي. كولبنكيان: مؤسسة دولية خدمت العراق والعراقيين أود هنا أن أتوقف قليلاً عند شخصية متميزة وشهيرة لدى كل العراقيين في القرن العشرين، متمثلة بالثري ورجل الأعمال والإحسان الأرمني (كالوست كولبنكيان) وما قدمه للعراق من خدمات كبيرة. فقد كان كولبنكيان يحتفظ بنسبة 5 بالمائة من مجموع أسهم شركات النفط التي طورها، وهي حصته من الأراضي التي كان يمتلكها في كركوك والتي غدت حقولا نفطية منذ العهد العثماني. ومن هنا جاءت كنيته الشهيرة “سيد الـ 5 بالمائة” (Mr. Five Percent) وكانت له حصة 5 بالمائة من أسهم شركة النفط العراقية (IPC). وقد أنشأت مؤسسة كولبنكيان، التي تهتم بشكل أساس بالمشاريع الثقافية والفنية في العالم، ملعب الشعب الدولي وقاعة الشعب في بغداد، وأريد القول انه من دون ملعب الشعب الدولي، كان العراق سيبقى من دون أي ملعب دولي حتى يومنا هذا!! كما منحت مؤسسته الخيرية المئات من الزمالات الدراسية للطلبة في العراق ودول العالم كافة، بغض النظر عن ديانتهم أو قوميتهم أو طائفتهم. وقد استفاد عدد كبير من الطلبة العراقيين من هذه الزمالات، ومنهم من وصل إلى مناصب رفيعة في الدولة. كما ساهمت مؤسسة كولبنكيان في بناء القسم الجديد لمدرسة الأرمن المتحدة الأهلية في بغداد والمستوصف الملحق بها عام 1962، وأنشأت مدرسة في زاخو عام 1969، وملعباً في كركوك. كما ساهمت المؤسسة في بناء كنيسة الأرمن الأرثوذكس في ساحة الطيران ببغداد للمدة 1954 – 1957، ومدرسة ثانوية للأرمن في حي الرياض ببغداد، إلى جانب إهداء أعداد كبيرة من الكتب والمناهج الدراسية للجامعات والكليات والمعاهد ودور العلم العراقية. لقد قام كولبنكيان بزيارة خاصة الى الموصل في سنة 1969 برغبة عارمة من لدنه، واستقبله رؤساء الملة الارمنية استقبالا يليق به وعلى رأسهم الاخوان حنا وبدريك جاقماقجيان، وكان ان اقترح على الحكومة العراقية بناء جامعة كبرى في الموصل على حسابه الخاص تكون من أرقى الجامعات وتجمع كل التخصصات، وخصص لها باختياره موقع ساحر في منطقة البو سيف جنوبي المدينة يطل على نهر دجلة، كما وقام بتجديد وترميم الكنيسة الارمنية، ولكن مشروع الجامعة اخفق لأسباب عدة، علما بأن الأرض قد منحت من كل من آل الجليلي وآل جاقماقجيان لبناء المشروع.. فخسر العراق مشروعا حضاريا وثقافيا كبيرا لأسباب تافهة. وهنا أود الحديث عن آل جاقمجيان وهم من اعرق العوائل الارمنية في العراق. آل جاقماقجيان في الموصل ودورهم الاجتماعي تمتد جذور هذه الأسرة الكريمة ووجودها في العراق إلى أكثر من ثلاثمائة سنة، وهي من الأسر الارمنية النبيلة التي عاشت في الموصل، تقول الرواية التاريخية ان مؤسس الاسرة الاول حنا جقماقجيان قد استقدمه والي الموصل الحاج حسين باشا الجليلي زمن حصار الموصل من قبل نادرشاه بين عامي 1741-1743م إلى الموصل من منطقة سعرت في تركيا اليوم، اذ كان ماهرا بصنع الأسلحة، وبعد انفراج الحصار وعم الانتصار، طلب منه الوالي أن يبقى في الموصل ليعمل فيها وأسرته، فاشتغلوا بتجارة السجاد والأخشاب والخيول. وقد اشتهر عميد الأسرة ميناس جاقماقجيان عند مطلع القرن العشرين، وكان صاحب مزارع وأنعام، وكنت اسمع عن أدواره