“الكتاب الأسود” لـ طلعت باشا
يؤيد بالوثائق حملته الرامية إلى استئصال العرق الأرمني، خلال 1915-1917

بقلم آرا صرافيان شذرات مقتطعة من The Armenian Reporter، عدد 13 آذار 2009 حقوق الطبع لـ آرا صرافيان 2009 ترجمة جوزف كالوستيان “[صرح طلعت قائلاً]… إنهم كانوا في ذلك الحين قد تخلصوا من السواد الأعظم منهم [الأرمن]، فلم يترك أحد منهم على قيد الحياة في بتليس، فان وارضروم، وان الحقد كان الآن بالغ الحدّة بحيث توجب القضاء عليهم نهائياً… وقال أنهم قد يعتنون بالأرمن في الزور وفي أي مكان آخر، ولكنهم لا يريدونهم داخل الأناضول. وأبلغتُه ثلاث مرات أنهم ارتكبوا خطأً فادحاً سوف يندمون عليه. فأجاب: “نعلم أننا ارتكبنا أخطاء، بيد أننا لن نشعر بالندم أبداً”. مطلع محادثات في 8 آب 1915، دارت بين طلعت باشا وسفير الولايات المتّحدة هنري مورغنتاو، وقد وردت في يوميات هذا الأخير تحت عنوان: “دبلوماسية الولايات المتّحدة في البوسفور: يوميات السفير مورغنتاو، 1913-1916″، جمع ونشر وتقديم آرا صرافيان (برنستون ولندن: معهد كوميتاس، 2004) في نهاية عام 2008، نشرت صورة طبق الأصل عن كتاب أسود مدبّج بخط اليد، تعود ملكيته إلى محمد طلعت باشا، وزير الداخلية العثماني في عام 1915. ومن المرجح أنها الوثيقة الوحيدة والأهم التي تم اكتشافها، وهي تصف تدمير الأرمن في الأمبراطورية العثمانية خلال 1915-1917. ويشير الكتاب الأسود إلى المصادر العثمانية التي لم تعد بعد متيسرة للإجابة عن أسئلة حول ما كشفت عنه تلك المصادر. لدى إلقائي نظرة فاحصة، عبر “قلم الشيفرة” أو مجموعة البرقيات المشفرة على أرشيفات رئيس الوزارة في إسطنبول لبضع سنوات خلت، صدمت بالكم الهائل من البرقيات الصادرة في 1915 عن طلعت باشا، والتي تدعو إلى ترحيل جماعات السكان، وتستفسر عن حال مواكب المرحلين، وتعطي تعليمات للقيام بالمزيد من أعمال الترحيل. وكان ما انبثقت عن ذلك صورة لحاكم مهووس بتطور برنامج من توقيعه. ولم تكن معظم ردود الفعل على استفسارات طلعت متيسرة. فاكتفى الكتاب الأسود بتلخيص المعطيات التي جمعها. الأرشيفات العثمانية أصر مثقفو الدولة التركية في الأعوام الأخيرة على ان ترحيلات الأرمن العثمانيين التي جرت عام 1915 لم تكن جزءاً من عملية إبادة جماعية. وإنّما كانت نقلاً منظماً للسكان ولإعادة إسكانهم. وأصروا كذلك على أن الأرشيفات العثمانية القائمة اليوم في تركيا تؤكد اثباتاتهم. إضافة إلى ذلك، قاموا فقط بذكر خليط من أنظمة رسمية لحالات ترحيل وإعادة إسكان، وبعض التقارير المتعلقة بالترحيلات، من دون إرفاقها بتقرير أساسي عما جرى في الواقع للمرحلين. وبالطبع لم يتمكن أي مؤرّخ يعمل في الأرشيفات التركية من تقديم صورة متماسكة عن ترحيل الأرمن وإعادة إسكان من أي منطقة في الأمبراطورية العثمانية على أساس التقارير العثمانية. وذلك لأن هذه التقارير لا تؤيد الأطروحة التركية الرسمية حول الإبادة الجماعية الأرمنية. وفي حين نلمس توافقاً واسعاً بين الأرشيفات التركية ومصادر أخرى بأن آلاف الأرمن هجروا من ديارهم عام 1915، لا نعثر في المقابل على عرض موثق لما جرى لهؤلاء المبعدين في التقارير