فؤاد ابو زيد جريدة الديار – لبنان 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2010 ليس مستغرباً ولا مستهجناً ان تفتح زيارة رئيس حكومة تركيا الطيب رجب اردوغان الى لبنان، جروحاً عميقة دفينة في نفوس الغالبية الساحقة من اللبنانيين، وفي شكل خاص الارمن منهم، الذين تعرّضوا الى مذابح على ايدي تركيا العثمانية، كانت السبب في تهجير من بقي منهم حيّاً الى الدول القريبة والبعيدة من تركيا، ولبنان احداها. واذا كان من البديهي القول، ان قادة تركيا الحاليين، ليسوا مسؤولين مباشرة عن المجازر والمآسي التي حلّت بالشعبين الارمني واللبناني على يد سلاطين بين عثمان، الاّ ان المبدأ المتعارف عليه في العالم اجمع بأن الحكم استمرار، يفرض على حكام تركيا منذ عهد كمال اتاتورك، باني تركيا الحديثة والعهود التي تعاقبت، ان يأخذوا موقفاً واضحاً وصريحاً مما حدث في ايام السلطنة، فاما انهم يتبنّون جميع اعمال تلك الحقبة، وامّا يعمدون، كما فعل غيرهم من الدول والقيادات، الى ادانة اعمال القتل والاضطهاد والتهجير التي مورست بحق العديد من الشعوب التي كانت تحت الاحتلال العثماني، كما حصل مع الشعبين اللبناني والارمني، وتعتذر من هذه الشعوب عن الالام والخسائر في الارواح والممتلكات التي تسبب بها العثمانيون، وبهذه الخطوة الحضارية الانسانية تنزع تركيا الحديثة عن كاهلها اوزاراً ثقيلة ورثتها عن حقبة تميّزت في معظمها بأعمال اجرامية يندى لها الجبين، وتنضم الى الدول التي اعتذرت عن العذابات الكبيرة التي تسببت بها عهود سابقة لعدد من الشعوب، ويمكن في هذا المجال تسجيل اعتذار المانيا الحديثة عن حروب الهتلرية وجرائمها، واعتذار ايطاليا للحبشة وليبيا، واعتذار الكنيسة عن افعال ارتكتبت باسم الدين منذ القرون الوسطى حتى منتصف القرن الماضي، واعتذار اليابان من كوريا والصين، واعتذار فرنسا من الجزائر، واللائحة في هذا المجال تطول، وهذه الاعتذارات تعكس قوة هذه الدول، لا ضعفها، كما تعكس اخلاقياتها وديموقراطيتها وتمسّكها بشرعة حقوق الانسان. ان الشعب التركي، هو شعب مشرقي في عاداته وتقاليده وانتمائه وموقعه الجغرافي، على الرغم من وجهه الغربي، والشعب اللبناني يرغب بصدق في اقامة اوثق العلاقات مع الدولة التركية التي لها مكانة اقليمية ودولية محترمة، ويسجّل لها بأنها بدأت تتعاطف مع القضايا العربية، وفي شكل خاص مع لبنان، على الرغم من علاقاتها مع اسرائيل، ولكن الصداقة المتينة الخالية من الزغل المبنية على الصدق والاحترام المتبادل، تشترط تنقية القلوب والذاكرة من احداث مؤلمة موجعة ارتكبها الاسلاف العثمانيون بحق الشعب اللبناني في اعوام 1840 و1860 و1914، حيث كانت سياسات التمييز والقهر المتعمّدة سبباً في موت عشرات الاف اللبنانيين، امّا جوعاً، او قتلاً، او اعداماً، على يد اتراك او على يد لبنانيين مدفوعين ومحميين من الاتراك، بالاضافة الى الوف الشبان اللبنانيين الذين جنّدوا قسراً وهم يقاتلون من اجل تركيا. وفي هذا المجال لا بد من تذكير رئيس الحكومة التركية الطيب اردوغان ضيف لبنان الكريم بحادثة يتناقلها اللبنانيون اباً عن جد، انه عندما قيل لجمال باشا السفّاح الذي كان حاكما عسكرياً على لبنان، ان المئات من اللبنانيين يموتون جوعاً بسبب الحصار والجراد، قال لمراجعيه «عندما تأكل المرأة طفلها عندها تبدأ المجاعة». اللبنانيون، والارمن اللبنانيون لا يطلبون من حكومة تركيا الحديثة، سوى ان تضع فاصلاً بينها وبين تركيا العثمانية التي ارتكبت العديد من الجرائم بحق شعبها والشعوب التي استعمرتها اكثر من 500 سنة، وهذا الفاصل لن يدخلها الى العالم العربي والعالم الاوروبي فحسب، بل يدخل قادتها التاريخ بأنهم كانوا حقاً رجال دولة عرفوا الخطأ عند اسلافهم واعتذروا عنه، واذا كان رجوع المرء عن الخطأ فضيلة، فكيف اذا كان اعتذاره عن اخطاء غيره، عندها سيكون تقديره اكبر واحترامه اقوى، ولكن لا يعتقدن احد ان مرور السنوات والعهود، سوف يسدل ستاراً من النسيان على احداث مرّة تعيش في ذاكرة الكبار، وحليب الامهات، وبطون الكتب. على الرغم من كل ما سبق، ومن منطلق التمسّك بالاخلاق والتقاليد اللبنانية، نرحّب بزيارة اردوغان، علّها تكون دافعاً لاخذ مواقف مطلوبة، انما المؤكد الذي يجب ان يعرفه اردوغان ان بناء المدارس والمستشفيات على اهميته، لا يمكن ان يحلّ محل الكلمة الحق التي يجب ان تقال، ولا يمكن بالتالي ان يمحو ذاكرة اللبنانيين بمن فيهم الارمن. في النهاية، كان من الافضل وطنياً، لو بقيت ساحة الشهداء للشهداء، بدلا من تحويلها الى معرض لصور تثير الحساسية والغضب.