المهمة في حماية الأرمن المهاجرين وتأمين سلامتهم وتوطينهم والحفاظ على أعراضهم.. كان فارسا مقداما ورجلا صادق القول والعمل، وقد احترمه أهل الموصل كثيرا، وكانت له علاقاته القوية مع أعيانها وكل رجالاتها.. أما اخوه سركيس افندي جقماقجيان، فكان يحتل نفس المكانة في النفوس… وهو أول مختار أرمن في الموصل حيث بدا بجمع العوائل المهجّرة من تركيا والتي نزحت إلى الموصل، وكان راعي شؤون الطائفة الارمنية انذاك 1915 ويعود اليه الفضل والدور الكبير في لمّ شتات المهجّرين الأرمن إلى العراق آنذاك. لقد سجل الكاتب التركي ياسكين اوران في كتابه بالتركية والموسوم (Mk ‘ Adli Cocujun Techiranilari 1915 Ve sonrasi ) مشاهد تراجيدية محزنة جدا عن تلك المأساة. ويروي فيه حوارا مع أحد المعمرّين تتضمنها حكايات شاهد عيان للاحداث عن هجرة الارمن من تركيا الى العراق، ونقلا عنه، اذ كان شاهد عيان وعمره 95 سنة كيف ذهب الى الموصل والتقى مع رجل مسن يدعى سركيس أفندي جقماقجيان يعمل في تجارة السجاد وانه كان في ذلك الوقت اي اثناء الحرب الأولى مختارا للأرمن في الموصل، ومسؤول عن اليتامى ودار العجزة التي انشأها بذلك الوقت ومسؤول عن الكنيسة الارمنية… اذ كان في سنة 1857 قد بنى كنيسة الارمن في الموصل الكائنة في سوق الشعارين بقلب المدينة القديمة. وتروي السيدة طوقاتليان بأن سركيس افندي التقى الحاكم البريطاني، فتأثر الاخير بفكره وعقليته ومنطقه، فأعطاه ورقة تمنحه صلاحية الدخول الى أي بيت في الموصل لاخراج كل الصبايا الصغيرات والاطفال الصغار، ووضعهم في دار للايتام بناه خصيصا لعيشهم تحت اشرافه. لقد كان عمله مشرفا واخلاقيا لحماية اعراض ملته وانقاذ الاطفال الارمن وخصوصا من البنات والصبايا. انجب اخوه ميناس اربعة ابناء رحلوا جميعا، وهم الدكاترة حنا وسعدون وبدريك ( وكانوا قد اختصوا بطب الاسنان ) اما ولده الاصغر جوزيف فقد عمل مديرا للتوزيع في شركة نفط العراق لثلاثين سنة، ثم رجع الى الموصل ليدير شؤون مزارعه، وكان قد اقترح توزيع أراض من أملاكه على موظفي الشركة لغرض بناء بيوت سكنية في مجمع سكني، ولكن قوبل مشروعه بالرفض من قبل الحكومة العراقية.. كان المرحوم حنا جاقماقجيان يتميز بقدراته النادرة في معرفة الخيول العربية واصولها وله فراسته في معرفة قدراتها ومدى سرعتها اشتهر بعلم الفروسية والخيول وارثا هذه الخصال عن والده ميناس جقماقجيان.. وكان العراقيون يطلبون منه ان يكون رجل الهاندي كاب اي رجل الاوزان في السباقات لكثرة خبرته بالخيول وتولعه بها، فكان يلبي مطالبهم من دون أي مقابل.. وهناك حادثة تحكى الى اليوم في مجالس اصدقائنا يذكروها… كيف عرف حنا افندي مهرة درة شمر في احد معارض المهر عند احد القبائل العربية خارج الموصل، ويقال انه يعرف المهرة او الحصان ويؤصله من مجرد معاينته له. اما اخوه الدكتور بدريك، فقد اختير رئيسا للطائفة الارمنية لسنوات طوال.. لقد تشرد ابناءهم اليوم في شتات العالم. يقول احدهم: ” والى يومنا هذا نحن احفادهم ولكننا اصبحنا غرباء في بلد خدمناه في كل الازمنة واخرها انني دافعت جنديا عن العراق 13 سنة جنبا الى جنب اخوتي العراقيين في خندق واحد… واليوم