العثمانية. ومع ذلك، فإن الأرشيفات الخارجية، كالتسجيلات القنصلية العائدة للولايات المتحدة، تعطي تقييماً نوعياً للتطورات الحقيقية أفضل بكثير من الوثائق العثمانية المتوافرة. وقد يبدو ان غياب التقارير العثمانية أمر محير، لأنه كان على المسؤولين العثمانيين، بحسب التنظيمات العثمانية، أن يحتفظوا بتقارير مفصلة عن ترحيل الأرمن، ويحتفظوا كذلك ببيان عن خصائصهم وبتفاصيل عن الإسكان النهائي للجماعات المعنية. لذا فإن الغياب التّام لمثل هذه السجلات في الأرشيفات التركية اليوم يعد، والحالة هذه، حدثاً غريباً. كتاب مدبج بخط اليد إن نشر صورة طبق الأصل مؤخراً عن الكتاب الأسود لـ طلعت باشا، في وسعه أن يجيب إجابة وافية عن أسئلة كثيرة بصدد السلطة المسؤولة عن التقارير العثمانية. إذ يضم الكتاب في صفحاته السبع والسبعين قسماً أساسياً عن ترحيل الأرمن خلال 1915 – 1917. والكتاب ومحتواه لم يكشف عنهما قط وطلعت على قيد الحياة، بما في ذلك مذكراته المنشورة بعد وفاته عام 1921. واحتفظت أرملته عقب اغتياله في 1921 بالكتاب، وأعطته للمؤرّخ التركي مراد بردكتشي في 1982. ونشر السيد بردكتشي أجزاء من الكتيب في صحيفة “حرّيت” عام 2005. أما العرض الكامل فلم ينشر حتى نهاية 2008. وتتمثّل أهمية “الكتاب الأسود” في النفوذ الذي تمتع به صاحبه، الأمر الذي يشير إلى أن محتواه مقتطع من التقارير العثمانية الإدارية التي لم تعد متيسرة للمؤرّخين في تركيا، وإلى المعلومات الحقيقية التي يوردها بشأن ترحيل الأرمن. إذ لا يقدم الكتاب ولا معطياته تواريخ مؤكّدة وواضحة، بالرغم من اعتقاد السيد بردكتشي إن الأرقام تحيل إلى عامي 1915 – 1916، فيما أعتقد أنا إن الأحداث قد تكون وقعت في نهاية 1916، أو حتى في بداية 1917. وجهة نظر الدولة يمكن اعتبار المعطيات الواردة في هذا الكتاب على إنها نظرة إلى الإبادة الجماعية الأرمنية من منظور الدولة. وما زالت هذه النظرة تفتقر إلى تقييم نقدي، أحاول القيام به في دراسة على حدة. أما الغاية المرتجاة من هذا المقال فهي عرض المعطيات الأساسية التي بلّغت طلعت باشا حول أوضاع الأرمن الحقيقية. وقد أُدرجت الإحصاءات المتعلقة بتدمير الأرمن في “الكتاب الأسود” في أربع فئات تغطي 29 منطقة (ولاية وسنجق) من مناطق الأمبراطورية العثمانية. ومن المفترض أن تعكس هذه الإحصاءات: • السكان الأرمن في كل منطقة خلال 1914 • الأرمن الذين لم يتم ترحيلم (على الأرجح عامي 1915 – 1916) • الأرمن الذين رحلوا وعاشوا في أماكن أخرى (1917) • الأرمن الذين كانوا أصلاً من خارج الولاية التي عاشوا فيها (1917). إن أرقام طلعت باشا تؤكد أن معظم الأرمن العثمانيين المقيمين خارج القسطنطينية قد هجروا بالطبع من ديارهم، وإن أغلب هؤلاء المهجرين اختفوا من الوجود حتى عام 1917. وإن 90% من الأرمن القاطنين في الولايات هجّروا، وإن 90% من هؤلاء المهجرين قتلوا. […] تبين هذه الأرقام بوضوح إن عمليات الترحيل كانت بمنزلة حكم بالإعدام. وفي مقدورنا، من خلال هذه الأحداث، أن نكوّن فكرة عن عدد الأرمن الذين هجّروا ولم يؤخذوا في الحسبان في 1917. بعض هؤلاء الأرمن المفقودين هربوا بلا