د. أحلام بيضون* “القضية الارمنية في الفكر اللبناني” بيروت – 2000 إذا كانت أرمينيا بشطرها السوفييتي قد وجدت الفرصة عام 1991 (أي مع إنهيار الإتحاد السوفييتي) لتعلن نفسها دولة مستقلة، فإن الشطر التركي منها لا زال لم يحصل على مثل هذا الإستقلال، ولا زالت المشكلة الأرمنية قائمة بكل أبعادها: فأرمينيا السوفيتية هي دولة صغيرة، لا تزال أقسام منها تحت سيطرة دولة جورجيا المجاورة، ولا يزال إقليم كاراباغ الهام تحت السيطرة الأذربيجانية. أما فيما يتعلق بأرمينيا التركية، فليس هناك ما يوحي، في ظل النظام العالمي القائم، بأن تركيا ستعترف قريبا بالمجازر التي ارتكبت قبل وخلال وبعد الحرب العالمية الأولى. أمام هذا الواقع، يمكن دراسة المسألة الأرمنية على ثلاثة مستويات: المستوى الأول ويتعلق بالأرمن كشعب له مقوماته الذاتية التي تخوله المطالبة بحقه في تقرير مصيره. المستوى الثاني ويتعلق بجريمة الإبادة الجماعية والتهجير الإكراهي للأرمن. ولا يخفى ما للإعتراف بهذه الجرائم من قبل تركيا والمجتمع الدولي من أهمية كونه يشكل إعترافا بحق الشعب الأرمني بإستعادة أرضه وحقوقه. المستوى الثالث ويتعلق بالمعادلات الدولية المبنية على مصالح الدول الكبرى ومدى تأثير ذلك في تمكين الشعوب من تقرير مصيرها أو عدمه بما في ذلك ما يتعلق بالشعب الأرمني. أولا: الشعب الأرمني وحقه في تقرير المصير تدل الوقائع التاريخية والدراسات على أن الأرمن يتمتعون بمجموعة من المواصفات تتطابق مع المواصفات التي ذكرت في مختلف المصادر القانونية، التي تكلمت عن الدول وحق الشعوب، وتمكن من إطلاق تعبير “شعب” عليهم مع ما تستتبعه هذه التسمية من تأكيد حقهم في تقرير المصير( أ ). وحق الشعوب هذا في تقرير المصير كرس في القانون الدولي وعبرت عنه مختلف المعاهدات الدولية ( ب ) أ- شخصية الشعب الارمني المميزة وتوقه الى الاستقلال ارمينيا التاريخية هي ما يعرف اليوم بالأناضول الشرقي، وترنسكوكاز، وهي تتميز بموقعها الإستراتيجي حيث يحيط بها ثلاثة بحار هي: البحر الأسود، وقزوين والمتوسط، وهي تقع على جانبي الحدود بين روسيا وتركيا. ويعيد الأرمن أصلهم وإقامتهم في أرمينيا إلى ما قبل التاريخ، والشعب الأرمني الذي يبلغ عدده اليوم حوالي عشرة ملايين. يتميز بلغة وأبجدية خاصتين به، وهو ينتمي بمجموعه إلى أصل واحد وديانة واحدة، وله تراث مميز يجمع بين ما هو شرقي وما هو غربي؛ ولعل أهم من ذلك كله هو أن الأرمن بمختلف فئاتهم لهم تطالعات مشتركة نحو إقامة كيان مستقل داخل أرضهم التاريخية. وقد حافظ الشعب الأرمني على شخصيته، رغم ما تعرض له من ويلات وإضطهاد عبر العصور، ليس أقلها الإبادة الجماعية والتهجير الإكراهي. ورغم أنهم ينشطون في بلدان الشتات ويخلصون لها ويدخلون في تركيبتها الإجتماعية والسياسية، ويتجنسون بجنسياتها، فإن الأرمن لا زالوا يحتفظون بخصوصيتهم: لغة، وعادات وانتماء. أما فيما يتعلق بالكيان السياسي فقد عرف الأرمن خلال تاريخهم أنواعا من الإستقلال، وقد انهارت آخر ممالكهم في أواخر القرن الرابع عشر فوقعت أرمينيا تحت سيطرة الحكم الأجنبي السلجوقي ثم التركي، حيث دخل الأرمن كإحدى أقليات الأمبراطورية العثمانية وقدر عددهم في القرن التاسع عشر بنحو مليونين ونصف المليون. وكغيرهم من أقليات الأمبراطورية، تعرض الأرمن