اصبحنا نحن الغير مرغوب فينا.. “! الأطباء الأرمن في مجال الطب، كان أول من ادخل تلقيح الجدري إلى بغداد اوهانيس مراديان الذي قدم إلى بغداد عام 1786. وكان أول طالب عراقي يوفد إلى الخارج للدراسة على نفقة الدولة عام 1921 أرمنياً، واسمه ارستاكيس، وقد أوفد إلى مدرسة البنغال البيطرية في الهند لدراسة الطب البيطري. وكانت أول طبيبة عراقية عينتها وزارة الصحة، أرمنية، هي الدكتورة آنة ستيان، وأول فتاة عراقية دخلت مدرسة الطب في بغداد وتخرجت فيها سنة 1939 كانت الطبيبة ملك ابنة السيد رزوق غنام النائب عن مسيحيي بغداد في مجلس الأمة وصاحب جريدة العراق، ويعتبر شيخ الصحافة العراقية. ومن الأطباء المعروفين الدكتور كريكور استارجيان، وله مؤلفات بالعربية عن التاريخ والثقافة الأرمنية. واشتهر في الموصل قصر استراجيان في الساحل الأيسر، وكان تحفة معمارية رائعة بناه على الطراز الياباني، وبقي تراثا شامخا حتى ازيل عن الوجود قبل سنوات. وهناك الدكتور هاكوب جوبانيان، وهو من مؤسسي كلية الطب في العراق وحاصل على وسام ملكي عراقي (وسام الرافدين من الدرجة الثانية عام 1954) تقديراً لخدماته في مجال الطب والدكتور كارنيك هوفهانيسيان وغيرهم. وهناك كل من الدكتور كره بيت والدكتور موسيس، وقد اشتهرا شعبيا في الموصل. أما الدكتور ديكو اندريوس الاسفنديار، فهو طبيب اسنان مشهور ومميز في بغداد، كانت عيادته الخاصة تقع في بغداد في منطقة (نفق الشرطة) وهو طبيب ممتاز جدا، على الارجح انه هاجر إلى الولايات المتحدة (ولاية ميشغان) في التسعينات. السير آرا درزي: أرمني عراقي وزيرا للصحة البريطانية حاليا السير الدكتور آرا وارتكيس ترزيان، المعروف حالياً بالسير درزي، من اصل عراقي أرمني، ولد ببغداد ودرس الابتدائية فيها، ثم انضم الى كلية بغداد لست سنوات، وحقق نجاحه في البكالوريا عام 1978، وكان والده من كبار رجال الاعمال في العراق، وبعد ذلك غادر العراق برفقة اسرته الى دبلن في ايرلندا التي درس الطب فيها ثم تخصّص.بالجراحة.. لم يكن اجتماعيا ولا يميل الى الرياضة ايام دراسته، كان شديد الذكاء وليس له الا الدراسة، وكان يتررد مع والديه على نادي جمعية الشبيبة الارمنية في بغداد. ذاعت شهرته جراحا قديرا، واصبح رائدا في العمليات الجراحية الكبرى فمنح لقب ( سير ) وهو في سن مبكرة، ثم اختير وزيرا للصحة البريطانية، ولم يزل في منصبه حتى يومنا هذا. الفنانون الارمن 1/ المصورون أما في مجال التصوير فقد عرف المصور السينمائي خاجيك ميساك كيفوركيان، وهو من أوائل الرواد في مجال التصوير السينمائي ومن الرواد القلائل في تقنية التصوير في العراق والوطن العربي. والمصور الصحفي الرائد امري سليم لوسينيان شيخ المصورين الصحفيين العراقيين الذي صور ملوك وزعماء العراق وارشف جزءاً كبيراً من تاريخ العراق، والمصورين الفوتوغرافيين المعروفين ارشاك (صاحب ستوديو ارشاك) وجان (صاحب ستوديو بابل للزعماء والرؤساء ) ومصور الآثار كوفاديس ماركاريان، وفي الموصل اشتهر كل من المصور آكوب والمصور كوفاديس شهرة عريضة.. والفنان المصور آكوب كريكور بنجويان هو خال المصور الكبير مراد الداغستاني الذي اشتهر دوليا بلقطاته الذكية المعبرة، ويعّد هذا الفنان من اعظم المصورين في العالم. اما المصور آكوب ( او يلفظ: هاكوب ) الذي كان يصور كل المناسبات الرسمية انذاك في المتصرفية والمخيمات الكشفية والزيارات الرسمية في الموصل، فهو اشهر من نار على علم، وكان مدرسة في التصوير تخرّج على يديه العديد من الفنانين المصورين الذين اخذوا عنه الدقة والحرفية. 