ريب من الأمبراطورية العثمانية، كما جرى لأولئك المتواجدين في ولاية فان (حيث تجلت فيها مقاومة شرسة)، أو في أجزاء من أرضروم (التي وقعت تحت الاحتلال الروسي بعد فشل الهجوم التركي في الشرق). مع ذلك، تمكن عدد قليل جداً منهم من الهرب بطريقة ما، وسنفترض، في مناقشتنا اليوم، إن الغالبية العظمى من “الأرمن المفقودين” في 1917 قتلوا أو لاقوا حتفهم أثناء عمليات الترحيل. أسئلة أُجيب عنها الأرقام الواردة في “الكتاب الأسود” لـ طلعت باشا تجيب عن بعض الأسئلة الأساسية المتصلة بالإبادة الأرمنية الجماعية. ويتعلق إثنان من هذه الأسئلة بطبيعة الترحيلات الحقيقية التي جرت عام 1915، وبمصير هؤلاء المهجرين النوعي عندما اقتيدوا عبر صحراء دير الزور، وهي إحدى المناطق الرئيسية المحددة لإعادة الإسكان. وتناقض معلومات طلعت باشا الأطروحة التركية الرسمية القائلة إن الترحيلات كانت عملاً منظماً خاضعاً للقوانين والأنظمة العثمانية، أو إن المرحلين تم إسكانهم حالياً بنجاح في دير الزور. كما يبين “الكتاب الأسود العائد لـ طلعت، وبصورة مثيرة للإهتمام، إن عدد الأرمن في الأمبراطورية العثمانية كان أكثر بكثير ممّا تفترضه الأرقام الرسمية. وتؤكد أرقام طلعت باشا إن أكثرية الأرمن المقيمين خارج القسطنطينية هجّروا من ديارهم، وإن أكثرية هؤلاء المهجرين اختفوا من الوجود حتى أواخر 1917. وتجاوز عدد السكان الذين اعتبروا في عداد المفقودين أكثر من 95% في بعض المحافظات، ومنها طرابزون، أرضروم، أورفا، دياربكر، معمورية العزيز وسيواس. وتظهر هذه الأرقام بوضوح إن عمليات التهجير كانت بمثابة حكم بالإعدام، وصادقت على تقارير الولايات المتّحدة القنصلية التي تقول الشيء نفسه، وبخاصة في شأن أولئك الذين هجروا من الولايات الشرقية. مجازر دير الزور عام 1916 كذلك تخبرنا المعطيات التي نملكها حول نطاق مجازر دير الزور عام 1916. فثمّة توافق عام على أن مئات الآلاف من المرحلين أرسلوا إلى داخل هذه المنطقة الصحراويّة في عامي 1915 – 1916، وهي منطقة الإسكان الرئيسيّة وفقاً للقرارات العثمانية. ولا تتضمن المصادر العثمانية إلاّ القليل من المعلومات بشأن ما جرى لهؤلاء المهجرين. وتثبت إفادات الناجين والمصادر خارج تركيا (أمثال تلك المتوافرة في أرشيفات الولايات المتّحدة) إنّ المهجرين في منطقة دير الزور أشرف معظمهم على الانهيار. وحتى 1917، حتى أولئك الأرمن الذين تمكّنوا من السكن في هذه المنطقة، وخصوصاً بفضل جهود الوالي علي سعاد بك، نقلوا من ديارهم وقتلوا، بعد إيفاد والٍ جديد، هو أحد أزلام طلعت باشا. ويذكر ناكروا الإبادة الجماعية الأرمنية – الذين ليست في حوزتهم تقارير وافية بالغرض مستمدة من الأرشيفات التركية – يذكرون تقارير الولايات المتّحدة لإثبات أن أكثر من 300000 شخص أرسلوا داخل هذه المنطقة – مغفلين حقيقة أن أياً منهم لم يبق بالفعل حياً حتى 1917. أما تقارير طلعت باشا فتبين وجود 6778 أرمنياً في هذه الولاية عام 1917. مجموعات السكان كما يعطي “الكتاب الأسود” إيضاحات مهمّة حول عدد الأرمن المتواجدين في الأمبراطورية العثمانية حوالى 1914. وفيما تُعتبر هذه الأرقام أقل بكثير