شريف حكمت نشاشيبي العرب اونلاين 5 ت1 2006 مع تزايد التوتر المذهبي في العراق ودول الجوار ، هناك قصة ناجحة تم الاغفال عنها ، والتي كان بمقدورها ان تصبح نموذجا يقتضى به للتجانس الاجتماعي والتعايش بين الشعوب . العلاقات الجيدة بين العرب والارمن تعود الى قرون مضت ، رغم الاختلاف في القومية والدين . فالعرب كانوا اول من اعتنق الاسلام ، في حين كانت ارمينيا اول دولة تعتنق المسيحية دينا رسميا ، ورغم السياسية الاقليمية التي كانت سائدة في ذلك الحين والتي كادت ان تضرب اسفينا بين الشعبين. هناك قواسم مشتركة بين الشعبين فيما يتعلق بالثقافة والموسيقى والفن والتقاليد . فعلى سبيل المثال ، ان مكتبة المخطوطات ” ماديناداران ” تحتوي على اكثر من 700 مخطوطة باللغة العربية . من ناحية ثانية ، فانه يمكن تمييز الارمن بسهولة بالكنية التي تنتهي ب” يان” . وبدون شك فان الحدث المحوري الاهم في علاقاتهم هي المجازر التي تعرضوا لها في العهد العثماني وذهب ضحيتها اكثر من مليون ونصف مليون ارمني بين الاعوام 1915-1923، والتي ترفض تركيا حتى اليوم الاعتراف بها . ويبلغ عدد سكان ارمينيا التي تحدها جورجيا من الشمال واذربيجان من الشرق وايران من الجنوب وتركيا من الغرب ، 3 ملايين نسمة . ان العالم العربي ، رغم كونه يدين بالاسلام كالاتراك ، الا انه منح الارمن ملاذا آمنا ، نتج عنه مجتمعات ارمنية عاشت في اغلب الدول العربية خصوصا في مصر والعراق والاردن ولبنان وفلسطين وسوريا ، ويبلغ عددها اليوم مئات الالاف. وربما يعود ذلك الى حقيقة ان للعرب قضية مشتركة مع الارمن في معارضتهم الحكم العثماني لقرون عدة، ودفع الثمن غاليا نتيجة تلك المعارضة . فارتان اوسكانيان وزير الخارجية الارميني، الذي امضى طفولته في احدى دور الايتام في لبنان ، قال بعيد توقيعه مذكرة التفاهم المشترك مع جامعة الدول العربية عام 2005 ، ان ” الارمن لم يعيشوا فقط في البلدان العربية ، بل منحوا فرصة الازدهار والحصول على المواطنية في اوطانهم الجديدة ، مع المحافظة على هويتهم القومية “. واضاف ” ان الارمن لن ينسوا ابدا المعاملة الانسانية التي لاقوها من الشعب العربي ” . هذه المعاملة بادلتها ارمينيا بالمثل عندما استقبلت في ربوعها الهاربين من الحرب الاهلية اللبنانية بين الاعوام 1975-1990. في المقابل ، قال ريتشارد دكمجيان استاذ العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا الشمالية ” ان الدعم الكبير الذي حصلت عليه ارمينيا بعد استقلالها عن الاتحاد السوفياتي عندما كانت في وضع سيء كان من العرب ، رغم ان وضع هؤلاء لم يكن افضل ” . وقال اوسكانيا ” ان وجود مجتمعات ارمنية كبيرة وناجحة في العالم العربي ، يلعب دورا ايجابيا جدا في تقدم وتطوير علاقتنا الجيدة مع جميع الدول العربية “. واضاف ” منذ استقلالها التزمت جمهورية ارمينيا بتحسين علاقاتها مع الدول العربية وقد حصلنا على نتائج جيدة في هذا الاطار ” . وتابع ” لقد وقعنا عددا من الاتفاقيات الثنائية في شتى المجالات ، وانشأنا لجانا حكومية مشتركة ونقوم بزيارات متبادلة ، ووطدنا علاقات العمل على كافة المستويات كما انجزنا برامج ثقافية مشتركة ” . وآخر مثال على هذه العلاقات هي الزيارة الرسمية التي قام بها الى ارمينيا الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي ، عضو المجلس الاعلى لدولة الامارات العربية المتحدة وحاكم امارة الشارقة ، حيث قام بتدشين الاسبوع الثقافي لامارة الشارقة بين 19 و22 ايلول 2005 . وقد منحه الرئيس الارميني روبرت كوتشاريان وسام القديس مسروب ماشدوتس . وغرس القاسمي شجرة امام نصب الشهداء الارمن في يريفان ، تعبيرا عن الصداقة العربية – الارمنية . وهناك اعمال مربحة بين دول الخليج وارمينيا ، وقد وقعت الاخيرة بروتوكولا اقتصاديا مع مصر ( اول دولة عربية تفتح سفارة لها في يريفان ). ويعود سبب عدم الهجرة الى البلد الام ارمينيا بأعداد كبيرة الى اندماج الارمن كليا في المجتمعات االعربية . وهناك انحياز سياسي ايضا. ففي العراق يقول اوسكانيان ” نرغب في ان نرى دولة سيدة ، موحدة ، مستقرة وديمقراطية ” . وفي عملية السلام في الشرق الاوسط ، لطالما اعربت ارمينيا ” عن تضامنها مع الموقف العربي . فاقامة دولة فلسطينية مستقلة هو في صلب هذه العملية التي تهدف الى ترسيخ الامن والاستقرار في المنطقة ” . وهذا ما يفسر ان يكون السفير الفلسطيني الجديد في المملكة المتحدة ارمنيا متزوجا من سيدة عربية . ” عندما تم تعييني سفيرا ، اقامت الجالية الارمنية في القدس حفل وداع لي . لقد شعروا بفخر كبير” قال مانويل هاسسيان، وهو الذي نجا والده من المجازر التي ارتكبها الاتراك بحق الارمن . واضاف ” هذا يعكس الى اي مدى نحن متشابهان . ويمكنني ان ابين اوجه الشبه بين ارمينيا وفلسطين على كافة المستويات . ان حفاظنا على وجودنا حتى اليوم بالرغم من الحروب والاحتلال و70 سنة من الحكم الشيوعي ، وحصولنا على ارمينيا مسستقلة ، يبعث الامل في ان يحصل الفلسطينيون يوما ما على استقلالهم ” . وتجاوزت العلاقات العربية – الارمنية العواصف الاقليمية . فعلى سبيل المثال ، لم ينخرط الارمن في الحرب الاهلية في لبنان . كذلك فشلت المحاولات الاذربيجانية والتركية لكسب الدعم العربي في الحرب الارمنية – الاذرية حول اقليم ناغورني كاراباخ ، وذلك بتصوير هذا الصراع على انه صراع اسلامي – مسيحي . وترسخت العلاقات العربية – الارمنية مع نمو المحور الاسرائيلي – التركي – الاذري . وكانت تركيا اول دولة اسلامية اعترفت باسرائيل بعد انشائها بسنة ، اي في عام 1948 ، فيما استضافت اذربيجان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في ايلول 1997 . وردا على سؤال حول ما اذا كان يميل الى الطرف الارمني اكثر من الطرف العربي قال هاسسيان ” سألت احد تلامذتي الجامعيين وهو من اصل فلسطيني لكنه يعيش في الكويت ، عن اي من فريقي كرة القدم سوف يشجع اذا لعب المنتخب الفلسطيني ضد المنتخب الكويتي ، فاجابني انه سيشجع اللاعب الافضل ” .