لمحة عن الصحافـة السـوريـة والأرمـن

د. نورا اريسيان 22 نيسان 2006 تعتبر الصحافة من أكبر المصادر التاريخية التي تعكس الأحداث والوقائع التاريخية في حقبة زمنية محددة. وبهذا فإن الصحافة السورية لها اعتبارها الكبير حيث رصدت بشكل مفصَّل المذابح والإبادة التي تعرَّض لها الأرمن في الإمبراطورية العثمانية، وكذلك وصفت أحوال الأرمن الناجيـن من تلك المجازر، حيث يتمثل كل ذلك أمامنا كوثيقة تاريخية هامة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن أصداء تهجير الأرمن وإبادتهم قد ظَهرت أيضاً في صحف معروفة في بلدان أخرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبلغاريا وتركيا وروسيا وبريطانيا وكندا الخ. إلا أن الصحافة العربية السورية تنفرد بطريقة طرح الموضوع وبأسلوب التوضيح الخاص لأن السوريين كانوا شاهدين عيان على تلك الأحداث، مما أعطاهم الإمكانيةَ لتوضيح الحدث بموضوعية أكبر. ولا نعني بشاهدين عيان فقط السكان السوريين بل نعني الصحفيين والخطباء ورجال الفكر الذين قاموا بتسجيل الحدث بكامله عن طريق الصحافة. ويمكننا القول إن صحافة تلك الفترة تعتبر اليوم أفضل رهان ودليل على الإبادة الأرمنية وبشكل عام على تاريخ الأرمن المستقرين في سوريا. وتعود قيمة هذه الدراسة إلى أنه كان من الضروري جداً بحث ودراسة تاريخ الإبادة الأرمنية من وجهات نظر مختلفة. وإن الصحافة السورية لهي المصدر التاريخي الأكيد، والوثيقة الوحيدة الذي تتحدث حول تهجير الأرمن من ديارهم وجرِّهم الى صحراء سـوريا ومحاولة إفنائهم فيها. كانت سوريا تشكِّل قسماً من الإمبراطورية العثمانية وكان الإعلام يقع تحت ضغط الرقابة القاسـية. وعلى الرغم من خطورة الموقف وفي هذه المرحلة الصعبة التي احتوت على تهديدات بإغلاق الصحف والمحاكمات الشخصية، إلا أن الصحافة السورية لم تتوانَ في تقديم مسائل الأرمن تحت ضوء الحقيقة. فمثلاً تَمَّ شنق المفكر المعروف شكري العسلي صاحب صحيفة (القبس)، الصادرة في دمشق عام 1913، مع رفاقه الشهداء على أعواد المشـانق من قبل الاتحادييـن ثمناً لدفاعه عن قضايا وطنية ولما كان قد قاله وكتبه 1. ويمكننا الاستعانة بمَثل آخر كان الأرمن فيه سبباً لإغلاق الجريدة. فقد أغلقت الحكومة العثمانية صحيفة (الشهباء) الصادرة في حلب عام 1877 بعد صدور عددها الثاني عندما نشرت خبراً حول رفض المسؤول التركي قبول الأرمن المتطوعين في الجيش التركي إلا بعد تغيير أسمائهم المسيحية إلى مُحَّمَدية 2. وقد كانت الصحافة السورية تقوم بنشر أخبار محلية وخارجية. وليس من باب الصدفة أن تتطرق الصحافة السورية لأخبار الأرمن، ذلك نظراً لأنهم كانوا يشكلون نسبة لا بأس بها داخل الإمبراطورية العثمانية وكان لهم دور فعال فيها ويلعبون دوراً لا يقبل الدحض خاصة في الحياة الاقتصادية. لقد كان الأرمن كباقي شعوب الإمبراطورية العثمانية يتعرضون الى سياسة التتريك. إنما كان الأرمن، علاوة على كافة الأقليات الأخرى، قد تعرضوا إلى الملاحقات والمجازر الجماعية. وكانت المقالات المتعلقة بالأرمن تتضمَّن بشكل أساسي على المواضيع التالية: أخبار تهجير الأرمن، وصف للمذابح، إحصاءات عن عدد الأرمن، مقارنات بين حال الأرمن والعـرب، شهادات وتعليقات. وكانت تلك المقالات تُكتَب من قبل رجال صحافة وفكر معروفين انطلقوا في إطلاق أحكامهم من مبدأ أن القضية الأرمنية هي قضية إنسانية عليهم الإفصاح عنها وفضح خفاياها كي يستطيع العالم تحديد رأيه وموقفه. 1- جوزيف الياس: تطور الصحافة السورية في مائة عام، بيروت 1983، الجزء الأول، ص 133 2- هاشم عثمان: الصحافة السورية ماضيها وحاضرها 1877-1970م، دمشق 1997، ص 6

بلجيكا-البرلمان

الأرمن.. التاريخ الصامت

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *