بقلم مجدى خليل مدير منتدى الشرق الاوسط للحريات صوتت لجنة الشئون الخارجية في الكونغرس الاميركي في 11 تشرين الاول/اكتوبر 2007 باغلبية 27 مقابل 21 صوتا علي مشروع قانون يعتبر ما تعرض له الشعب الارمني من مجازر علي يد الاتراك العثمانيين عام 1915 ابادة جماعية.ويرعى القرار 226 عضوا في مجلس النواب الاميركي من مجموع 435 عضوا.واذا صدر القرار فهو قرار رمزي غير ملزم لمجرد تسجيل موقف تعاطف مع هذه المأساة التاريخية المروعة. ولم يكن ذلك هو القرار الاول او المحاولة الاولي، ففي 10 ايلول/ سبتمبر 1984 وافق الكونغرس بمجلسيه باقرار يوم 24 نيسان/ابريل 1985 انه يوم وطني لذكري”لا انسانية الانسان تجاه الانسان” لابادة مليون ونصف من اصول ارمنية علي يد الاتراك العثمانيين في 1915. وتحاول الجاليات الارمنية في الغرب تكثيف اعترافات البرلمانات الغربية بالمأساة الارمنية حتي يستطيع الرأي العام الغربي الضغط علي تركيا للاعتراف بهذه الابادة التاريخية التي تعد اول ابادة انسانية في القرن العشرين. وتتداخل السياسة الحزبية وجماعات الضغط فيما يتعلق بمحاولات هذه البرلمانات الغربية، فمن ناحية السياسة الحزبية نجد ان الذين تقدموا في تشرين الاول/اكتوبر 2000 بقرار جديد للكونغرس للاعتراف بالابادة الارمنية كان عضو الكونغرس الجمهوري جيمس روجان في ظل حكم كلينتون الديمقراطي ووقتها كان الجمهوريون اغلبية في المجلسين. وفي تشرين الاول/اكتوبر 2007 تقدم النائب الديمقراطي ادم شيف في ظل ادارة بوش الجمهورية، اما من ناحية جماعات الضغط فنجد ان كل من العضوين جيمس روجان وادم شيف في دائرة كونغرسية يسكنها اغلبية من الارمن الاميركيين،فاكثر من 70000 مواطن من اصل ارمني يعيشون في دائرة الراعي الرئيسي للقرار ادم شيف في لوس انجلوس،وايضا هناك عدد كبير من الارمن يقطنون في منطقة نانسي بيلوسى رئيسة مجلس النواب. ولا يعد اعتراف الكونغرس الامريكي هو الوحيد في الغرب بالنسبة للمجازر التي حدثت للارمن، فأكثر من 25 دولة غربية اعترفت برلماناتها رسميا بهذه الابادة الانسانية منذ بيان الحلفاء في 28 مايو 1915وايضا في تقرير لجنة جرائم الحرب بالامم المتحدة الذى صدر في 28 ايار/مايو 1948 ،ثم مجلس النواب القبرصي في 29 نيسان/ابريل 1982 ،فالمجلس الوطني الارجنتيني في 19 حزيران/يونيو 1985 ،فاللجنة الفرعية لمنع العنصرية وحماية الاقليات في الامم المتحدة في عام 1985 ،فقرار البرلمان الاوربي في 18 حزيران/يونيو 1987،والدوما الروسي في 14 نيسان/ابريل 1995 ، فالرئاسة البلغارية في 20 نيسان/ابريل 1995 ،والبرلمان اليوناني في عام 1996،ومجلس الشيوخ البلجيكي في 26 آذار/مارس 1998 ،والبرلمان السويدي في 29 آذار/مارس 2000،ومجلس النواب اللبناني في 11 ايار/مايو 2000،ومجلس النواب الايطالي في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2000،فالمجلس الاوربي الجمعية البرلمانية في 24 نيسان/ابريل 2001،فبيان قداسة بابا الفاتيكان الراحل يوحنا بولس الثاني في 27 ايلول/سبتمبر 2001،فالقانون الفرنسي الذي صدر في 29 كانون الاول/ديسمبر 2001 بالاعتراف بابادة الارمن علي يد الاتراك،وقرار الجمعية الوطنية الفرنسية بالسجن سنة وغرامة 45 الف يورو لمن ينكر هذه الابادة والذي صدر في 12 تشرين الاول/اكتوبر 2006،ومجلس الشيوخ الكندي في 13 حزيران/يونيو 2002،ومجلس العموم الكندي في 21 نيسان/ابريل 2004،ومجلس النواب الهولندي 21 نيسان/ابريل 2004،والمجلس الوطني السويدي في 16 كانون الثاني/يناير 2003،وقانون صدر في اورغواي في 26 آذار/مارس 2004،وقرار البرلمان السلوفاكي في 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2004، ومجلس الكنائس العالمى فى 21 شباط/فبراير 2005،وقرار مجلس الشيوخ التشيلي في 5 حزيران/يونيو 2007. ونلاحظ هنا اولا ان اغلب هذه الاعترافات جاءت بعد سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1989، فقبل ذلك التاريخ كان العالم مشغولا بالحرب الباردة مما عطل العدالة الدولية وحقوق الانسان.