بقلم المحامي علاء السيد سيريا بوست 23حزيران/يونيو2009 تواجد الأرمن منذ القديم في حلب و يرجع تواجدهم الى مئات السنين . لم يعرف بالتحديد تاريخ وصولهم لحلب. اقدم ذكر لوجودهم يعود لسبعمائة سنة على حاشية مخطوطة ارمنية ذكر فيها بأنه تم نسخها في عام 1329 م بحلب في كنيسة السيدة بحارة الصليبة ( الجديدة ) و هي كنيسة أرمنية قائمة حتى الان . شكلوا في المدينة قوة صناعية و تجارية و علمية مهمة و كان قد انتخب منهم التاجر مانوك قراجيان في مجلس المبعوثان الاول و هو المجلس النيابي في السلطنة العثمانية عام 1877 م كأحد النواب عن ولاية حلب. منهم التجار و الصناعيين و أشهرهم أسرة سكياس ، و منهم الأطباء و اشهرهم الدكتور أسادور التونيان صاحب مشفى ألتونيان الشهير و د. أواديس جبه جيان ، و المحامون و منهم المحامي طوروس شادرفيان ، والصيادلة و أشهرهم الصيدلي اسكندر بيراميان و كابريل خانجان و ميساك كشيشيان. عام 1898 م قدرت السالنامة العثمانية و هي الكتاب العثماني الإحصائي السنوي عدد السكان الأرمن بحلب بحوالي أربعة آلاف و خمسمائة أرمني . تجدر الإشارة إلى أن الكثيرين كانوا يتجنبون السجلات العثمانية و لذلك يُعتقد ان العدد الحقيقي أكبر من ذلك . كان للأرمن مدرسة رئيسية تسمى مدرسة نرسيسيان في حي الصليبة ( الجديدة ) و عدد طلابها في الفترة ما قبل عام 1915 م حوالي سبعمائة طالب . خلال الحرب العالمية الاولى في عام 1915 م وصل لحلب النازحون الأرمن من مناطق مختلفة من كيليكيا شمالي حلب تمهيدا لنقلهم من قبل رجال السلطنة العثمانية إلى دير الزور و الجزيرة السورية . توفي منهم الكثيرين جوعاً و برداً و مرضاً أثناء مسيرهم على الأقدام الذي طال لعدة أشهر و هم حفاة عراة حتى وصلوا لمناطق دير الزور و مسكنة و الشدادة. كان أغلب النازحون من النساء و الاطفال. استطاع بعض المهاجرون الأرمن البقاء في حلب مختبئين عن عيون السلطات العثمانية . حضنهم الحلبيون و مدوا يد المساعدة لهم و تزوجوا نساءهم كزوجات على الوجه الشرعي و اعتنوا بأولاد الأرمن و اعتبروهم كأولادهم . يعترف الأرمن بأدبياتهم بالجميل و بكرم الضيافة الذي قدمه الحلبيون لإخوتهم الأرمن النازحين . لم يبن الأرمن في تلك الفترة أي حي خاص بهم خلافاً لما يذكره بعض الباحثون الحلبيون فهم كانوا تحت تهديد السلطة العثمانية و لا يمكنهم ان يظهروا على الملأ. عندما انتهت الحرب العالمية الاولى و سقطت السلطنة العثمانية ، دخل الجنود الفرنسيون إلى كيليكا فسارع الأرمن للخروج من مخابئهم التي كانوا فيها خلال فترة التهجير و عادوا الى بلادهم . و لكن عندما اتفق الأتراك مع الفرنسيين عام 1921 م على أن ينسحب الفرنسيون من كيليكيا لقاء أن يوقف الأتراك دعمهم للثوار في سوريا ، خاف الأرمن من التنكيل بهم فعادوا بهجرة جديدة من كيليكيا الى سوريا و منهم من هاجر الى لبنان . كان نصيب حلب من النازحين الأرمن عدد قدره بعض المؤرخون بحوالي ستون ألف نسمة و كان عدد سكان حلب الاجمالي عام 1921 م حوالي مئتي ألف نسمة فيكون سكان حلب قد زاد عددهم بما يعادل الربع من اللاجئين في ذلك العام . بنى الأرمن عام 1922 م أول مخيماتهم في منطقة الرام الواقعة في المنطقة التي تسمى حالياً إشارات السليمانية الضوئية . كانت أبنيتهم السكنية من الخشب و زاد عددها على الألف براكة سكنية من الخشب وصلت حتى منطقة الميدان و حي الفيلات الحالي و مناطق بستان الباشا . يعد قسما كبيراً من أراضي منطقة الحميدية و السليمانية من أراضي وقف الحاج موسى أغا الأميري ، سكن اللاجؤون الأرمن على مساحة تعادل حوالي سبع هكتارات من تلك المنطقة تعود جميعها لوقف الأميري ، و تعهدت بلدية حلب بدفع بدل إيجار الأرض عن اللاجئين الأرمن لصالح الوقف. استطاع هؤلاء اللاجؤون بناء مدارس بسيطة خاصة بهم و كنيسة صغيرة في منطقة البراكات بمحلة السليمانية أُطلق عليها كنيسة الصليب المقدس. استطاعوا العمل و انشاء ورشات حرفية بدائية و عرف عنهم الدقة و الأمانة بالعمل . يروي الحلبيون عن الارمن انهم كانوا يرفضون الحصول على الصدقة من مال و ملابس و طعام و يصرون على الحصول على ذلك لقاء الأعمال التي يؤدونها . اندمج الأرمن في المجتمع الحلبي و باتوا يشكلون جزءاً رئيسياً من سكانها ، اشتهروا في مجال الأعمال الصناعية الدقيقة ، استطاعوا بناء أحياء كاملة في المدينة بدلاً من براكاتهم الخشبية خلال زمن قياسي نسبياً . أما أرمينيا الحالية بعاصمتها يريفيان الواقعة حينها في الطرف الشرقي من السلطنة العثمانية فقد آثر قادتها الانضمام إلى الروس في دولة الاتحاد السوفييتي عام 1920م لتقوم دولة أرمينيا السوفيتية . استقلت جمهورية أرمينيا السوفيتية عن الأتحاد السوفيتي عام 1991 م لتسمى جمهورية أرمينيا التي تربطها بسورية علاقات مميزة تبادلية