جريدة الاخبار-لبنان 8 شباط/فبراير 2014 رشا ابي حيدر «نعم للاندماج لا للانصهار»، شعار لطالما رفعه الارمن أينما حلّوا منذ حرب الابادة والتهجير التي تعرّضوا لها على أيدي الاتراك العثمانيين قبل نحو 100 عام، لكن الازمة السورية، ومنذ نشوبها، عزّزت مفهوم المواطنة بين أبناء الاقلية الارمنية برغم التهجير الذي طاول الآلاف منهم «لا أخفي عليكم مشاعر الغيرة والافتخار التي تنتابني عندما أرى الوفد الدبلوماسي السورية. أتمنى لو تسنح لي الفرصة في المستقبل لأدافع عن بلدي بلساني وعقلي… سوريانا تستحق منّا كل محبة… كل جهد… وكل تضحية». بهذه الكلمات يعلّق الناشط الارمني السوري كيفورك ألماسيان (27 عاماً) على مؤتمر «جنيف 2» على صفحته على «فايسبوك». لا تقلّ حماسته، وهو الأرمني الأصل، عن حماسة أي سوري آخر. في أيار 2011، خطف هاروت (25 عاماً)، شقيق كيفورك، مع صديقته على أيدي عناصر «لواء التوحيد» الذين اتصلوا بعائلته وطالبوا بـ 40 ألف دولار لاطلاقه. بعد ساعات من التعذيب الجسدي والنفسي الذي تعرّض له هاروت، بحسب ما يروي شقيقه، جرى الاتفاق على مبلغ 12 ألف دولار دفعها والده في مقرّ المسلحين في منطقة عندان في حلب، لاستعادة ابنه، والتوجّه مع عائلته الى بيروت. شهادة كيفورك في العلوم السياسية ساعدته على تأمين عمل. تكثفت زياراته الى العاصمة السورية في الآونة الاخيرة. هو حتماً لا يريد البقاء في بيروت. أمل العودة قريباً الى مسقط رأسه، حلب، كبير جداً. بعد مرور ثلاث سنوات على نشوب الازمة، نال الارمن (الارثوذكس والكاثوليك والانجيليون) حصّتهم من الحرب قتلاً وخطفاً وتهجيراً، شأنهم شأن بقية السوريين، لكنهم «اكتشفوا» ان سوريا «وطن، لا محطة نزوح». وهو شعور أدّى التورط التركي في الحرب السورية دوراً في تقويته، «فالمجزرة التي نتعرّض لها اليوم هي نفسها التي تعرّض لها أجدادنا على أيدي الاتراك»، بحسب كيفورك. «نعم للاندماج لا للانصهار» شعار يقول كيفورك إن الأرمن في المشرق العربي نشأوا عليه، لكن الحرب في سوريا «أظهرت أنه ليس صحيحاً على الاطلاق. وطني الام سوريا والولاء هو لها»، يشير الى أن كثراً من أصدقائه الذين نزحوا الى أرمينيا، بعد الحرب، «لم يستطيعوا التكيّف. نحن، كسوريين، مختلفون عن المجتمع الارمني. ثقافتنا مختلفة. حتى إن التلاميذ الأرمن السوريين رفعوا العلم السوري في المدارس التي التحقوا بها في أرمينيا». ويقدّر عدد الأرمن السوريين، قبل الأزمة، بـ 80 ألفاً، يقيم نحو 80 في المئة منهم في حلب، ونحو 10 في المئة في دمشق، وتتوزّع الـ 10 في المئة الباقية على دير الزور والحسكة والقامشلي والرقة. اضطرتهم الأحداث الدامية، وخصوصاً في حلب، إلى النزوح الى مناطق أخرى في دمشق واللاذقية وطرطوس، كما توجّهت أعداد منهم إلى لبنان أو الى أرمينيا. يتابع أنطوني باردكجيان (24 عاماً) دراسته في يريفان. «أعيش هنا كأي شخص رحل عن بلده. أحتاج الى وقت للتأقلم. منذ طفولتي ولائي هو لأرمينيا وسوريا معاً». وبرغم عدم تفاؤله بتحسّن الاوضاع قريباً، وخصوصاً في حلب، يؤكّد: «سأعود عندما أشعر بزوال الخطر» لأن «الرزق والمنزل والكثير من الاشياء هناك». منذ نشوب الحرب، تحاول مطرانية الارمن الارثوذكس في حلب وتوابعها مواصلة ما كانت تقوم به اجتماعياً وانسانياً، كرعاية الايتام والمسنين والفقراء. المتحدّث باسم المطرانية جيراير ريسيان يؤكّد، في حديث مع «الأخبار»، أن «المدارس والجامعات