2/التشكيليون وفي مجال الفنون، برز الفنان الرائد بهجة عبوش الذي أنجز صورة عماد يسوع المسيح في سقف كنيسة الأرمن الأرثوذكس في بغداد، وأقيم معرض شامل لأعماله في المتحف الوطني للفن الحديث في بغداد، والفنان التشكيلي ارداش كاكافيان الذي كتبت موسوعة (لاروس) الفرنسية عنه وعن الفنان التشكيلي العراقي جواد سليم، وساران فارتان الكسندريان الذي شارك في نشاطات الحركة السريالية بباريس منذ عام 1947 وله العديد من المؤلفات النثرية والدراسات، والرسام التشكيلي يرجان بوغوصيان وهو من رواد السرياليين العراقيين، والفنان التشكيلي انترانيك اوهانيسيان الذي اشتهر بلوحاته الخاصة. 3/ المسرحيون والمخرجون والمغنّون هناك ممثلة المسرح القديرة ازادوهي صموئيل لاجينيان، والمخرج والممثل والمخرج القدير كارلو هارتيون، والمخرج السينمائي العالمي اشخان افيديس (حكمت لبيب)، وهو من مدينة بعقوبة، والفنانة والمخرجة المتميزة سيتا هاكوبيان التي اشتهرت منذ أربعين سنة في الغناء العراقي، وقد أحبها الشعب العراقي، ولم يزل يذكرها بأطيب الذكر، وقدمت للثقافة العراقية اكثر من 70 عملا، ثم تحوّلت إلى الإخراج اليوم، واقترنت بالفنان المخرج عماد بهجت، وتعد ابنتهما نوفا عماد بهجت واحدة من الفنانات العراقيات في كندا، وهي تمتلك صوتا جميلا. وفي مجال الكتابة والإخراج المسرحي، نال هرانت ماركاريان في عام 1994 بطاقة العضوية في اتحاد الكتاب في أرمينيا، تقديراً لجهوده ونشاطاته في هذا المجال، وقدم حتى تكريمه 17 عملاً مسرحياً، وفي الموسيقى برز كل من الفنانين: كريكور برصوميان وآرام بابوخيان وبابكين جورج وآرام تاجريان ونوبار بشتيكيان، وعازفة البيانو الشهيرة بياتريس اوهانيسيان. وفي مجال المقام العراقي يبرز اسم الأب نرسيس صائغيان البغدادي (1878-1953) الذي امتاز بوفرة معلوماته عن المقام وجميع قراء المقام العراقيين يرجعون إليه لمعرفة أدق المعلومات عن المقام العراقي وصنوفه. وللأب صائغيان أيضا مؤلفاته في التاريخ واللغة ودراسة أصول ونسب العائلات المسيحية البغدادية، وقد نشر بعضها في كتيبات أو في مجلات معروفة مثل (لغة العرب) و (نشرة الأحد) و (النور). وكان سيساك زاربهانيليان موسيقاراً له تميّزه في الأوساط الفنية، ويعد احد فلاسفة الموسيقى الشرقية، وعازفاً بارعاً على آلتي العود والكمان، وكان قد ألف قطعاً موسيقية، مستخدماً فيها مقامات صعبة لم يجرؤ موسيقار غيره على التقرب منها. الأدب والكتابة والتربية في مجال الأدب برز الكاتب والباحث القدير يعقوب سركيس الذي ألف (مباحث عراقية)، وكان ضليعا بتاريخ العراق الحديث، حتى يقال بأنه المؤلف الحقيقي لكتاب ستيفن هيمسلي لونكريك المشهور ” اربعة قرون من تاريخ العراق الحديث “. وهناك الكاتب المعروف يوسف عبد المسيح