مما ورد في بعض الإحصاءات المذكورة خارج تركيا، فإن مجموعة معطيات طلعت باشا تناقض الأرقام التي يشير إليها ناكروا الإبادة الجماعيّة الأرمنية، إذ أنهم يسعون إلى التقليل من عدد الأرمن العثمانيين، وذلك كجزء من استراتيجيتهم. ويذكر “الكتاب الأسود” أرقاماً رسمية مستمدة من السجل العقاري للسكان العثمانيين لعام 1914، مرفقة بملاحظة تشرح إن هذا الرقم، شأنه شأن الأرقام العائدة للأرمن المسجلين في 1917، ينبغي زيادة بنسبة 30% من أجل تسويغ النقص الحاصل. وعليه، تزيد الملاحظة عدد الطائفة الأرمنية الرسولية (أو الغريغورية) الرئيسية من 1,187,818 إلى 1,500,000 شخص قبل مباشرة عمليات الترحيل. كما تذكر الملاحظة الرقم الخاص بالأرمن الكاثوليك في الأمبراطورية العثمانية على إنه 63,967 شخصاً (يمكن هنا أيضاً إعادة النظر فيه ليتجاوز الـ 83,157). وليس من رقم معطى للأرمن البروتستانت. هذه الأرقام ترفع عدد الأرمن العثمانيين، استناداً إلى الأرقام الرسمية، إلى ما يقارب 1,700,000 شخص. ووفقاً لهذه الأرقام، فإن المجموع العام لعدد الأرمن المحسوبين في عداد المفقودين عام 1917 كان في حدود 1,000,000 شخص. فإذا لم يؤخذ في الحسبان أولئك الذين استطاعوا الفرار إلى روسيا، فإن عدد الأرمن المفقودين حتى الآن في المنطقة يتراوح ما بين 800,000 و900,000 شخص. ويزودنا “الكتاب الأسود” لـ طلعت باشا بإيضاحات قيّمة بشأن نوعية الرقابة البيروقراطية التي مارسها المسؤولون العثمانيون على الأرمن، ونوعية المعلومات التي جمعوها بطبيعة الحال. إن توافر مثل هذه المعلومات في “الكتاب الأسود” لـ طلعت باشا يثير مجدداً مسألة ما جرى من تدمير للأرشيف من أجل دعم معطياته. كما يقدم “الكتاب الأسود” تفاصيل حقيقية حول التدمير الظّاهر الذي تعرض له الأرمن عامي 1915 – 1916، ويرفض الزعم التركي الرسمي إن عمليات الترحيل كانت عملاً منظماً في نقل وإعادة إسكان الناس بين عامي 1915 – 1916. وفي الواقع، تثبت الصورة التي رسمها “الكتاب الأسود” صحة التقارير الأكثر تأثيرية أو زوالاً، التي تتصل بالفظاعات المرتكبة بحق الأرمن، والتي أشار إليها المراقبون الأجانب في طول الأمبراطورية العثمانية وعرضها، والناجون خلال عامي 1915 – 1916. المكان 1914 غير مرحلين في مكان آخر في 1917 في الخارج ارمن في الولايات عدد المرحلين مرحلون مفقودون في 1917 %المرحلين %المرحلين غيرالمحسوبين لسنة 1917 انقرة 44,661 12,766 4,560 410 31,895 27,335 71 86 الموصل n/d 253 0 7,033 0 نكد ه 4,939 193 547 850 4,746 4,199 96 88 ازميت 56,115 3,880 9,464 142 52,235 42,771 93 82 كوتاهيه 4,023 3,932 0 680 91 91 2 100 اسكيشهير 8,620 1,258 1,104 1,096 7,362 6,258 85 85 بولو 3,002 1,539 56 551 1,463 1,407 49 96 افيون كراهصار 7,498 2,234 1,484 1,778 5,264 3,780 70 72 ايجال 350 252 0 116 98 98 28 100 كارسي 8,663 1,852 1,696 124 6,811 5,115 79 75 كيساري 47,974 6,650 6,776 111 41,324 34,546 86 84 اضنة 51,723 12,263 19,664 4,257 39,460 19,796 76 50 مرعش 27,306 6,115 2,010 198 21,191 19,181 78 91 سيواس 141,000 8,097 3,993 