فمنذ نهاية محاكمات نورمبرغ تعطلت العدالة الدولية حتي عام 1993 وهي صدور المحكمة الجنائية في جرائم يوغوسلافيا السابقة ثم رواندا 1994 ثم نظام روما للمحكمة الجنائية ثم المحكمة الجنائية الدولية، وهكذا دخل العالم مرحلة جديدة يمكن تسميتها “الصحوة الحقوقية الكونية” تلازمت مع تطورات العولمة بيد ان تراجعت هذه الصحوة بعد احداث 11 ايلول/سبتمبر 2001 .والملاحظة الثانية لم تعترف دولة عربية او اسلامية واحدة بابادة الارمن سوي لبنان وهي لا توصف كدولة اسلامية وانما دولة يشكل الارمن فيها نسبة لا باس بها حتي ان زوجة رئيس الجمهورية اندريا لحود ارمنية.ولم تعترف دولة اسلامية واحدة ايضا بالهولوكوست اليهودي، وهكذا خرجت الدول العربية والاسلامية من الاعتراف باكبر مذبحتين في القرن العشرين وهما مذبحة الارمن ومذبحة اليهود.وزادت الدول العربية والاسلامية عصيانا علي دخول النادي الانساني بعد 11 ايلول/سبتمبر.والملاحظة الثالثة انه لم تحدث اي مذبحة سواء في القرن العشرين او الحادي والعشرين في دولة يحكمها نظام ديمقراطي ليبرالي. ماذا يريد الارمن من اثارة الموضوع؟ هناك اربعة مستويات تسعى الجاليات الارمنية حول العالم الى تحقيقها: المستوى الاول: هو الاعتراف بما حدث للارمن من مذابح وتسجيل ذلك عالميا على انه ابادة جماعية لشعب وامة. المستوى الثانى: هو الاعتراف بأن هذه الابادة قامت بها تركيا العثمانية وان يضغط المجتمع الدولى على تركيا ايضا للاعتراف بذلك. المستوى الثالث :هو تحميل تركيا المسئولية القانونية وما يترتب عليها من التزامات دولية عن هذه المذابح. المستوى الرابع :هو تجريم كل من ينكر الهولوكوست الارمنى كما حدث من قبل مع الهولوكوست اليهودى. بالنسبة للمستويين الاول والثانى تحققا بشكل كبير فى الغرب، وبالنسبة للمستوى الثالث هو حق اساسى لهم، فهذه جرائم لا تسقط بالتقادم وهناك التزامات دولية على تركيا الحديثة تجاه شعب قطن هذه البلاد قبل الاتراك فكيف يتم محوه من الخريطة والقضاء على تراثه بدون اعطاء فرصة حتى لعلماء الاثار للتنقيب عن اثار وتاريخ هذا الشعب. اما بالنسبة للمستوى الرابع وهو تجريم انكار المذابح فهو عمل غير مستحب لان للمؤرخين الحق الكامل فى كتابة رؤياهم للتاريخ بدون قهر او مطاردة، وعموما هذا المستوى لم يتحقق الا فى الجمعية الوطنية الفرنسية ولم يصدر قانون به لان مجلس الشيوخ الفرنسى اوقف هذا المشروع. كل المؤرخين الثقاة يعترفون بالمجازر وحرب الابادة التي تعرض لها الشعب الارمنى على يد العثمانيين في الفترة( 1894-1896) ثم المذبحة الكبري في عامى 1915،1916 .والملاحظ ان الشوفينية التركية كانت تتماثل مع الشوفينية الالمانية بعد ذلك حيث الدعوة في الاولي لسيادة العصر الطوراني وفى الثانى لسيادة العنصر الآري،وحتى في السياسات وهي التي اطلقها هتلر وسماها الحل النهائى Final Soluation The للمسألة اليهودية هي نفسها التي اطلقها السلطان عبد الحميد “ساسون من دون ساسون” اي ساسون بدون ارمن حيث صرح الصدر الاعظم وقتها كوتشوك سعيد حليم باشا ان المسالة الارمنية لا تحل الا بازالة الارمن من الوجود نهائيا.واذا كانت المذابح الاولي قد تمت علي يد السلطان عبد الحميد،فان المذبحة الكبري التي تمت عام 1915 والتي كان ضحاياها لا يقلون عن مليون نسمة قد نفذتها جمعية الاتحاد والترقى (تركيا الفتاة) وقام بها السفاحان طلعت باشا وانور باشا.