ثروت، والكاتب ليفون كارمين (استيبانيان)، والكاتب ليفون شاهويان، والمفكر والكاتب بابكين بابازيان. وكان عبد المسيح وزير مثقفا قديرا ومترجما بارعا جاء إلى العراق مع طاقم الملك فيصل الأول وكان من رجال الفكر والمعرفة ووضع القاموس العسكري ومؤلفات أخرى وترجم كتبا عسكرية عدة لوزارة الدفاع العراقية. وفي مجال الكتابة الصحافية يبرز اسم جيراير غاريبيان الذي ألف عدداً من الكتب المهمة، وأجرى العشرات من المقابلات مع الشخصيات الأرمنية المعروفة على الصعيدين السياسي والأدبي. وهناك كل من الكاتبين اليساريين آرا خاجادور وشكري كرابيت بيروسيان عضو نقابه الصحفيين.، وهناك ايضا الكاتب شانت كندريان. أما في مجال التربية، فبرز الأستاذ والمربي الفاضل مهران أفندي سفاجيان المختص باللغات الاوربية، وكان يحاضر في اللغة الفرنسية عام 1908 في المدرسة الجعفرية (ابرز مدارس بغداد آنذاك) واعترف بفضله وخدماته الجليلة تلامذته، ومنهم صادق البصام الذي أصبح في العهد الملكي وزيراً للتربية عام 1941 والعدل عام 1942 وغيرهم. مجالات أخرى في مجال التجارة ورجال الاعمال يبرز اسم هايك طوقاتليان في العراق، وخصوصا في تجارة السيارات، وكان الرجل احد المهاجرين الارمن من تركيا الى العراق اثناء الحرب الاولى وبعد ان فقد اثنتين من أخواته في الطريق ووالده ايضا.. وصل الى الموصل حافي القدمين بدون مأوى… فاستوطنها ودرس فيها ثم استقر في بغداد وبعد ان اجتهد في العمل اصبح من اكبر التجار، وأسس مؤسسة وشركة عالمية باسم انترناشيونال للحاصدات والجرارات.. ومن بعدها اخذ وكالة شركة مارسيدس الألمانية. وهناك أيضا عائلة سيروب كندريان، وهي من العوائل المعروفة في الموصل أيضا، وقد كانوا يعملون كمقاولين تعتمد عليهم الناس اعتمادا كبيرا. كما اشتهر في الموصل ايضا بوغوص بمحلاته في الدواسة للأدوات الاحتياطية. وفي مجال الهندسة، كان المهندس المعماري مارديروس كافوكجيان من المهندسين المعماريين البارزين في الموصل من 1941-1946، وقد وضع المخططات الهندسية لضواحي الموصل واربيل والعمادية. كما أن له مؤلفات بالأرمنية عن أصل الأرمن. وكذلك المعماري الأرمني المعروف خاجاك ماراشليان. وبرز اسم الضابط سيروب تافيت في المجال العسكري، وتوباليان في مجال الطيران المدني. وكان هناك بعض المعلمين الارمن ومن اشهرهم البارون اردا فاوست وغدا مديرا للمدرسة وهناك البارون خاجيك والاب خورين وغيلاهم. الشخصيات النسائية العامة للمرأة الارمنية، شخصيتها المتميزة، وقدراتها وكفاءتها.. وتعتبر ربة بيت من الدرجة الاولى، فضلا عن حسن تربيتها لاولادها وبناتها، وحرصها على التقاليد الارمنية.. ناهيكم عن اجادتها ادارة البيت واحترامها للرجل والسهر على خدمته والمحافظة على شرفه. ان الارمنية بشكل عام تحرص حرصا شديدا على الاقتران بالرجل الارمني، اذ لا يمكنها ان تستبدله بآخرين ابدا حتى وان بقيت عازبة مدى حياتها. ان من اشهر الشخصيات النسوية الأرمنية العراقية العامة قد مثلتها بأوسع أبواب الشهرة الست سارة اسكندريان التي عرفت من قبل أهل بغداد باسم (سارة خاتون) أو (سارة الزنكينة)، وسمي حي كمب سارة في بغداد باسمها لأنها المالكة الحقيقية