948 132,903 128,910 94 97 بيروت 1,224 50 0 1,849 1,174 1,174 96 100 كستامونو 9,052 3,437 211 185 5,615 5,404 62 96 قونيا 13,078 3,730 3,639 14,210 9,348 5,709 71 61 ايدن 19,710 11,901 0 5,729 7,809 7,809 40 100 سوريا 0 0 0 39,409 الزور 63 201 0 6,778 هودافنديكار 59,038 2,821 10,251 178 56,217 45,966 95 82 حلب 37,031 13,679 19,091 13,591 23,352 4,261 63 18 اورفا 15,616 1,144 451 6,687 14,472 14,021 93 97 ارضروم1 125,657 0 3,364 0 125,657 122,293 100 97 بتليس2 114,704 0 1,061 0 114,704 113,643 100 99 فان3 67,792 0 160 0 67,792 67,632 100 100 دياربكر 56,166 0 1,849 0 56,166 54,317 100 97 طرابزون 37,549 0 562 0 37,549 36,987 100 99 ايلازيك 70,060 0 2,201 0 70,060 36,987 100 97 المجموع 1,032,614 97,247 94,206 106,910 935,367 67,859 91 90 اسطنبول 80,000 841,161 مرحلون يعيشون في مكان آخر 106,910 غير مرحلين 284,157 [ملاحظة طلعت:] “يذكر إحصاء 1914 [الموافق لـ 1330 هـ] 1,187,818 أرمنياً غريغورياً [أرثوذكسياً]، و63,967 أرمنياً كاثوليكياً [من دون الإشارة إلى البروتستانت] بحيث يبلغ المجموع 1,256,403 [1,251,785 كذا]. إذا زاد أحدهم بدافع الحذر [من المحتمل جراء النقص الحاصل في الحساب] 30% إلى الأرقام المتوافرة بين أيدينا، فإن العدد الصحيح للأرمن في 1914 يمكن اعتباره 1,500,000، وإن عدد الأرمن المتبقين في الولايات هو 284,157، بينما ينبغي أن يتراوح ما بين 350,000 و400,000 شخص”. 1- تحاشت بعض المناطق مخاطر الترحيل نتيجة الزحف الروسي (بيازيد وترجان) وذلك على الرغم من تنفيذ الترحيل والتدمير بوجه عام. 2- لم يتعرض بعض الأرمن للترحيل جراء تخليهم عن المقاومة (مثلاً صاصون). 3- لم يتعرض عدد كبير من الناس للترحيل بسبب المقاومة الدائرة في الإقليم. وثيقة دامغة قابلتها تركيا في صمت مطبق بقلم صبرينا طافرنيز شذرات مقتطعة من صحيفة “نيويورك تايمز”، عدد 8 آذار 2009 ومن صحيفة “انترناشيونال هيرالد تريبيون”، عدد 9 آذار 2009 حقوق الطبع لشركة نيويورك تايمز 2009 اسطنبول – من الجائز، بالنسبة إلى تركيا، إن العدد كان أشبه بقنبلة. فإستناداً إلى وثيقة أخفيت لفترة طويلة وخصّت وزير الداخلية في الأمبراطورية العثمانية، اختفى 972,000 أرمني عثماني من سجلات السكان الرسمية من 1915 وطوال 1916. ومن الممكن أن يولّد ما حدث للأرمن العثمانيين، في تركيا، عاصفة من الإهانة العلنية. ولكن العدد – ومصدره العثماني – وحتى نشره ضمن كتاب في كانون الثاني، لم يأتِ أحد على ذكره فعلياً. وكتبت عنه الصحف بقساوة، فيما أبرز التلفزيون إنه لم يطرحه للمناقشة. “لا شيء”، قال مراد بردقجي، الكاتب التركي ومحرر الأخبار الذي جمع وثائق الكتاب. وأضاف إن الصمت يعني شيئاً واحداً، وهو “إن أعدادي مرتفعة جداً بالنسبة للشعب العادي. وربما لم يعد الشعب مستعداً للحديث عنها”. لم يعرف الأتراك، وعلى مدى أجيال، شيئاً من تفاصيل الإبادة الجماعية الأرمنية التي استمرت من 1915 حتى 1918، حين قتل ما يزيد على مليون أرمني، عندما قامت الحكومة التركية العثمانية بتصفية