وجّه ما يقارب الثلاثمئة مثقف وأكاديمي أرمني من جمهورية أرمينيا قبل أسابيع، خطاباً مفتوحاً الى الرئيس التركي عبد الله غول، يناشدونه فيه الاعتراف بالابادة الجماعية التي ارتكبت ضد الارمن عام 1915. وجاء في الخطاب “ان علاقات حسن الجوار بين أرمينيا وتركيا تتطلب شجاعة وحلولاً واقعية… ينبغي علينا جميعاً تقبل حقيقة أن تركيا العثمانية هي المسؤولة عن جريمة الابادة ضد الأرمن، وان تركيا الحالية هي وريثة هذه المسؤولية”. وأضاف الخطاب “ان زيارتكم ارمينيا، ومساهمة تركيا في تحقيق الاستقرار الشامل في منطقة القوقاز، تبعثان على الأمل في ظهور حركة سياسية واقعية داخل تركيا. بيد ان هذه الجهود قد تفشل اذا لم تتخذ الدولة خطوات حاسمة نحو وضع حد نهائي لسياستها الحالية المتمثلة بإنكار الابادة الجماعية للأرمن”. هذه الخطوة رافقتها خطوة مماثلة احدثت صدمة في اوساط السياسيين والمثقفين الاتراك، بادر اليها مجموعة من المثقفين والاكاديميين الاتراك خاطروا بحياتهم، وعلى رأسهم المفكرين باسكين اروان واحمد انسيل، والصحافيين جنكيز اكتار وعلي بايرامواغلو. الخطوة تمثلت بحملة لجمع التواقيع على موقع لشبكة الانترنت تحت عنوان “نحن نعتذر” على عريضة تدعو الى الاعتذار عن التطهير العرقي للأرمن خلال الحرب العالمية الاولى. وجاء في نص العريضة “ضميري لا يسمح لي بإنكار الكارثة الكبرى التي تعرض لها الأرمن العثمانيون عام 1915، ارفض هذا الظلم، واتعاطف مع مشاعر الألم لاخواني الأرمن، واعتذر لهم”. وقال باسكين اوران استاذ العلوم السياسية لصحيفة “الاندبندنت” البريطانية بتاريخ 15/12/2008، همنا هو أن نتمكن من النظر الى المرأة في الصباح… وتحرير انفسنا من مواجهة الماضي”. وبحسب الصحيفة نفسها، فان الحديث عما تعرض له الارمن في الامبراطورية العثمانية يبقى موضوعاً حساساً ومحرماً داخل تركيا. فأورهان باموك الحائز جائزة نوبل للآداب، دين عام 2005، لإعلانه ان مليون ارمني قتلوا خلال الحرب العالمية الاولى. وفي عام 2007، قتل الصحافي التركي الأرمني الأصل هرانت دينك على يد احد القوميين الاتراك لأنه دافع مراراً عن هذا الموضوع. المؤرخة التركية عائشة هور (بحسب صحيفة “زمان” التركية 5/12/2008) قالت “ان الاعتذار واجب على المسؤولين عن الجريمة، او على اولئك الذين يشاركونهم الحجج نفسها”. واضافت هور “الاّ ان منظمي العريضة يركزون على احداث عام 1915 فقط، بينما كانت هناك احداث قبل وبعد تلك الفترة. هناك تقليد للدولة يضفي الشرعية على كل هذه ااحداث ويمنع مناقشتها. وأخيراً على الدولة ضمان المناخ الملائم لمناقشة كل ذلك، ثم عليها الاعتذار نيابة عن الجناة، ونيابة عن نفسها لأنها شرّعت أعمال هؤلاء عبر السنين”. هذا الاعتذار لم يتعرض فقط لحملة انتقادات من جانب الاتراك الذين ينكرون الابادة، بل ايضاً من جانب بعض الاتراك الذين شعروا بأن العريضة لم تذهب بعيداً بما فيه الكفاية. فمنسقة رابطة المواجهة يلدز ايتكين قالت “هذه انطلاقة جيدة ولكنها غير كافية. اولاً، ما هو المقصود بالنكبة الكبرى؟ لندعوها بالاسم، إنهاابادة. وثانياً، على الدولة أن تعتذر. العريضة وان تعرضت لانتقادات وردود فعل غاضبة من بعض الجهات، خصوصاً من القوميين الاتراك الذين وصفوها بالخيانة العظمى، الاّ انها كسرت المحرمات داخل تركيا، وتبقى خطوة ايجابية”، اولاً، لجهة اضفاء مناخ ملائم داخل تركيا للحديث علناً عن الصفحات السوداء في التاريخ التركي، وثانياً، لتثقيف الشعب التركي الذي ظل لسنوات طويلة يجهل حقيقة الابادة التي تعرض لها الارمن العثمانيون عام 1915. يبقى ان تطبيع العلاقات بين ارمينيا وتركيا يحتاج الى اكثر من الاعتذار العلني. هذا التطبيع يصبح نهائياً عندما تعترف الحكومة التركية بارتكابها الابادة الجماعية في حق الارمن خلال الحرب العالمية الاولى، التي ذهب ضحيتها ما يقارب المليون ونصف مليون ارمني. والاعتذار العلني حتى وان صدر عن المسؤولين الاتراك الا انه لا يمكن النظر اليه كبديل من الاعتراف الرسمي والتعويض واعادة حقوق الشعب الارمني. وستبقى الذاكرة الجماعية الارمنية تتوارث هذه المأساة من جيل الى جيل حتى تحذو تركيا حذو المانيا التي اعترفت بما فعله النازيون باليهود في الحرب العالمية الثانية. (•) المديرة التنفيذية للهيئة الوطنية الارمنية للشرق الأوسط. بقلم فيرا يعقوبيان (•)