(6-7 تشرين الثاني/نوفمبر 2013-القاهرة):على مدار يومّي 6 و7 نوفمبر 2013 ، عقد اتحاد المؤرخين العرب بالقاهرة الذى يرأسه المؤرخ المصرى المرموق الأستاذ الدكتور حسنين ربيع بآداب القاهرة مؤتمره الدولى السنوى ، وكان هذا العام تحت عنوان ” العرب واكتشاف الآخر ” . وخلال الجلسة الأولى يوم الخميس 7 نوفمبر ، ألقى د. محمد رفعت الإمام أستاذ مساعد التاريخ الحديث والمعاصر بآداب دمنهور ورقة بحثية عن ” رؤية العرب للأرمن العثمانيين 1878 – 1923 ” . وحسب دراسة د. الإمام ، عكست المصادر العربية بامتياز القضية الأرمنية بكل أبعادها وملابستها وتداعياتها منذ تدويل القضية الأرمنية بموجب المادة ” 61 ” من معاهدة برلين (1878 ) وحتى إجهاضها دولياً فى مؤتمر لوزان ( 1923 ) . هذا ، وقد قسم د. الإمام المصادر العربية إلى نمطين أساسيين وهما : 1. المؤلفات السياسية والأدبية ” الكتابات الايديولوجية ” . 2. الكتابات الصحفية ” كتابات الرأى العام ” . من أعمال النمط الأول : كتابات مصطفى كامل و محمد فريد و فايز الغصين و محمد كرد على و ولى الدين يكن . وقد اتسمت هذه الكتابات بكونها سلسلة متصلة الحلقات فى معالجة القضية الأرمنية . وثمة ملاحظة على النمط الأول أنها لم تنكر وقوع المذابح الحميدية أو الإبادة الاتحادية . لكن معظمها قد انصبت فى قوالب تبريرية . ومن هذا القبيل ، فايز الغصين الذى يُعد رائد التأريخ لوقائع الإبادة الأرمنية عام 1915 ؛ إذ أن كتابه صدر بالقاهرة فى خريف 1916 قبل أن تنتشر كتابات برايس وتوينبى وغيرهما . ورغم هذه الريادة ، فإن جُل مبتغى الغصين من وراء عمله هو تبرئة الإسلام كدين وعقيدة ونصوص مقدسة من كونها المحرض على إبادة الجنس الأرمنى . أما فيما يتعلق بالنمط الثانى ، فقد ذكر د. الإمام بأن المكتبة العربية تمتلك زخيرة قيمة من الدوريات التى تُشكل منجماً معلوماتياً وفكرياً نادراً لمتابعة المواقف الرسمية والاتجاهات الفكرية العربية إزاء القضية الأرمنية. ليس هذا فحسب ، بل إنها تعكس بجلاء نبضات الشارع العربى إيجابياً وسلبياً وبكل وجوهه إزاء الأرمن . وأشار د. الإمام إلى أن الدوريات العربية لم تُقدم قاعدة معلومات فقط عن القضية الأرمنية ، بل عبّرت عن فروع ثقافية متضافرة ومتنافرة، ولكنها صبت جميعها فى المجرى العام للرؤية العربية إزاء القضية الأرمنية . وأخذ د. الإمام يقرأ على الحضور من معظم البلاد العربية لاسيما تلك التى آزرت مصر بعد ثورة 30 يونية ( السعودية ، الإمارات ،الكويت ، البحرين ، الاردن ) مقتطفات من صحف ” القبلة ” الحجازية و ” التقدم ” و ” العاصمة ” السوريتين و ” الأخبار و الأهرام ” المصريتين . وقد ركز د. الإمام على فتوى شيخ الأزهر سليم البشرى التى حّرم بموجبها قتل الأرمن فى منطقة أضنة . وقد نشرت جريدة المؤيد ، وهى جريدة مصرية إسلامية عثمانية التوجه ، نص الفتوى على مدار أيام 25 و 26 و 27 و 28 أبريل 1909 . وبخصوص الإبادة الأرمنية عام 1915 ، قرأ د. الإمام من جريدة الأهرام القاهرية هذا النص على خلفية مطالب الأرمن بإنشاء دولة خاصة بهم فى مؤتمر فرساى ( 1919 ) . قالت الأهرام فى 12 مارس 1919 : ” إن الألمان وتلاميذهم الاتحاديون لم ينظروا إلى حل مسألة الأرمن على هذا الوجه ،بل كانت خطتهم محو العنصر الأرمنى . وقد اتضح ذلك من عملهم وأقوال الشهود العدول ” . وفيما يتعلق بعملية تهجير الأرمن إلى ولاية حلب العربية ، علقت الاهرام بقولها : ” أما الجهة التى قاموا بنقلهم إليها ، هى ولاية حلب العربية ، ولكنهم كانوا يفنونهم فى الطريق لأن الغرض الصحيح لم يكن الإبعاد بل الإفناء ” . وجدير بالتسجيل أن ورقة د. الإمام قد أثارت العديد من التساؤلات والمداخلات . فقد أشاد د. محمود متولى أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة قناة السويس بموضوع الورقة وسأل عن ” لماذا الأرمن العثمانيين ؟”. أجاب د. الإمام بأن أرمينية فى التاريخ الحديث انقسمت إلى قسمين ، أحدهما يقع تحت الاحتلال الروسي والآخر تحت الاحتلال العثمانى ، وهو ما يُشكل شرق الأناضول . وسألت د. سحر حسن باحثة بمركز تاريخ مصر المعاصر عن سبب رعب تركيا عندما لوّحت مصر فى الآونة الأخيرة بـ ” الاعتراف بالمذبحة الأرمنية ” . أجاب د. الإمام بقوله : ” تحتل مصر مكانة محورية فى العالمين العربى والإسلامى ، بل فى الشرق الأوسط كله . ولذلك ، فإن مصر عندما أثارت قضية ” الإبادة الأرمنية ” على خلفية محاربة تركيا لإرادة الشعب المصرى ، فهى بذلك قد وجهت ضربة قوية للإدارة التركية . وفى حال اعتراف مصر رسميا بهذه الإبادة ، سوف تُوجه مصر ضربة قاضية لطموح أردوغان فى قيادة ” شرق أوسط إسلامى ” بزعامة تركيا التى ألغت الخلافة الإسلامية رسمياً فى عام 1924 . كما يعكس رد الفعل التركى الأرعن مصداقية الجريمة التى ارتكبها الأجداد فى حق الأرمن عام 1915 . وكانت غالبية الأسئلة والاستفسارات إيجابية على عكس د. محمد البيلى أستاذ التاريخ الإسلامى بآداب القاهرة الذى جاءت تعليقاته سلبية وخارج سياق المحاضرة تماماً . فقد بدأ ملاحظاته بقوله : ” د. محمد رفعت الإمام هو صوت أرمنى ولكن بجنسية مصرية ” . ثم وجه اللوم لإدارة الاتحاد على قبول هذا الموضوع ، ثم قال بالحرف الواحد : ” لايجوز طرحها ( القضية الأرمنية ) فى غياب الطرف الآخر ( تركيا ) ؟ ” أجاب د. الإمام قائلاً : ” د. البيلى اتهمنى علانية بالتحيز جزافاً بدون أى دليل . فلم يأخذ معلومة أو فكرة واحدة وردت فى البحث وراح يُفندها ويُثبت من خلالها أننى متحيز . ويبدو أن د. البيلى لم يسمع المحاضرة ، ولم تمر على عقله مطلقاً لأنه يحمل فى وجدانه فكرة عقيدية غير علمية على الإطلاق. إن كل معلوماتى وأفكارى مستقاة من مصادر عربية كتبها مسلمون : مصطفى كامل ، محمد فريد ، ولى الدين يكن ، المنفلوطى ، فكرى أباظة ، فايز الغصين ، محمد كرد على ، معروف الرصافى وغيرهم . علاوة على فتوى الشيخ سليم البشرى . وبالتالى ، أين التحيز فى كتابات هؤلاء الذين كانوا فى الغالب محسوبين على الجامعة الإسلامية أو الجامعة الوطنية ” . وبخصوص الملاحظة الثانية ، وجه د. الإمام الكلام إلى د. البيلى بحدة وشدة صارمتين قائلاً : ” هل من أجل دراسة القضية الأرمنية لابد من أخذ إذن أردوغان . فإذا كنت تتبنى السياسة الأردوغانية فى مصر ، فإننى أرفض أن تفرضها علينا ” . وبعد هذا الرد المفحم من د. الإمام ، أنهى الأستاذ الدكتور محمد بن ناصر أحمد الملحم أستاذ بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالمملكة العربية السعودية الجلسة التى استغرقت أكثر من ساعتين .