السكان. وهكذا جعلت تركيا أبشع أجزاء ماضيها بمنأى عن الأنظار، على الطريقة السوفياتية. وذلك بمنع أي إشارة إلى الأحداث في الكتب المدرسية وفي البيانات الرسمية عبر حملة عدوانية غايتها النسيان. ولكن في غضون الأعوام العشرة الأخيرة، ونتيجة ازدهار المجتمع المدني هنا، تحاول الآن بعض شرائح المجتمع التركي متسائلين بصورة علنية عن موقف الدولة من الأحداث. ففي كانون الأول الماضي، روّجت مجموعة من المثقفين التماساً ينطوي على اعتذار عن إنكار المجازر، وقد وقّع عليه نحو 29,000 شخص. لقد أصبح السيد بردقجي بكتابه هذا “وثائق طلعت باشا المتبقية”، وعلى الأرجح من غير قصد منه، جزءاً من هذا الخمير. فالكتاب مجموعة وثائق كانت، ذات يوم، ملكا لـ محمد طلعت، المعروف بـ طلعت باشا، المخطط الأول لعمليات ترحيل الأرمن. تتضمن الوثائق، التي أعطتها خيرية، أرملة طلعت، قبل وفاتها في 1983، قوائم بأرقام السكان. قبل 1915، كان يعيش، بحسب الوثائق، 1,256,000 أرمني في الأمبراطورية العثمانية. وبعد عامين، هبط العدد إلى 284,157، كما يؤكد السيد بردقجي. هذا الأمر، بالنسبة إلى إنسان غير مجرب، يعتبر مجرد إحصاء بسيط ومحزن. غير إن شخصاً ألف المسألة يعلم أن الأعداد في جدال ضارٍ في ما بينها. وتركيا لم تعترف يوماً بعدد محدد من المهجرين أو الوفيات. ويوم الأحد، حذر وزير الخارجية التركية إن باستطاعة الرئيس أوباما أن يسيء إلى العلاقات، فيما لو اعترف بمجزرة الأرمن على أنّها إبادة جماعية، وذلك قبل زيارته إلى تركيا في الشهر القادم. كان انهيار الأمبراطورية العثمانية مخضباً بالدم، فراجت الحجة التركية، وذهب الذين ماتوا ضحايا تلك الفوضى. يوافق السيد بردقجي على وجهة النظر تلك. وهو القائل إن الأرقام لا تشير إلى عدد الوفيات، وإنما إلى نتيجة تضاؤل السكان الأرمن. ويقول أيضاً أن تركيا كانت مرغمة على إتخاذ إجراءات ضد الأرمن لأنهم كانوا يساندون علناً روسيا في حربها ضد الأميراطورية العثمانية. ويضيف: “إنها لم تكن سياسة نازية أو محرقة، بل كانت أزمنة بالغة الظلمة. وكان قراراً صعباً للغاية. إلا أن الترحيل جاء نتيجة بعض الأحداث الدامية جداً، لذلك كان من الضروري للحكومة أن تهجر السكان الأرمن عن ديارهم”. هذه الحجة يرفضها معظم الباحثين، الذين يعتقدون إن العدد اليسير من الثوار الأرمن لم يكن ليشكل تهديداً جدياً للأمبراطورية العثمانية، وإن السياسة المعتمدة كانت بالأحرى نتيجة إحساس بأن الأرمن، وهم غير مسلحين، وبالتالي ليسوا أهلاً للثقة، كانوا يشكلون مشكلة سكانية. يقول هلمار كايسر، المؤرّخ والخبير في الإبادة الأرمنية، إن التقارير المنشورة في الكتاب ما هي إلاّ دليل قاطع ساقته السلطة العثمانية نفسها على أنّها اتبعت سياسة خططت لها من أجل إلغاء الأرمن. ويردف قائلاً: “وفجأة لديك على صفحة واحدة إثبات للأعداد. الأمر أشبه برجل يضربك على رأسك بهراوة”. ويتابع السيد كايسر القول إن الأرقام المثبتة من قبل ومن بعد ارتقت إلى مستوى “سجل الموت”. “وليس ثمّة طريقة للنظر إلى هذه الوثيقة. فأنت لا تستطيع في الحقيقة أن تخفي مليون شخص عن الأنظار”. وقال باحثون آخرون إن العدد شكّل إضافة