للتمييز والإضطهاد، مما دفع بهم إلى المطالبة، بداية، بإصلاحات داخلية لتمكينهم من ممارسة حقوقهم كمواطنين. وقد استمر ذلك حتى بعد عام 1887، إلا أن السياسة التركية القائمة على التسلط والإستبداد كان من شأنها أن تدير التيار بإتجاه آخر فتحرك المشاعر القومية لدى الشعوب التي تعيش تحت سيطرتها، وتجعلها تنتظم في جماعات سرية ثورية بهدف الحصول على الإستقلال. وكان من شأن ذلك، بالنسبة للأرمن أن يتعرضوا لمذابح عديدة، كان أهمها مجزرة عام 1915. وفي عام 1918، أعلن المجلس الوطني الأرمني عن قيام الجمهورية الأرمنية. ثم جاءت معاهدة سيفر عام 1920 بمثابة إعتراف بها. إلا أن هذه المعاهدة بقيت حبرا على ورق: فطلب دخول أرمينيا إلى عصبة الأمم رفض في ذات العام، ثم ما لبث الجيش الأحمر أن دخل أرمينيا ووقع السوفييت إتفاقية مع تركيا أصبحت بموجبها أرمينيا جمهورية إشتراكية سوفيتية. عام 1923 وقعت معاهدة لوزان بين الحلفاء وتركيا التي تجاهلت تماما ما ورد في معاهدة سيفر فيما يتعلق بحق الأرمن بإقامة دولة مستقلة. وهكذا، وفي ظل لعبة الدول الكبرى وتنافسها لتحقيق مصالحها، دخلت المسألة الأرمنية كأحد أرقام المسائل الدولية الصعبة التي تنتظر الحل. ب – حق الأرمن بتقرير المصير الأرمن هم إذن شعب ينتمي إلى أرض معينة، وعرف أشكالا من الحكم وبالتالي فمن حقه تقرير مصيره. هذا الحق تحفظه له الإتفاقيات الدولية العامة المتعلقة بحقوق الشعوب وحماية الأقليات. كما تقره الإتفاقيات الدولية الخاصة التي تناولت المسألة الأرمنية ونعني بالتحديد معاهدة سيفر التي وقعت بين تركيا والدول الحليفة عام 1920 والتي تعترف بأرمينيا كدولة حرة مستقلة (المادة 88) وتعيين حدودها (المادة 89) وتجعل لها منفذا على البحر الأسود. ورغم أن هذه الإتفاقية لم تشمل بعض المقاطعات الأرمنية المهمة مثل كيليكيا وخربوت وسيفاس ودياربكر فإنها تعتبر ذات أهمية كبيرة سواء من حيث أنها تشكل إعترافا من قبل تركيا والمجموعة الدولية، في حينها، بحق الأرمن وبدولتهم أو سواء لأنها الوحيدة التي تكرس هذا الحق. وتبلغ مساحة أرمينيا بحسب المعاهدة 720000 كلم2 . إن حق الشعوب في تقرير المصير مكرس في المواثيق والإتفاقات الدولية، كما لهذا الحق قوة إلزامية. إلا أن له وجهان: الوجه الأول يتعلق بالتحرر من الإستعمار بكافة أشكاله، وهنا الحق مطلق، والوجه الثاني وهو الذي يتعلق بالإنفصال عن دولة قائمة، وهنا يتعارض المبدأ مع مبادئ أخرى كمبدأ سيادة الدولة وما يستتبع ذلك. في هذه الحالة الأخيرة إفترض القانون الدولي عدة شروط لتحقيق الإنفصال، منها أن يكون للفئة المطالبة بالإستقلال مقومات الشعب؛ ومنها أن تكون هذه الفئة معرضة لإنتهاك حقوقها الإنسانية على إختلافها من قبل السلطة المحلية. وسواء افترضنا الوجه الأول أو الآخر لحق تقرير المصير، فإن الوضعية القانونية تنطبق على الشعب الأرمني من حيث أنه شعب له مقوماته الإنسانية والسياسية والمادية المميزة، ومن حيث انه مورست ضده شتى أنواع الجرائم اللا إنسانية. ثانياً: الإبادة الجماعية ضد الأرمن واهمية الإعتراف بها فيما يتعلق بحقهم بتقرير المصير رغم أن جرائم الإبادة الجماعية قد ارتكبت فعلا ضد الأرمن بحيث ذهب ضحيتها نحو مليون شخص وأكره أكثر من نصف مليون على ترك ديارهم، بحيث لم يبق منهم في تركيا