أبعاد التحرك التركي في القوقاز

المستقبل – لبنان 21 ايار/مايو 2009 حمزة سعد عشية الذكرى السنوية لضحايا المجزرة التي تعرض لها الشعب الارمني في 24نيسان من العام 1915 ، شكل اعلان وزراء خارجية تركيا وارمينيا عن توصلهم الى اتفاق ـ خارطة طريق لتطبيع العلاقات بين بلديهما ـ محور اهتمام اقليمي ودولي انطلاقا من انعكاساته على القضايا الخلافية بين البلدين (المجزرة الارمنية ـ قضية كاراباخ) وعلى ملف الطاقة الاستراتيجي عبر الممر الحيوي من جنوب القوقاز الى منطقة بحر قزوين واسيا الوسطى، إضافة الى تأثيره على علاقات تركيا وارمينيا مع اذربيجان وروسيا وايران. وبالعودة الى التاريخ، وخاصة الاحداث التي شهدتها المنطقة خلال القرنين 18ـ 19 نجد ان منطقة القوقاز، كانت محط انظار ومسرحا للتجاذبات في اطار بسط النفوذ والسيطرة بين روسيا وتركيا وايران والدول الاوروبية الكبرى. ومع ظهورما بات يعرف بالمسألة الشرقية وعلى مدى ثلاثة قرون، كانت اللعبة السياسية في المنطقة تخضع لقاعدة، مفادها انه كلما بدت روسيا ضعيفة، يندفع اللاعبون التقليديون الى الظهور على الساحة في القوقاز. في هذا الاطار يندرج الانفتاح التركي على ارمينيا، والتقدم بالتالي نحو ايجاد حل لقضية كاراباخ، التي بدأت تظهر بالافق منذ العام 1987، اي إبان الحكم السوفياتي، وتطورت منذ العام 1993 الى نزاع اثني، اعتبر الاقدم على الساحة السوفياتية السابقة من الشيشان الى ابخازيا واوسيتيا الجنوبية. وخلال عقد ونصف كانت تركيا طرفا الى جانب اذربيجان ضد ارمينيا، حيث اقدمت خلال تلك الفترة على تقديم كل اشكال الدعم لاذربيجان, إضافة الى محاصرة ارمينيا، وإدخالها في شبه عزلة عن العالم الخارجي بعد ان حرمتها من منفذ طوله اكثر من 300 كلم نتيجة لإغلاق حدودها المشتركة معها. الامر الذي فرض على ارمينيا البحث عن مخرج من عزلتها عبر روسيا وإيران. بالطبع ان مجرد الاعلان عن التوصل الى خارطة الطريق، لا يكفي لتذليل العقبات الكثيرة التي تقف في وجه تطبيع العلاقات بين الطرفين. فالتوصل الى تسوية بشأن مسألة المذبحة الارمنية مثلا يتطلب من الطرفين الإقدام على تنازلات صعبة، قد يكون لها تأثيرها السلبي على السلطة في ارمينيا. التي تحظى ومنذ اعلان الاستقلال بتأييد الرأي العام الداخلي لسياساتها الخارجية انطلاقا من سعيها للحصول على الاعتراف الدولي بالمذبحة كجريمة إبادة جَماعية ارتكبت بحق الشعب الارمني. وهنا تجدر الاشارة الى ان اخر وعد بالاعتراف بالمذبحة كجريمة ابادة جماعية جاء العام الماضي على لسان المرشح للرئاسة الاميركية باراك اوباما أثناء حملته الانتخابية، عندما اكد انه لن يغير رأيه على غرار اسلافه من الرؤساء الاميركيين الذين اخلوا بوعودهم بُعيد وصولهم الى البيت الابيض. وبالرغم من ذلك فان الرئيس اوباما الذي بدأ عهده بالبحث عن الوسائل لتعزيز العلاقة مع تركيا, والتي أصبحت تركيا على أثرها إحدى أهم شركاء السياسة الخارجية للإدارة الاميركية الجديدة، لم يف التزامه تجاه الجالية الارمنية في اميركا مشيرا خلال زيارته الاخيرة الى تركيا الى انه يمتنع عن إعطاء أي تقييم او تصنيف لما تعرض له الشعب الارمني بحُجة عدم التأثير على التقارب الحاصل بين البلدين. كذلك على تركيا استيعاب ردة الفعل السلبية من جانب أذربيجان على إعلان خارطة الطريق، والتي رأت فيه انقلابا في الموقف التركي السابق، والقائم على عدم تطبيع العلاقات مع ارمينيا الا بعد التوصل الى اتفاق ينهي النزاع الارمني ـ الاذري حول إقليم كاراباخ الانفصالي، والانسحاب من المناطق الخمس الأخرى التي احتلتها ارمينيا عام 1993. الامر الذي قد يدفع اذربيجان الى اتخاذ خطوات تصعيدية من شأنها التأثير سلبا على علاقتها مع تركيا، وتقربها من موسكو، خاصة في مجال نقل وتصدير الغاز الطبيعي. بهذا الصدد، تجدر الإشارة الى الموقف الروسي المؤيد للتحرك التركي باتجاه حل قضية كاراباخ، فبالرغم من ان موسكو ترى فيه مكملا لمساعيها لخفض منسوب التوتر في المنطقة، من خلال فض النزاعات بالطرق السلمية وفقا لقواعد القانون الدولي، الامر الذي لم يمنع المراقبين من التساؤل عما اذا كان النشاط السياسي والدبلوماسي الملحوظ للأطراف التقليدية، وخاصة الدور التركي، ناجما عن تراجع وضعف روسيا؟ ام انه مرتبط على الأرجح بتغيير قواعد اللعبة السياسية ؟ والتي باتت محكومة بتوجه يرمي الى إعاقة تقدم روسيا، ومنعها من بسط نفوذها وإجبارها على الانكفاء عن منطقة القوقاز الجنوبي (اذربيجان ـ ارمينيا ـ جورجيا) والتي باتت الطريق الوحيد امام الدول الأوروبية وحلف الناتو للوصول الى منابع النفط والغاز في بحر قزوين واسيا الوسطى، بعد تعذر سلوك المعابر الأخرى عبر روسيا او ايران او باكستان وافغانستان. ناهيك عن ان تقدم تركيا على خط حل النزاعات في القوقاز يمنحها الفرصة للتأكيد أمام أوروبا وغيرها من اللاعبين الإقليميين والدوليين على مكانة تركيا ودورها في الحفاظ على الاستقرار في منطقة على درجة عالية من الأهمية الاستراتيجية مثل القوقاز، في ظل تدهور الثقة وتراجع في العلاقات بين روسيا من جهة والاتحاد الأوروبي والناتو من جهة أخرى.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *