بغداد: «الشرق الأوسط» 12آذار/مارس 2009 يصرُّ الزعماء الروحيون للطائفة الأرمنية الصغيرة العدد على البقاء في العراق رغم العنف الذي طالت شظاياه أبناءها خلال الأعوام القليلة المنصرمة. واستطاعت الطائفة بفضل ابتعادها عن الأضواء البقاء في ارض الرافدين منذ وصول طليعة أبنائها من التجار المغامرين مطلع القرن السابع عشر. وخلافا للمسيحيين العراقيين الذين يهاجرون بأعداد كبيرة بسبب تعرضهم للخطف والقتل، يصر الأرمن ممن لم يغادروا على البقاء في أرضهم. ويقول الارشمندريت ناريغ اشكانيان (63 عاما) بينما كان احد الكهنة يسجل آخر الولادات والوفيات في صفوف الطائفة«نحن هنا لنبقى فهذه أرضنا أيضا، رغم ما نواجهه من مصاعب في بعض الأحيان». ويبلغ عدد أفراد الطائفة حاليا نحو 12 ألفا بينهم سبعة إلى ثمانية آلاف في بغداد، فيما يبلغ عدد السكان في العراق 29 مليون نسمة. وكان عددهم يناهز الأربعين ألفا في الخمسينات غالبيتهم يتحدرون من الناجين من المجازر التي ارتكبها العثمانيون بين العامين 1915 و 1917. ويقول تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية إن الوجود الارمني في العراق يعود إلى القرن السابع عشر، عندما غامر تجار في التجول ضمن قوس يمتد من إيران نزولا باتجاه مرفأ البصرة قبل أن يصعد باتجاه بغداد. ولدى كنيستهم الواقعة في ساحة الطيران في بغداد سجلات تعود إلى عام 1636. ولقي ما لا يقل عن 45 أرمنيا مصرعهم منذ سقوط النظام السابق عام 2003 في أعمال عنف طائفية أو إجرامية، في حين تعرض 32 منهم للخطف مقابل فدية مالية لا يزال اثنان مهم في عداد المفقودين. ويؤكد اشكانيان أن «عمليات الخطف توقفت عام 2008». وفي أواخر عام 2004، أضرم مهاجمون النار في كنيسة للأرمن تم تشييدها حديثا في مدينة الموصل (شمال) قبل تدشينها بأيام. وللكنيسة الأرمنية مدرسة ومقبرة تبلغ مساحتها حوالي نصف هكتار. ويقول ناظر المدرسة كرنيك افاكيان إن المدرسة أعادت فتح أبوابها عام 2004 بعد أن بقيت مغلقة طوال فترة حكم حزب البعث، الذي أرغم العراقيين على التوجه إلى المدارس الحكومية. ويتابع أن حوالي 150 تلميذا من سبعين عائلة يتلقون دروسهم فيها اليوم. مشيرا إلى أن النظام السابق كان يسمح بإعطاء دروس دينية وتدريس اللغة الأرمنية. لم يشكل الأرمن خطرا على الحكم، فقد كانوا مقربين إلى الباشاوات إبان الحقبة العثمانية، وللبريطانيين أيام الحكم الاستعماري. ويقول اشكانيان «نحن مدينون للعرب، فقد فعلوا ما باستطاعتهم للترحيب بنا، كما سمحوا لنا بالعمل والترقي في المراتب الاجتماعية بعد أن وصل الناجون من «المذابح»، وغالبيتهم من اليتامى، حفاة إثر فرارهم في الصحراء هربا من الموت». وفي المقابل، تدعي اسرة اسكندريان أنها تملك غالبية الأراضي الواقعة ضمن المنطقة الخضراء حيث مقر الحكومة والسفارة الأميركية، في وسط بغداد. ولعائلة قيومجيان التي توطنت في العراق منذ زمن بعيد، صلات قربى مع كالوست غولبنكيان الشهير بـ«السيد خمسة بالمائة»، أي حصته من عائدات النفط العراقي قبل حوالي قرن من الزمن. كما أنها لا تزال تملك أرضا شاسعة في الفلوجة، المعقل السابق للمقاتلين من العرب السنة. وبثت قناة فضائية عراقية قبل عامين مسلسلا عن سارة الارمنية وريثة الثروة الضخمة التي تم حرمانها منها عن طريق الاحتيال، وكيف وقع الوالي العثماني الكهل في غرامها، وتم تهريبها إلى القنصلية الألمانية بعد وضعها داخل سجادة فارسية. كما يصور المسلسل الحفلات الباذخة التي أقامتها بعد استدعائه إلى اسطنبول، وكيف انتهت تستعطي المارة في شوارع بغداد. ويقول اشكانيان «لقد غادر الأغنياء العراق، لكن الآن نحن الأغنياء، لأننا نقوم بخدمة الكنيسة والطائفة». وقد فرّ آلاف الأرمن بعد الاجتياح الأميركي ربيع عام 2003 إلى أرمينيا وسورية ولبنان. أما الولايات المتحدة والسويد وهولندا، فقد قصدها من استطاع الحصول على تأشيرات دخول. ويختم رجل الدين قائلا «يرجع الكثير منهم حاليا نظرا لتحسن الأوضاع الأمنية في البلاد، وذلك بسبب نفاد الأموال أو لأنهم لم يتدبروا إقامتهم هناك».