سوى 100 ألف نسمة في ذلك الوقت، رغم هذه الوقائع، فإن الأتراك يصرون على عدم الإعتراف بمسؤوليتهم عنها، ويحاولون التخفيف من أهميتها بإعطاء تبريرات مختلفة، كالقول بأن الأرمن هم رعايا أتراك، وبأنهم تآمروا ضدهم في الحرب الأولى، أو أن عدد الأرمن كان أصلا ضئيلا في تركيا. إن موقفهم هذا لا يمكن تفسيره إلا بمدى أهمية الإعتراف بجريمتهم بقدر ما تشكل إعترافا بحقوق الأرمن، وبقدر ما تعطيهم الدعم الفعلي للمطالبة بحقوقهم . على كل حال فإن الذرائع التي تسوقها السلطات التركية لمحاولة التهرب من مسؤوليتها الدولية عن الجرائم المرتكبة، لا أساس لها في القانون الدولي سواء فيما يتعلق بالقواعد التي ترعى العمليات العسكرية أو تلك التي تتعلق بالقواعد الإنسانية وخاصة فيما يتعلق بجريمة الإبادة الجماعية التي هي جريمة دولية غير قابلة لمرور الزمن عليها. -الإبادة الجماعية هي جريمة دولية لا تخضع “لتقادم الزمن” الإتفاقية الدولية حول إتقاء وتعقب جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948، دخلت حيز التنفيذ عام 1953، ومنذ ذلك الحين، ما انفكت الجمعية العامة للأمم المتحدة والهيئات التابعة لها تصدر قرارات تؤكد فيها أهمية هذه الإتفاقية وأهمية التعاون الدولي في تعقب مرتكبيها ومحاكمتهم، معتبرة أن الإبادة الجماعية هي جريمة دولية مخالفة لمبادئ وأهداف الأمم المتحدة. في عام 1992 صدق على الإتفاقية نحو 100 دولة. ولا تخضع جريمة الإبادة الجماعية لتقادم الزمن، أي أن ملاحقتها تبقى سارية المفعول مهما مرّ عليها من وقت. وهذا المبدأ كرسته إتفاقية دولية، أصبحت نافذة منذ العام 1970 وطبقا للمادة الثامنة من نفس الإتفاقية. وتنص المادة الأولى منها على أن مبدأ التقادم لا ينطبق على الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، سواء في زمن الحرب أو في زمن السلم، والوارد تعريفها في النظام الأساسي لمحكمة نورمبرغ العسكرية الدولية الصادر عام 1945 والوارد تأكيدها في قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3 (د-1) و95 (د-1) لعام 1946… وجريمة الإبادة الجماعية الوارد تعريفها في إتفاقية عام 1948 والتي تنص على منع الجريمة والمعاقبة عليها. “حتى لو كانت الأفعال المذكورة لا تشكل إخلالا بالقانون الداخلي للبلد الذي ارتكبت فيه”. وهذه الجملة الأخيرة تنفي أي إستثناء ممكن أن يراود أذهان البعض في ما يتعلق بشمولية تعريف جريمة الإبادة الجماعية وأنها لا تحتمل أي تبرير بالتحديد الإحتجاج بالقانون الداخلي الذي يمكن أن تثيره الجهة المرتكبة للجريمة كأن تدعي سلطة الدولة أن ما تقوم به ضد تابعيها أو المقيمين على أرضها إنما هو شأن داخلي أو أن الضرورات الأمنية أو السيادية للدولة تبرره. أما لجهة تحديد المسؤوليات فتنص المادة الثانية من الإتفاقية أن أحكامها “تنطبق” على “ممثلي سلطة الدولة وعلى الأفراد الذين يقومون بوصفهم فاعلين أصليين أو شركاء بالمساهمة في إرتكاب أية جريمة من تلك الجرائم أو بتحريض الغير تحريضا مباشرا على ارتكابها أو الذين يتآمرون لارتكابها، بصرف النظر عن درجة التنفيذ، وعلى ممثلي سلطة الدولة الذين يتسامحون في إرتكابها. أما لجهة التعاون الدولي في تعقب ومعاقبة مرتكبي جريمة الإبادة الجماعية كما غيرها من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، فتنص