ولقد وقع تحت ايدي المؤرخين برقية صادرة من طلعت باشا وزير الداخلية تحمل رقم 1181 في 16 ايلول/سبتمبر 1915 لولي حلب هذا نصها “لقد ابلغتم من قبل ،انه تقرر نهائيا،حسب اوامر الجمعية ابادة الارمن الذين يعيشون في تركيا والذين يقفون ضد هذا القرار لا يسعهم البقاء في وظائفهم.ومهما تكن الاجراءات التي ستتخذ شديدة وقاسية،ينبغي وضع نهاية للارمن.لا تلقوا بالا باي صورة للعمر والولدان والرجال والنساء”. ولهذا يقول المؤرخ الكبير ارنولد توينبي”لم يكن المخطط يهدف الا الى ابادة السكان المسيحيين الذين يعيشون داخل الحدود العثمانية”.ويقول السفير الاميركي لدي القسطنطينية في كتابه “قتل امة” ، “في ربيع عام 1914 وضع الاتراك خطتهم لابادة الشعب الارمني وانتقدوا اسلافهم لعدم تخلصهم من الشعوب المسيحية او هدايتهم للاسلام منذ البدء”، ويواصل السفير الذي كان سفيرا لبلاده في الفترة (1913-1916 ) “عندما اعطي الحكام الاتراك الاوامر للقيام بعمليات التهجير هذه،كانوا بالفعل يعطون اوامر لابادة عرق باكمله.انا متاكد من ان تاريخ البشرية باكمله لم يشهد مثل تلك الاحداث المرعبة” .ويقول ونستون تشرشل “لقد نفذت الحكومة التركية دونما رحمة المجازر والترحيلات الشائنة ضد الارمن في اسيا الصغري.وقد جاءت تصفية هذا العرق في اسيا الصغري علي نطاق واسع وعلي اكمل وجه”. ويقول الرئيس الفرنسى الاسبق فرانسوا ميتيران في 6 كانون الثاني/يناير 1984″ان ذكرى ما حدث لن تمحي ابدا،ويجب ان تبقي ماثلة في الاذهان كجزء من تاريخ الانسانية،كما يجب ان تبقي تضحية اولئك الناس درسا للشباب،درسا في الارادة علي البقاء”. حتي ادولف هتلر اعترف بابادة الارمن واتخذه كعامل مشجع على ضعف الذاكرة الانسانية ،ففي خطاب له في 22 آب/اغسطس 1939 يقول “لقد اصدرت الامر الي وحدات الموت التابعة لي بان تبيد بلا رحمة ولا شفقة رجال العرق الناطق بالبولونية ونساءه واطفاله،حتي نستطيع بهذه الطريقة فقط حيازة المدي الحيوي الذي نحن في حاجة اليه،من يتذكر اليوم ابادة الارمن”.فى 7 تشرين الاول/اكتوبر 1915 نشرت صحيفة نيويورك تايمز صورة دخلت الذاكرة الانسانية وهى صورة ابادة الارمن اثناء الترحيل القسرى عن تركيا. لقد ارتكبت الخلافة العثمانية من المجازر ضد الارمن والاشوريين والسريان والكلدان واليونانيين والصرب والعرب ما يشيب له الولدان، من سميرنا الي ساسون ،ومن ديار بكر الي سيواس ،ومن انطاكية الي حلب،ورغم هذه المجازر التي ارتكبها العثمانيون في كل مكان الا ان القانون التركي الحالي يجرم مجرد ذكرمذابح الارمن ناهيك عن الاعتذار عنها،ومن يتجرأ او يذكر هذه المذابح كحقيقة تاريخية يدخل السجن بتهمة اهانة الهوية التركية،وهذا ما حدث مع الروائي الحائز علي نوبل اورهان باموك الذي انقذته الجائزة من دخول السجن،وحتي لو تطرقت لهذه المذابح في رواية فانت معرض ايضا لدخول السجن وهذا ما حدث مع الكاتبة التركية اليف شفق. وتجرم تركيا اي ذكر لهذه المذابح وتمنع حتي علي علماء الاثار الدوليين تتبع تاريخ هذا الشعب العريق الذي سكن هذه البلاد قبل الاتراك الحاليين بمئات السنين. لقد تم قتل اكثر من مليون ارمنى ، وتحول حوالى ربع مليون آخرين الى الاسلام بشكل اجبارى ، وتمت اكبر عملية ترحيل قسرى فى التاريخ الحديث ، وتراجعت المسيحية فى تركيا من اكثر من ربع عدد السكان الى اقل من 1%، واغتصبت النساء ونهبت الثروات وتم تحويل الكنائس الى مساجد ولا تستطيع كلمات مهما ان بلغت قوتها ان تعبر عن حجم المآسى التى تعرض لها الشعب الارمنى. المسألة الارمنية لا تحتاج الى تسويف او لعب بالوقت لترحيل الالتزامات ،فهى مؤرخة ومسجلة وموثقة وقتلت بحثا .. وتنتظر الادانة الدولية الواسعة. على الضمير الانسانى ، والاسلامى خصوصا، ان يرتقى الى مستوى الحدث ويعترف بشكل كامل وواضح بهذه الابادة اللانسانية، وان نطهر ضمائرنا جمعيا من مجرد التقاعس عن ادانة هذه الاعمال الوحشية… وهذا اضعف الايمان.