مفيدة للسجل التاريخي، ولكن هذا لا يقدم رواية جديدة للأحداث. أما دونالد بلوكسهام، مؤلّف كتاب “لعبة الإبادة الجماعية الكبرى: الأمبريالية والقومية وتدمير الأرمن العثمانيين”، فيقول: “هذا يعزز ما سبق أن عرفناه”. إنّ السيد بردقجي مولع بالتاريخ، وقد تعلم قراءة وكتابة التاريخ من جدته، مما سمح له بالإبحار في ماضي تركيا المكتوب، وهو شأن يعجز معظم الأتراك عن القيام به. إنه يعزف على الطنبور، وهي آلة وترية تقليدية. وكان جده ينتمي إلى حزب السيد طلعت السياسي نفسه، وعرفت أسرته العديد من الوجوه السياسية المرموقة في أثناء بناء دولة تركيا. وقال “إنه كان يملك مكتبة ضخمة في بيته، وطالما كان كلامهم يدور على التاريخ والماضي”. وعلى الرغم من أنه أراد بكل وضوح أن يطلع الناس على الأعداد، إلاّ أنه رفض أن يشرحها لهم. فهو لا يعرض أي تحليل في الكتاب، وعدا مقابلة أجريت مع أرملة السيد طلعت، فليس ثمّة مبدئياً أي نص بجانب الوثائق الأصلية. يقول: “أنا لم أشأ الشرح. أنا أريد أن يقرر القارئ بنفسه”. ويصر على أن خير طريقة لفعل ذلك هي في استعمال وقائع موضوعية ومتينة، يمكنها أن تشق طريقاً عبر أساليب البلاغة الانفعالية التي زادت القضية تأزماً لأعوام طويلة. وأضاف “أعتقد أننا في تركيا بحاجة إلى وثائق، هذا هو الشيء الأهم”. غير أن بعض المراقبين الأشد لذعاً وسط المجتمع التركي يقولون إن الصمت كان مؤشراً على مدى كون الموضوع محرماً لا سبيل إلى طرقه حتى يومنا هذا. وكتب مراد بلكه، الأكاديمي التركي، في عمود في صحيفة “Taraf” المستقلة خلال شهر كانون الثاني: “إن أهمية الكتاب واضحة بسبب أن ما من صحيفة باستثناء “Milliyet” كتبت مجرد سطر واحد عنه”. مع ذلك، يعتبر نشر الكتاب هنا على الأقل مقياساً لنضج تركيا الديمقراطي. يقول السيد بردقجي إن الوثائق بقيت في حوزته منذ زمن بعيد – أي خلال 27 عاماً – لأنه كان ينتظر أن تبلغ تركيا أشدها بحيث لا يصبح نشرها مدعاة للإضطراب والهيجان. حتّى الدولة تشعر الآن بالحاجة إلى الدفاع عن نفسها. ففي الصيف الفائت، وُزّع على المدارس الابتدائية فيلم دعائي حول الأرمن، من إنتاج الجيش التركي، أوقف بثّه بعد ارتفاع صيحات الاستنكار. ويقول السيد بردقجي: “ما كان بوسعي على الإطلاق أن أنشر هذا الكتاب لـ 10 أعوام خلت، وإلاّ كنت اتهمتُ بأنني خائن”. ثم أضاف: “لقد تبدلت العقلية”. ساهمت في التحقيق سبنام أرسو – آرا صرافيان مؤرّخ أرشيفي متخصص في تاريخ العثمانيين المتأخر وفي التاريخ الأرمني الحديث. وهو مدير معهد كوميداس في لندن. هذا المقال تلخيص لبرنامج أوسع حول “الكتاب الأسود” لـ طلعت باشا والإبادة الجماعية الأرمنية، على العنوان الالكتروني www.gomidas.org/blackbook – صبرينا طافرنيز صحافية أميركية، وهي عادةً رئيسة مكتب اسطنبول لصحيفة: “نيويورك تايمز”. وقد أجرت سابقاً تحقيقات لحساب “نيويورك تايمز” من العراق ولبنان وروسيا.

محكمة حقوق الإنسان الأوربية تدين تركيا

سركيسيان: يجب احترام حق شعب كاراباخ في تقرير مصيره

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

تقرير طلعت باشا حول الإبادة الجماعية الأرمنية

أرشيف