محمد نور الدين السفير 12 ت1 2006 تتوقف العربة التركية في طريق الاتحاد الأوروبي عند محطة باريسية بارزة اخرى. فاليوم الخميس عند الساعة الحادية عشرة صباحا، يجتمع البرلمان الفرنسي لمناقشة مشروع قانون يعاقب كل من ينكر حصول ابادة ارمنية على ايدي الأتراك في العام 1915 بالسجن والغرامة المالية. وكان البرلمان نفسه اعترف في العام 2001 ب ” حصول إبادة ارمنية “. وبذلك، تكمل فرنسا ما كانت بدأته حول الهولوكوست ومعاقبة من ينكرهما. وكان الرئيس الفرنسي جاك شيراك دعا أثناء زيارته الأخيرة الى ارمينيا الى اعتبار الاعتراف بالإبادة من شروط انضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي. وها هو اليوم يواصل “بلورة” الفكرة من خلال مشروع القانون الجديد. الأتراك غير متفاجئين بالخطوة الفرنسية، لكنهم يعربون عن الأسى والحزن كونها تأتي وسط مرحلة مفاوضات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا. كما ان هذا الشرط ليس مذكورا في دفتر الشروط الأوروبية، الأمر الذي اكّده المسؤول عن شؤون توسيع الاتحاد اولي رين بقوله ان الخطوة الفرنسية ستغضب الاتحاد الأوروبي وستترك آثارها الوخيمة. وبادرت تركيا منذ اللحظة الأولى الى اوسع المبادرات للحؤول دون تمرير مشروع القانون. فاتصل رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان بنظيره الفرنسي دومينيك دوفيلبان، وبعث الرئيس احمد نجدت سيزر برسالة الى شيراك. كما توجهت بعثة من البرلمان التركي الى فرنسا. وفي تركيا نفسها، اجتمع اردوغان مع المستثمرين الفرنسيين في البلاد. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية نامق طان إن المسألة الأرمنية قد سمّمت في الماضي العلاقات بين تركيا وفرنسا وهي ستوجّه ضربة قاسية لها في المستقبل. وإذا مرّ المشروع فسيلغي حرية الرأي في فرنسا وسيمحو في جلسة واحدة ما كان قد بني خلال سنوات. ويرى مسؤول في وزارة الخارجية ان المشروع يتعارض مع المادة العاشرة من الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان حول حرية التعبير. وكانت ردود الفعل من قبل المثقفين الأتراك لافتة، لأنها جاءت من جانب من تعرضوا لمحاكمات من قبل القضاء التركي بسبب آراء ادلوا بها، ومنهم من يدعو الى الاعتراف بحصول ابادة ارمنية. وقد انتقد هؤلاء الخطوة الفرنسية. فيقول الكاتب العلماني وعالم الإجتماع مراد بيلغيه، ان لسان حال الفرنسيين هو “لنستثمر المسألة الأرمنية. نحن في الأساس لا نريد الأتراك. فلنستخدم هذا الموضوع وسيلة لإبقائهم بعيدين”. ويختم بيلغيه بالقول “انهم لا يريدون الأتراك المسلمين داخل اوروربا”. وفي اجتماعه مع المستثمرين الفرنسيين، قال اردوغان انه من غير الممكن تلافي الأضرار السياسية والتجارية. كما ان القوات المسلحة التركية ستعيد النظر بكل العلاقات في المجال العسكري والدفاعي. ويرى مراقبون عسكريون ان اول ما يطرح هنا هو استبعاد فرنسا عن مناقصة انشاء مفاعل نووي تركي بقيمة اربعة مليارات يورو. ودعا اردوغان فرنسا الى ان تنظر الى ماضيها الاستعماري في افريقيا بدلا من ان تهاجم تركيا. وقال في خطاب ” فرنسا ينبغي ان تنظر في ما حدث في السنغال وتونس وجيبوتي وغينيا والجزائر… انني لا اعيد التذكير بأن هذه الاحداث اججت جمرات الغضب وغطاها التاريخ بالرماد “. ووصف القانون بأنه ضربة ضد حرية التعبير وأن السياسيين الفرنسيين يمارسون “لعبة شعبية رخيصة”. وعلى الصعيد التجاري، يبلغ حجم التبادل عشرة مليارات دولار بينها ستة مليارات دولار صادرات فرنسية في مقابل اربعة مليارات صادرات تركية. وفي تركيا 277 شركة فرنسية عاملة بنسبة 6.75 في المئة من مجموع الاستثمار الأجنبي وتحتل المرتبة السابعة. ويستبعد الخبراء أي مساس بهذه الإستثمارات لأنها تفيد ايضا عشرات الآلاف من العمال الأتراك في مرحلة تزداد فيها نسبة البطالة في تركيا. ومن بين المقترحات أيضا، دعوة نواب من حزب الوطن الأم الى إقرار البرلمان التركي قانونا يعترف بالإبادة الفرنسية في الجزائر ومعاقبة من ينكرها. وانتقدت الصحف التركية ازدواجية شيراك الذي يترك ابادة الجزائر للمؤرخين فيما يسنّ القوانين ضد من ينكر حصول ابادة ارمنية. وأرجأت لجنة العدل في البرلمان التركي، أمس، البت في اقتراح وصف ما حصل خلال حرب الجزائر بالإبادة، ومعاقبة كل من ينفي وقوع مجازر في تلك البلاد. وفي ختام جلسة استمرت ثلاث ساعات، أحيل الاقتراح الى لجنة فرعية لدرسه، بعدما حصل على دعم ضئيل من النواب. وقال النائب محمد دولجيه من “حزب العدالة والتنمية” خلال اجتماع اللجنة “لا يمكننا أن ننحدر الى مستوى فرنسا. علينا أن نتجنب خطأ كتابة التاريخ بقرارات برلمانية”، فيما قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان “لا ننظف الأوساخ بالأوساخ؛ لا ننظف الأوساخ سوى بالمياه النظيفة”. واعتبر مصدر في وزارة الخارجية التركية ان اقرار قانون حول الإبادة الجزائرية لن يكون مفيدا والاحتمال هو سحب السفير التركي من باريس. ومن اللافت كذلك اثارة البعض مستقبل العلاقة العسكرية بين القوات التركية والقوات الفرنسية العاملة في اطار قوة “اليونيفيل” في لبنان، خصوصا ان فرنسا تتولى قيادة هذه القوة. وذكرت صحيفة “زمان” ان هذه العلاقة قد تدخل في دائرة الخطر. وحاولت الحكومة الفرنسية ان تنأى بنفسها عن القانون. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية جان باتيست ماتييه إن مشروع القانون “ليس للحكومة علاقة به.. وليس ضروريا”. غير ان وزير الداخلية الفرنسية نيكولا ساركوزي قال انه تحدث الى اردوغان واقترح عليه ثلاثة شروط للتخلي عن مشروع الإبادة الأرمنية: تشكيل لجنة مشتركة بين تركيا وارمينيا؛ فتح الحدود مع ارمينيا؛ إبطال البرلمان التركي قانون منع تناول الإبادة.