محمد نور الدين صحيفة السفير – لبنان 21 نيسان/ابريل 2012 قال المرشح الاشتراكي للانتخابات الرئاسية الفرنسية فرانسوا هولاند كلمته الحاسمة بشأن عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي. وأعلن، الأسبوع الماضي، أنه في حال انتخابه رئيسا لفرنسا فلن يكون مكان لتركيا في الاتحاد طوال مدة رئاسته. وبذلك باتت تركيا بين فكي كماشة الاشتراكيين والرئيس الحالي نيكولا ساركوزي. ليس من أحد في تركيا يريد عودة ساركوزي إلى السلطة، فقد أذاق الأتراك المر في معظم سياساته على امتداد فترة رئاسته. ولقد برزت قضيتان أساسيتان في العلاقة التركية مع فرنسا في عهد ساركوزي. الأولى، هي مسألة «الإبادة» الأرمنية واندفاع ساركوزي إلى تشريع قانون يقضي بمعاقبة من ينكر حدوث «الإبادة». وقد أثار ذلك توتراً شديداً بين البلدين، لم يقفل سوى من قبل المجلس الدستوري الفرنسي الذي أبطل القانون الذي أقره مجلس النواب الفرنسي. والقضية الثانية هي الصراع على النفوذ في البحر المتوسط. وأبرزت الأحداث الليبية الصراع الفرنسي – التركي عندما وقفت باريس منذ البداية ضد العقيد الليبي معمر القذافي، وبادرت، قبل أي شرعية دولية، إلى التدخل العسكري ضد قوات القذافي، وكانت أول من اعترف بالمجلس الوطني الليبي الانتقالي، فيما كانت أنقرة ترفض إطاحة القذافي حفاظاً على مصالحها الاقتصادية. ويتهم رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان الغرب بأنه ينظر إلى ليبيا بعين النفط والمصالح، فيما أردوغان نفسه كان يرد على منتقدي تأييده للقذافي بأن «مواقف تركيا تمليها المصالح». بل كانت تركيا تعارض تدخل حلف شمال الأطلسي. لكن تنطح فرنسا بمفردها، وإظهار أنها «أم الصبي» أجبر تركيا على أن تعود وتوافق على تدخل حلف شمال الأطلسي من أجل سحب بساط قيادة إطاحة القذافي من تحت أقدام فرنسا، وتسليم القيادة إلى الحلف، بل ان تركيا شاركت في الغزوة بعدما كان أردوغان يقول «وأي شأن للأطلسي هناك؟». ويسجل لساركوزي انه لم يزر تركيا زيارة رئيس دولة بل كان يزورها للمشاركة في مؤتمرات متعددة الأطراف. وحين زارها قبل حوالي السنة والنصف كان ذلك في إطار زيارة عمل، ولمدة ساعات، حتى أنه لم ينم ليلته فيها، وقال بعدها الرئيس التركي عبد الله غول انه كان الأفضل لساركوزي ألا يزور تركيا من أن يزورها بهذا الشكل. ويبقى الموضوع الأوروبي العقدة الأساسية في العلاقات بين البلدين، حيث شكل ساركوزي «درعاً» مع ألمانيا لمنع تقدم تركيا على طريق المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي. ومع أن التوافق بين باريس وتركيا قليل ونادر في الموضوعات، فقد برزت سوريا عامل تلاق شبه وحيد بين البلدين، حيث نسّق البلدان المواقف المعادية لدمشق، ومنها التشارك في تشكيل «المجلس الوطني السوري» المعارض وتقاسم قيادته بين موالين لفرنسا وآخرين موالين لأنقرة. ومن علامات ذلك التقاطع في الملف السوري أن مؤتمر «أصدقاء سوريا» سينتقل من اسطنبول إلى باريس، كما لا يفوّت الطرفان أي فرصة تنسيق للضغط على النظام السوري. باستثناء الملف السوري، فإن أنقرة تتمنى أن يهزم ساركوزي في الانتخابات الرئاسية، آملة أن يشكل وصول هولاند فرصة لبداية جديدة في العلاقات الثنائية. لكن ذلك لا يبدو في الأفق، ذلك أن الاشتراكيين، بالرغم من أنهم يبدون أقل تشدداً من اليمين في انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، إلا إنهم يبدون في القضايا الخلافية مع أنقرة، ومن بينها المسألة الأرمنية والحريات وحقوق الإنسان وحقوق الأكراد في تركيا، أكثر تشددا من اليمين ومن ساركوزي. وبالنسبة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فقد كان لتصريح هولاند حول رفض انضمام تركيا إلى الاتحاد وقع سيئ في أنقرة. كذلك فإن موقف الاشتراكيين من سوريا والسياسة الخارجية عموما ليس واضحاً بعد. ولو افترضنا انه سيكون استمراراً لسياسة ساركوزي في الملف السوري فإنه يحتاج إلى وقت للتبلور، في وقت تتسارع فيه الأحداث، وهو على الأرجح لن يكون كما كان في عهد ساركوزي بالنسبة للتنسيق مع تركيا. وفي حال خسارة ساركوزي في الجولة الثانية النهائية فستخسر أنقرة حليفاً مجرّباً في الملف السوري، لكنها لن تكون آسفة على رحيله في كل الملفات الأخرى. وفي المقابل لن تكون صفحة هولاند أفضل، خصوصا أن تجارب حكم الاشتراكيين في فرنسا، ولا سيما في عهد فرانسوا ميتران وزوجته دانيال «أم الأكراد» لم تكن مريحة لتركيا ولا مشجعة.