والنوادي الثقافية والجمعيات الخيرية لا تزال تعمل، ولكن بوتيرة أخف». ويرفض وصف خروج الارمن من سوريا حالياً بـ «الهجرة»: «لا نعتبرها هجرة لأن الغالبية رحلت لفترة مؤقتة وسيعودون فور انتهاء الازمة»، مقدّراً نسبة النازحين الأرمن بـ «ما بين الربع والثلث من عددهم، لكنهم سيعودون حتماً الى بلدهم». وعن أسباب النزوح، يشير الى أن «كثراً خسروا أعمالهم. المعامل والمستودعات في المنطقة الصناعية والميدان والعرقوب والشيخ مقصود سرقت بالكامل»، لافتاً الى أن هذا ما لحق بكل السوريين الذي يعيشون في المناطق الساخنة. لم تترك ماريا دمشق منذ اندلاع الازمة. تتابع عملها كل يوم مدرّسةً في إحدى مدارس العاصمة. «لم أشعر يوماً بأنني في حاجة للرحيل»، تقول. وتضيف: «بعد هذه الحرب، شعر السوري الارمني بأنه سوري اكثر منه أرمنياً». وتؤكّد أن «المدارس الأرمنية مستمرة في مسيرتها التربوية. أما النوادي الكشفية والجمعيات الثقافية، فتحاول تفعيل نشاطها وفق الأحوال السائدة، فيما تستمرّ الجمعيات الخيرية في تأمين المؤن والمستلزمات الطبية للعائلات المحتاجة». برغم ضآلة نسبتهم في الديموغرافيا السورية، تشير ماريا الى أن الأرمن «تضرّروا، كبقية المكوّنات في سوريا. كثير من رجال الأعمال والصناعيين فقدوا معاملهم وأشغالهم، إضافة الى الشهداء والجرحى والمصابين والمخطوفين والنازحين». أسهمت الحرب، إذاً، في مزيد من اندماج الأرمن في المجتمع الذي اندمجوا فيه أصلاً. ماريا، مثلاً، انخرطت في أعمال الاغاثة بعد إنشاء جمعيات ولجان إغاثة لتوزيع المعونات على السكان الارمن وغيرهم. فيما كانت مطرانية الارمن الأرثوذكس، بحسب ريسيان، «لجنة مركزية للاغاثة» تعمل على كل الاراضي السورية. وسُجّل تطوّع أعداد من الشبان الأرمن في الجيش وقوات الدفاع الوطني، إضافة الى إنشاء لجان شعبية في الاماكن التي يعيشون فيها لحماية أملاكهم. وإنطلاقاً من كونهم جزءاً من النسيج الوطني، يخدم الشباب الارمن في خدمة العلم على نحو نظامي. و«قد سقط العشرات منهم شهداء»، بحسب مصدر أرمني، فيما قتل عدد كبير من المدنيين بسبب قذائف الهاون وأعمال القنص في الشيخ مقصود وبستان الباشا في حلب. ويشير المصدر نفسه الى خطف حوالى 100 أرمني، معظمهم من محافظة حلب. لا يزال مصيرهم مجهولاً. وكسائر الكنائس التاريخية التي تعرّضت للنهب والتدمير على أيدي الجماعات المتطرّفة، تعرّضت ثلاث كنائس أرمنية للتدمير في كل من حلب (كنيسة القديس كيفورك) ودير الزور (كنيسة شهداء الارمن للارثوذكس) والرقة (كنيسة الشهداء الأرمن الكاثوليك). في الأخيرة، أحرق مسلحو «داعش» محتويات الكنيسة وأزالوا الصليب من أعلى برجها، ورفعوا محله راية «الدولة الإسلامية». يحرص أرمن سوريا على تأكيد سوريتهم. يتحدّثون عن وجود لهم في بلاد الشام منذ ما قبل ميلاد السيد المسيح. صحيح أن أعدادهم تزايدت بعد المجازر التي ارتكبها العثمانيون في حقهم، إلا أن قوافل الأرمن لطالما مرت في بلاد الشام، عبر دير الزور والرقة ومسكنة الحلبية. هم سوريون، وغالبيتهم حلبية. ومن اضطر منهم إلى السفر إلى أرمينيا نتيجة الحرب في السنوات الثلاث الماضية، بقي سورياً. حتى الحكومة الأرمنية تنبهت إلى «سوريتهم». الأرض التي يسكنون فيها، قرب العاصمة الأرمنية يريفان، أطلقوا عليها اسم «نور هالب»، او «حلب الجديدة». أرمينيا، للأرمن السوريين، هي محطة النزوح المؤقت في انتظار تحقّق حلم العودة الى الوطن السوري.