أرمينيا وأذريبجان … حملة ضد “بريزا”

فريد حياة – “واشنطن بوست 21 كانون الاول/ديسمبر 2011 إذا استثنينا حدوث مفاجأة في مجلس الشيوخ الأميركي في اللحظات الأخيرة، فإن الدبلوماسي المؤهل تماماً الذي أرسله أوباما للعمل سفيراً للولايات المتحدة لدى أذربيجان، سيضطر للعودة إلى الوطن في أقل من شهر. في قصة الإخفاقات الأميركية الكبرى المعاصرة، يعتبر ذلك مجرد حبكة فرعية صغيرة، بيد أن هذا الترشيح غيرالناجح للسفير “ماثيو بريزا”، البعيد عن دائرة الضوء، الذي لم يحظ بتأييد اللجنة المختصة بالموافقة على تعيين السفراء في مجلس الشيوخ، يقدم مثالًا حياً على الكيفية التي يمكن بها للمصالح الأميركية الكبرى أن تسقط فريسة لألاعيب المصالح الخاصة، والتسويات السياسية. وهذه القصة، لا تبدأ في أذربيجان الدولة الغنية بالنفط ذات الأغلبية المسلمة(عدد سكانها 8 ملايين نسمة)، الجمهورية السابقة التابعة للاتحاد السوفييتي، المطلة على بحر قزوين، وإنما تبدأ في جارتها وعدوتها اللدودة، الفقيرة في إنتاج النفط، ذات الأغلبية المسيحية، أرمينيا التي يبلغ تعداد سكانها 3 ملايين نسمة. كان من المتوقع أن تتحول أرمينيا إلى قصة نجاح في فترة ما بعد الاتحاد السوفييتي السابق، لكن لم يتحقق ذلك، بل إن العشرين عاماً التي مضت منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، جلبت قدراً كبيراً من الإحباط لأرمينيا من جراء: حكومة ديمقراطية شكلاً لا موضوعاً، فاسدة، واقتصاد قاصر الأداء، وفقر منتشر (أرمينيا مصنفة بكونها الدولة رقم 141 الأكثر فقراً في العالم حيث لا يتجاوز نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي 5,700 دولار). من بين الأسباب التي أدت إلى قصور أداء أرمينيا مقارنة بغيرها من الجيران، عدم قدرتها على تسوية المشكلات والرواسب التاريخية العالقة مع أذربيجان وتركيا المجاورتين، مما أدى لسيادة نوع من السلام البارد في العلاقة مع ذينك الدولتين، وهو سلام كان من المحتم أن يفاقم من التأثيرات السلبية لموقعها المغلق، الذي يفتقر لمنفذ على البحر، والذي تركها رهينة الحضن غير الناعم لروسيا فلاديمير بوتين. ومن بين الأسباب التي أدت إلى صعوبة صنع السلام بين أرمينيا وأذربيجان وتركيا، دوجمائية بعض جماعات الدياسبورا(الشتات الأرمني)، التي يبدو أنها تستمع برفاهية استمرار الشعور بالمظالم التاريخية التي تعرضت لها أرمينيا. هذا هو السياق الخاص بالحملة ضد “بريزا”، وهي الحملة التي ينظر إليها على أنها ليست معادية بما يكفي لأعداء أرمينيا، من قبل “اللجنة الأرمينية القومية لعموم أميركا، بالإضافة لاثنين من “الشيوخ” الديمقراطيين اللذين يعتمدان على أصوات الجالية الأرمنية وهما باربارا بوكسر (كاليفورنيا)، وروبرت مينينديز( نيوجيرسي). عندما عين أوباما “بريزا” أول مرة عام 2010، فإن”بوكسر” و”مينينديز” علقا الموافقة على ترشيحه، وحالا بذلك دون حصول ذلك الترشيح على أصوات مجلس الشيوخ. واضطر أوباما إلى الالتفاف على تلك المعارضة وقام بتعيين “بريزا” في باكو عاصمة أذربيجان، أثناء فترة عطلة مجلس الشيوخ، ثم أعاد تعيينه في يناير من العام الحالي. ورغم ذلك استمر السيناتوران المذكوران في معارضة تعيينه، بصرف النظر عن مدى كفاءته وأدائه في الوظيفة. ونتيجة لتلك المعارضة لم تدفع الإدارة بعد ذلك أبداً من أجل تعيينه، كما أن” جون كيرى” رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس “الشيوخ”، لم يحدد موعداً لجلسة لاستكمال النظر في مسألة تعيينه. والحجج المقدمة ضد تعيين “بريزا” تشمل معارضته لاعتراف الولايات المتحدة بالمذبحة التي ارتكبتها تركيا ضد الأرمن، وعدم قيامه بالاعتراض بشكل جدي على الاعتداء الأذري على أرمينيا، والتضارب الناتج عن زواجه بسيدة أميركية تركية المولد تعمل خبيرة في مجال الشؤون الخارجية. وهذه الشكوك المحيطة بـ”بريزا” لا تحظى بمشاركة عامة، بل إن الحقيقة هي أن 36 خبيراً من الخبراء اللامعين في مجال السياسة الخارجية، قدموا رسالة الأسبوع الماضي وصفوا فيه “بريزا” بأنه “سفير مثالي خدم بلاده بامتياز” . وجاء في هذه الرسالة حرفياً أن الرجل” يمتلك المزيج المناسب من كل شيء: الاتصالات، الثقة، الرؤية الاستراتيجية، القدرة العملية، والقيادة القادرة”. لو كان “بريزا” مهادناً في نقده لسجل النظام الآذري في انتهاك حقوق الإنسان، لما حظى بتأييد رئيسي منظمتين مثل” فريدوم هاوس”، و”الوقفية الوطنية للديمقراطية”، واللتين تعدان من كبار المؤسسات الأميركية العاملة في مجال دعم الديمقراطية في العالم ، كانا من ضمن الموقعين على الرسالة المذكورة. تعليق تعيين موظف خدمة خارجية متميز مثل “بريزا” يضر بمصالح الولايات المتحدة في منطقة حيوية من العالم، خصوصاً إذا عرفنا أن الرجل خلال مدة خدمته في أذربيجان بذل جهداً كبيراً من أجل دعم الحوار بين النظام الحاكم في هذا البلد وبين منظمات المجتمع المدني، وهو جهد سيضيع هباءً إذا استمر تعليق تعيينه. وينطبق هذا أيضاً على الجهود الملموسة التي بذلها لتحقيق التسوية بين آذربيجان وأرمينيا. لنضع في اعتبارنا، بناء على كل ذلك، أن النظام في أذربيجان إذا رأى أن الجالية الأرمينية في الولايات المتحدة، وسيناتورين من بين 100 سيناتور، يمتلكون سلطة الاعتراض(الفيتو) على تعيين سفير أميركي في بلده، فإن الشيء الطبيعي هو أن ينتابه الشك في هذه الحالة نحو حيادية السفير الأميركي الذي سيعين بعده. أكبر الخاسرين من ذلك ليسوا هم الأميركيين أو الآذريين، الذين يتمتعون بالمناسبة بنصيب للفرد في الناتج المحلي الإجمالي يعادل ضعف مثيله في أرمينيا، وإنما الأرمنيون ذاتهم الفقراء- المعزولون، الذين سيجدون أنفسهم مرة ثانية ضحية لتوازنات قوة لا شأن لها برفاهيتهم.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *