الشرق الاوسط – لندن 5 ايار 2006 فيرا يعقوبيان في مصر كان صك النقود حكرا عليهم.. وفي سورية برعوا في الفن والصحافة.. وفي العراق سيطروا على التجارة عندما ثار في تركيا قبل اسابيع قليلة، جدال ساخن حول اقامة مؤتمر بشأن الارمن، ترددت اصداء الجدال في الكثير من دول المنطقة التي لا تزال تخشى من التعامل مع الموضوع الارمني. فالارمن في الوعي الحاضر لدى تركيا وبعض الدول العربية هم «الضحايا» الذين لا يريد احد «تذكر» ما تعرضوا له خلال الحرب العالمية الاولى، او ما تعرضوا له بعد ذلك بسبب التحولات السياسية الداخلية في بعض البلدان العربية خلال النصف الثاني من العشرين. لكن العلاقات الارمنية مع دول الشرق الاوسط لم تكن تاريخيا علاقة «الضحية والجلاد». فالارمن لعبوا دورا احتماعيا وثقافيا وسياسيا طالما اثر ايجابا على الدول التي عاشوا فيها. وتاريخيا كانت ارمينيا بين القرنين السابع والتاسع ضمن الخلافة الإسلامية. وعندما خرجت ارمينيا سنة 885م من دولة الخلافة والفت دولة مستقلة، كان الخليفة المعتمد اول من اعترف بها وانقطع التطور الطبيعي لعلاقات الصداقة الارمنية ـ العربية بعد الغزوات المستمرة والمدمرة التي شنها السلاجقة والمغول والاتراك. وجاء عصر اليقظة المعروف بالنهضة العربية. وكان انتعاش الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتصاعد النضال التحرري العربي، إذ لقي تأييد الشعوب غير التركية في السلطنة العثمانية، ومنها الارمن الذين اعتبروه نضالا ضد الحكم العثماني. لذا، ليس من قبيل المصادفة، المشاركة الفاعلة من الارمن في حركة النهضة التي نشأت وترعرعت في كل من لبنان وسورية ومصر. حيث ايد الارمن علنا اهداف العرب للتحرر من العثمانيين ونيل الاستقلال. وبعد المجازر التي ارتكبها الاتراك بحق الارمن عام 1915، كانت للعرب مواقف داعمة للارمن، اذ قدم العرب المأكل والمشرب والملبس والمأوى للمهاجرين الارمن البائسين القادمين عبر الصحراء السورية الى دير الزور والرقة وحلب معرضين انفسهم للهلاك. لكن برغم المجازر ضد الارمن، ظل الكثير منهم يعيشون في البلدان العربية. ففي سورية اليوم يوجد نحو 100 الف ارمني، يتمركزون بغالبيتهم في حلب وكذلك في دمشق واللاذقية والقامشلي. وتعود اول هجرة ارمنية الى سورية الى القرن السادس للميلاد، عندما فتح العرب سورية، ووصلت الى ذروة مجدها ايام الخلافة الاموية. وكان الامراء الارمن في زيارات دائمة الى دمشق عاصمة الامويين. وتضاعفت الهجرات الارمنية الكبيرة الى سورية بعد الاضطهادات العثمانية للارمن في السنوات 1876 و1895 و1909، وبعد مجازر عام 1915 ونكبة كيليكيا 1922. وكان عدد الارمن في سورية ولبنان في تلك الفترة يبلغ 125 الفا تقريبا، يتمركز 75 الفا منهم في حلب وضواحيها، بحيث تعد حلب اهم مركز للهجرة الارمنية بحكم قربها من الحدود التركية. وفي السنوات من 1914 وحتى 1922 كانت توجد في حلب 19 مدرسة ارمنية ابتدائية تخص الطوائف الارمنية الثلاث، الارثوذكسية والانجيلية والكاثوليكية. وبرع الارمن في سورية في مختلف المجالات وبرزت منهم اسماء بلغت اوج شهرتها في مجال الفن والصحافة من القدامى منها الصحافي رزق الله حسون مؤسس اول جريدة عربية في العالم، والاديب اديب اسحاق. ومن رجال السياسة ارام كارامانوكيان القائد العام سابقا للمدفعية في الجيش السوري. ويمثل الارمن في مجلس الشعب السوري نائب ارمني واحد. وعلى مر العصور اندمجت الطائفة الارمنية في سورية بالمجتمع لكنها حافظت على تقاليدها وخصوصياتها. اما في لبنان فان الهجرة الفعلية للأرمن بدأت خلال عامي 1895- 1896حيث عمد الآلاف من الارمن الى الهرب من ارمينيا الغربية الى مختلف انحاء العالم ومنها لبنان. واثناء المجازر في كيليكيا عام 1909، تضاعفت هذه الهجرة عبر الساحل السوري باتجاه لبنان، وخلال الحرب العالمية الاولى. وسكن الارمن في بداية تهجيرهم في مخيمات انشئت في بيروت في مناطق مار مخايل وتشارتشابوك، حيث كانت الاحوال الاجتماعية والاقتصادية للاجئين سيئة للغاية. ومع مرور الزمن اخذ الارمن بالتوزع والانتشار في ارجاء مختلفة من لبنان، وهم يعيشون بكثافة في محافظات بيروت وجبل لبنان، كما يتوزعون في البقاع وعنجر (ضيعة ارمنية نموذجية معظم سكانها من الارمن)، وجبيل وطرابلس. فأسسوا المدارس والجمعيات الثقافية والرياضية والخيرية والصحف والكنائس. وبرع الارمن في لبنان في مجالات الصناعة (الذهب والميكانيك والالمنيوم) والتجارة والمحاماة والهندسة والطب. وانخرط رجالات الارمن في الحياة البرلمانية والسياسية، وكان ذلك في عهد المتصرفين الارمنيين. وقبل ان ينال لبنان استقلاله، عرف المجلس النيابي عددا من النواب الارمن. ويصل عدد النواب الارمن في البرلمان اللبناني اليوم الى ستة نواب. ويصل عدد الارمن في لبنان اليوم الى 140 الفا. وفي فلسطين يعود وجود الارمن الى القرن الرابع او الخامس الميلادي. وتشير بعض المصادر التاريخية الى ان الوجود الارمني في القدس اقدم من هذا التاريخ. وكان الارمن من اوائل الحجاج الذين اسسوا الخانات ومراكز الضيافة في فلسطين لاستقبال الحجيج. وكان الارمن في فلسطين الطائفة المسيحية الثالثة من حيث العدد والاهمية بعد الروم الارثوذكس واللاتين. تركز الوجود الارمني في فلسطين في مدينة القدس بالتحديد. وفي اثناء الحرب العربية ـ الاسرائيلية الاولى سنة 1948 احتمى الكثيرون من هؤلاء في مدينة عكا اولا، ولما ازداد الضغط العسكري الاسرائيلي، لجأ الارمن الى مدينة القدس. وكان يقطن القدس سنة 1893 حوالي 846 ارمنيا. وكان في يافا في الفترة نفسها 92 ارمنيا، فضلا عن اعداد غير محددة من الارمن في بيت لحم والناصرة ويافا وعكا وغزة. وفي سنة 1945 كان يعيش في القدس وحدها 5 آلاف ارمني. تراجع هذا العدد في السنوات القادمة. ويعمل معظم الارمن في القدس في بيع الذهب وفي صناعة آنية النحاس وزخرفتها. وللارمن عدة مدارس ابتدائية وثانوية. اما التعليم الجامعي فيتم خارج فلسطين. تمتد سلطة بطريركية الارمن الى شرق الاردن حيث يعيش نحو 10 آلاف ارمني. وكانت للكنيسة الارمنية في فلسطين وقفات وطنية ضد الاحتلال الاسرائيلي وضد قرار تقسيم فلسطين. ودفعت بطريركية الارمن في القدس ثمنا غاليا لمواقفها، فتعرضت الكنائس والاديرة الارمنية لأضرار بالغة من قبل اليهود. ولان الحي الارمني في المدينة يجاور الاحياء اليهودية الاستيطانية الجديدة، نتج عن هذا احتكاك دائم بين الارمن واليهود. وحاولت السلطات الاسرائيلية اجبار الكنيسة الارمنية على بيع الاراضي التابعة لها للتوسع في عمليات الاستيطان. وتبلغ مساحة الحي الارمني في القدس القديمة 30 فدانا او 6/1 مساحة القدس داخل السور. ايضا للارمن وجود قوي في العراق. وتشير المصادر التاريخية الى وجود ابرشية ارمنية شمال العراق اواخر القرن العاشر ميلادي وفي البصرة عام 1222. وفي القرن 18 كانت هناك جالية ارمنية مزدهرة في البصرة وكان الارمن يسيطرون على حركة التجارة في المدينة. وحدثت اكبر الهجرات الأرمنية الى العراق بعد عام 1915.وتوجد في بغداد اليوم 4 كنائس ارمنية وواحدة في كل من كركوك وزاخو والبصرة، وأخرى في دهوك وكنيستان في الموصل. وهناك عدة مدارس في بغداد. وانشئت اول مدرسة ارمنية في بغداد عام 1852. اضافة الى وجود جمعيات ثقافية ورياضية. وقد برع الارمن العراقيون في كافة مجالات الطب والهندسة والادب. ويعيش في العراق اليوم حوالي 10 الاف ارمني. غير ان الجالية الارمنية في مصر هي من اقدم الجاليات الارمنية التي عاشت في الشرق. ويعود تاريخ الارمن في مصر الى ما قبل الميلاد. وعاش الارمن في مصر حياة مزدهرة في فترة الحكم الفاطمي (969-1171)، وازداد عددهم نتيجة الهجرة من سورية وبلاد ما بين النهرين فوصل عددهم الى 30 الفا. في القرنين الحادي عشر والثاني عشر وصل عدد الكنائس والاديرة الارمنية في مصر الى اكثر من ثلاثين وكان اشهرها دير الابيض في مدينة سوهاج جنوب مصر. وفي تلك الفترة برزت في الحياة السياسية والعسكرية شخصيات ارمنية منهم رئيس الوزراء بدر الدين الجمالي. وفي عهد المماليك ازداد عدد الارمن في مصر، الذين عملوا بصناعة النسيج واشتهروا بها. كما ازدهرت حياتهم في عهد محمد علي باشا والي مصر، الذي اتخذ منهم مترجمين ومساعدين له، ووفر لهم الامان والرعاية وكان اول وزير خارجية في عهده ارمني الاصل. وفي عهده ازدهرت الاوضاع الاقتصادية للارمن، فأدار الارمن الصرفخانة «الخزانة». وكان صك النقود في مختلف الازمنة حكرا على الارمن. وتغلغلوا في زراعة وصناعة وتجارة مصر. وفي الاعوام (1818-1829) نشأت في مصر صناعات القطن والحرير والصوف والنسيج والجلود والورق والمعادن والزجاج، وظهرت منهم شخصيات بارزة حكومية وسياسية مثل نوبار باشا الذي شغل من 1895-1899 مناصب مهمة في الحكومة المصرية. يعيش في مصر اليوم حوالي 5 آلاف ارمني، يقطنون في القاهرة والاسكندرية. يتعلم ابناؤهم في مدارس ارمنية خاصة. وتصدر لهم ثلاث صحف باللغة الارمنية ولهم ايضا عدة اندية رياضية وثقافية.