له. وقد كانت قصتها تراجيدية تناقلتها الأجيال في العراق، إذ ورثت عن أبيها تركة كبرى سطا عليها عمّها وهي يتيمة صغيرة، ووقعت تحت سيطرته، ثم كبرت البنت وكانت جميلة جدا، فوقع في حبها والي بغداد الشهير ناظم باشا، فرفضته رفضا باتا.. وهاجرت إلى فرنسا واقترنت هناك، ولكن حياتها بقيت مضطربة، وعادت الى بغداد وهي صاحبة ثروة كبيرة وأملاك واسعة خسرتها جميعا لانفاقاتها وتبرعاتها ووقفت مع الأرمن المهاجرين وقفة إنسانية، وعاشت بقية حياتها في عسر وضنك، ولكنها بقيت عزيزة النفس شامخة تعتز بعراقيتها حتى توفيت. وهناك السيدة ريجينة خاتون التي أوقفت عدداً من الأراضي للطائفة شيدت على إحداها دارا للمسنين، وهي المؤسسة الأهلية الأولى التابعة للطائفة، وشيدت على الثانية مدرسة ثانوية كانت قد استملكت قسراً من قبل النظام السابق عام 1974.. وهناك شخصية نسائية أرمنية أخرى في الموصل هي هايكانوش خانم والتي كانت تراعي النساء وتحتفظ بهم وترسلهم الى سوريا او لبنان طبعا بعد المخاطبات والرسائل لوجود او العثور على أخواتهم او اخوانهم في تلك البلاد فيتم ارسالهم الى هناك لكي تتجمع الاسرة مرة اخرى وتعود الحياة معهم شيئا فشيئا. وهناك نسوة اخريات من الارمنيات اللواتي ساهمن مساهمة حقيقية في رفد العراق بكل جميل على امتداد القرن العشرين. الرياضيون الأرمن وفي الرياضة حصل جيراير كايايان على أول بطولة لكمال الأجسام في العراق عام 1949، ومثل جورج تاجريان العراق في (3) بطولات اولمبية في رياضة الدراجات وحصل على بطولات عالمية في سباق الدراجات للمسافات الطويلة. كذلك برز اسم بطل المصارعة كريكور عجميان، والحكم الدولي في بناء الأجسام كاريكين سيمونيان، والحكم الدولي اوهانيس يسايان في المصارعة وكمال الأجسام، ولاعب كرة القدم آرا همبرتسوم اوهانيان. إسهامات الأرمن في الصناعات المختلفة كما أدخل الأرمن إلى بغداد صناعة الكاشي الموزاييك والحواشي المزخرفة والصناعات الموسيقية والمأكولات وصناعة العجلات (الربلات) والتصوير الفوتوغرافي. كما يمتهن الأرمن الصناعات الدقيقة والصياغة وميكانيكية السيارات وهناك شريحة من اكفأ مصلحي السيارات ومنهم الفيتر آرتين، وكان هناك العديد من الحلاقين والخياطين والطباعين والنقاشين.. ففي مجال الطباعة، اشتهر سركيس بدروسيان بمطبعته في بغداد، ولقد اشتهر الخياط طاطول بالموصل وعرفنا ابنته الآنسة اسدغيك واحدة من أكفأ السكرتيرات وأنشطهن في جامعة الموصل، اذ بقيت سكرتيرة لعميد كلية الاداب سنوات طويلة. دياسبورا وطن بلا بديل! طيف اجتماعي عراقي حيوي عندما يذكر الأرمن في العراق، لا يمكن لأي إنسان أن ينكر خصوصيتهم التي تميزهم عن بقية أبناء المجتمع، اذ تعتبر بالنسبة للجميع خط احمر لا يمكن لأحد أن يتجاوزه أبدا، وتتمثل باستقلاليتهم في عاداتهم وتقاليدهم وعبادتهم ودراستهم وتربية أبنائهم وأفراحهم وأتراحهم.. انه طيف اجتماعي عراقي لا ينكر دوره البالغ في خدمة المجتمع، والمعروف عن الأرمن العراقيين مهاراتهم وحذاقتهم وذكائهم، فضلا عن أمانتهم وكلمتهم القاطعة، ولا يمكن أن تجد أي واحد منهم يتكّل على الآخ

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *