الشروق- القاهرة الثلاثاء 2 تشرين الاول/أكتوبر 2012 قبل أيام كنت مرافقاً لوفد من المثقفین والصحفیین المصريین في زيارة لأرمینیا،وتزامن ذلك مع احتفال أرمینیا بالعید الحادي والعشرين لاستقلالها عن الاتحادالسوفیتي، وأرمینیا دولة صغیرة وجمیلة، لها تاريخ طويل وامتداد حضاري عمیق،تجمع بین الشرق والغرب، لكنها تتفرد بروحها التي تعشق الموسیقى والشعر والعمارة والكتاب. ورغم المعاناة الاقتصادية التي يعیشها الشعب الأرمیني منذالاستقلال، إلا أنه لفرط ودّ وطیبة وسلام مع الذات، يعبّر في فنونه ونصوصه وحتى أسماء الأماكن عن روحه المتفائلة التي تحب الحیاة، فالموسیقى والرقصات لا تستعیر الحزن، بل تشف عن جمال يردد صدى الحب، وصوت السنونو. خلال الزيارة التقینا بوزيرة الثقافة، وممثلین عن وزارةالاقتصاد، ونائب وزير الخارجیة، وعدد من رموز المعارضة على رأسهم وزير الخارجیة الأسبق رافي هوفنسیان، وحضرنا إحدى جلسات البرلمان، واختمت اللقاءات الرسمیة بلقاء امتلأ بالمودة مع بطريرك الأرمن الأرثوذكس كاركین الثاني. لم تقف الزيارة عند حد اللقاءات الرسمیة فقط، فقد قمنا بزيارة كلیة الدراسات الشرقیة بجامعة يريفان الحكومیة، ومعهد التاريخ ومعهد الاستشراق التابعان لأكاديمیة العلوم بجمهورية أرمینیا، والتي تدرس تاريخ الشرق القديم والدراسات التركیة، والشرق المسیحي، والشرق الأقصى، والبلاد العربیة، إلى جانب اللغات العربیة والفارسیةوالتركیة ولغات شرقیة أخري. وتسنى لنا خلال الزيارة والرحلات إلى المتاحف والمعابد والكنائس، معرفة قیمة الكتاب ومكانته في الثقافة الأرمینیة التي حاكت حوله القصص والأساطیر، وربما يأتي مثل هذاالاهتمام لإحساسٍ بالخوف على الذاكرة التي تعرضت لمحاولات المحو والإلغاء وقت المذبحة التي ارتكبها الأتراك تجاه الشعب ألأرمني، وفي مثل ذلك تغدو الكتابة نوعاً من والكتاب في مثابة الصورة التي تدون الذات. ،« النضال ضد الموت » الدفاع عن الذات ولفرط اهتمام المدينة بالكتاب، اختارت أجمل الأماكن المطلة لإقامة متحف المخطوطات الذي يمثل آية في العمارة والفن، وهو يمتد على مساحة 12 ألف متر مربع، ويحتوي على كنوز ثمینة في جمیع لغات العالم القديمة والحديثة، ومنها مخطوطات عربیة نادرةفي مختلف الفنون. وقد صُمم المتحف لحفظ الكتب ونجاتها حتى في ظل حرب نووية،تحت الأرض. رمزية الكتاب في ثقافة أرمینیا تعادل النفس « قاصات » حیث تهبط الكتب إلى الولد والذاكرة والحیاة، فالأمهات اللواتي أُجبرن على اللجوء تحزمن بقماش حول أجسادهن، ووضعن أطفالهن على صدورهن والكتب على ظهورهن. الكتاب بالنسبة لأرمینیا هو كینونة تشتمل اللغة والهوية، ومما يُروى أن إحدى الأمهات لم تستطع -لكبر حجم الكتاب- أن تحمّله لواحدة من ابنتیها الصغیرتین، فاضطرت لقسمته إلى نصفین، وفي رحلة النفي والهجرة ضلّت كلٌّ من الفتاتین طريقها، وبعد وقت طويل، اهتدت إلى شقیقتها بنصف الكتاب. ربما تنطوي الحكاية على كثیر من المحمولات، لكن الرمزية الأساس تقول: من يملك المعرفة لا يمكن أن يضلّ طريقه. يقال: إذا أردت أن تعرف شعباً، سافر إلى عقله.