المادة الثالثة من الإتفاقية على أن الدول تتعهد “بإتخاذ جميع التدابير… اللازمة لكي يصبح في الإمكان القيام، وفقا للقانون الدولي بتسليم الأشخاص” المتهمين بإرتكاب مثل هذه الجرائم. وقد جاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3074 (د-28) لعام 1973 يفصل مبادئ التعاون الدولي في تعقب واعتقال وتسليم ومعاقبة الأشخاص المتهمين بإرتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. أما فيما يتعلق بالقضاء الجنائي الدولي، فقد أكدت لجنة القانون الدولي (C.D.I) أن المبادئ التي احتواها النظام التأسيسي لمحكمة نورمبرغ وقرارها، هي من مبادئ القانون الدولي؛ وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد كرست ذلك بدورها في قرارها رقم 95 (I) لعام 1946. وفي العام 1995 سجلت الجمعية العامة للأمم المتحدة على جدول أعمالها مسألة “إنشاء محكمة جنائية دولية”. ومنذ العام 1980، وتطبيقا لقرارها رقم 33/97 إلتمست الجمعية العامة من الأمين العام في قرارها رقم 35/49، 1980، بأن يدعو الدول الأعضاء والمنظمات الدولية المهتمة لكي تقدم ملاحظاتها على مشروع قانون حول الجرائم ضد سلم وأمن البشرية ولكي يعطي رأيه حول الطريقة التي يجب إتباعها لتنفيذ ذلك بما فيها ضرورة إرساله إلى لجنة القانون الدولي. في عام 1995، أنشأت الجمعية العامة صندوق لتمويل المحكمة الجزائية الدولية التي شكلت للنظر في جرائم الإبادة الجماعية وغيرها من إنتهاكات القانون الدولي الإنساني التي تمت على أرض رواندا أو الدول المجاورة في الفترة من 1 تشرين الثاني وحتى 31 كانون الأول 1994. ووزعت الحصص على الدول الأعضاء. – أهمية ملاحقة جريمة الإبادة الجماعية ضد الأرمن إن ملاحقة جريمة الإبادة الجماعية ضد الأرمن ومعاقبة مرتكبيها ذات أهمية كبيرة بالنسبة إلى الإنسانية بوجه عام وبالنسبة للأرمن على وجه الخصوص. فهي تشكل إعترافا بحقوقهم المشروعة على أرضهم التي أكرهوا على تركها. كما أنها تمكن من التعويض على الشعب الأرمني بمجمله وبأفراده المتضررين مما لحق بهم من ويلات. وإذا كانت المسألة لم تطرح بشتى أبعادها، خاصة فيما يتعلق بملاحقة جريمة الإبادة في الوقت ذاته الذي تلاحق فيه جرائم النازيين حتى يومنا هذا، كما تلاحق فيه جرائم غيرهم فقد أنشأت محكمة جزائية دولية للنظر في الجرائم التي ارتكبت في رواندا، وأخرى للنظر في جرائم البوسنة، كذلك الأمر بالنسبة ليوغوسلافيا السابقة، فإن عدم طرحها له خلفيات دولية: فالولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول التي تسير في فلكها لم تجد الوقت مناسبا بعد كي تحترم مبادئ القانون الدولي سواء فيما يتعلق بجرائم الأتراك ضد الأرمن أو بجرائم إسرائيل ضد اللبنانيين والفلسطينيين والعرب بشكل عام أو جرائم الولايات المتحدة ضد الشعب العراقي. ثالثا: المعادلات الدولية ومدى تأثيرها في تقرير مصير الشعوب بما فيها الشعب الأرمني فأرمينيا ليست أقل أو أكثر من غيرها من البلدان ذات الموقع الإستراتيجي الهام، أو ذات الثروات الطبيعية المهمة، أو التي هي مصدر للمواد الأولية اللازمة للصناعة، أو التي تشكل سوقا هاما لتصريف سلع البلدان الغنية. هي ضحية أنانية وغطرسة هذه البلدان التي في سبيل مصالحها لا تتورع عن إنتهاك حقوق الشعوب، وهذا الإنتهاك يأخذ أشكالا مختلفة أهمها منع هذه الشعوب من أخذ زمام أمورها وتقرير مصيرها؛ ولا تتورع البلدان المسيطرة على مجرى الأمور الدولية من اللجوء إلى مختلف الوسائل في سبيل تنفيذ مخططاتها، فتفتعل النزاعات الداخلية أو الحروب الدولية، وهنا تجد الفرصة لتصريف ما كسد من ترساناتها الحربية، ويمكن أن تلجأ إلى أعمال عسكرية مباشرة فتحتل وتدمر وتهجر وترتكب أبشع الجرائم حتى الإبادة الجماعية. وما حدث للشعب الأرمني مماثل لما حدث ويحدث لغيره من الشعوب الصغيرة: الفييتنامي، الفلسطيني، الكردي، اللبناني، الإفريقي، التشيلي… وما يجري الآن من إبادة للشعب العراقي عن طريق تسميم أجوائه بالمواد المشعة والكيماوية ومنع الدواء والغذاء عنه. إن موقع أرمينيا الإستراتيجي في قلب الأناضول على مفترق الطرق الدولية دون حدود طبيعية تحميها، جعل منها في السابق ساحة للمعارك الحربية وطريقا للجيوش الغازية. من ناحية ثانية أرض أرمينيا تجاور دجلة والفرات، وذات ثروات مائية هامة. أضف إلى ذلك، أن أرمينيا هي جزء من الشرق الأدنى، تلك المنطقة التي كانت ولا تزال مسرحا للصراع الجيوسياسي. إن منطقتي الشرق الأدنى والأوسط تشكلان أهمية استراتيجية كبيرة، سواء بموقعها بداية أو باكتشاف النفط في أغلب مناطقها أو بكونها مصدرا هاما للمياه حيث يجهد الكيان الصهيوني منذ زمن لوضع المشاريع المختلفة للمنطقة في هذا المجال. وليس عن عبث أن يقال أن القرن الواحد والعشرين هو قرن الصراع على المياه. وطالما أن المنطقة هي هي جغرافيا، وطالما أن الدول الكبرى لا تزال هي ذاتها مع تعديل لصالح الولايات المتحدة التي تخلت، منذ زمن بعيد، عن مبادئها الإنسانية، فإن الحلول الجذرية للقضاياالدولية العالقة حسب ما تتمناه الشعوب المعنية، ليس بالأمر القريب. إن تغيير المعادلة الدولية يتوقف على أمل أن تغير الدولة الأقوى (أي الولايات المتحدة) سياستها في إتجاه مناصرة الحق ودعم الشعوب المظلومة، كما يتوقف، على بروز قوى دولية معتدلة، كالمجموعة الأوروبية، أو الصين أو إيران أو غيرها … لتفعيل ودعم المنظمات الدولية كي تقوم بدورها على مختلف الصعد. بانتظار هذا الأمل، لا بد للشعوب المقهورة من مواجهة الواقع بمحاولة الحصول على حقوقها، ولا بد لها من أجل ذلك من أن تتعاون وتتكامل فيما بينها لمواجهة سياسة القوى الدولية للدخول في العولمة بالطريقة الأفضل التي تمكنها من تحقيق النمو والتطور لشعوبها والعيش بسلام. أما بالنسبة للشعب الأرمني على وجه الخصوص، فلا بد له، في سعيه من أجل إستعادة حقوقه، من أن يستفيد من التطور الإيجابي الذي حصل على صعيد المسألة الأرمنية، والمتمثل بقيام أرمينياالقوقازية كدولة مستقلة عام 1991. إن هذا الحدث من شأنه أن يجمع الأرمن حتى في بلدان الشتات، حول قيادة واحدة، هي الحكومة الشرعية الأرمنية، التي يمكن أن تمثلهم وترفع قضاياهم وتلاحقها على المستوى الدولي والخاص، كذلك لا بد من التمسك بمضمون معاهدة سيفر لعام 1920 كأساس لمطالبهم، لأهميتها القانونية والتاريخية وشمولها لمعظم المناطق الأرمنية التي تعتبر تاريخية وأساسية بالنسية للشعب الأرمني. بما فيها المقاطعات الأرمنية التي لا تزال خاضعة لجورجيا، كذلك إقليم كاراباغ الهام الخاضع حاليا لأذربيجان… * استاذة في القانون الدولي في الجامعة اللبنانية