انتخابات أذربيجان وتكريس مستمر للديكتاتورية

علاء فاروق مدير تحرير موقع آسيا الوسطى للدراسات والأبحاث اخبار العالم 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2010 منذ أيام جرت الانتخابات البرلمانية في جمهورية أذربيجان وسط توقعات قبل إجرائها بتزويرها للحزب الحاكم “يني أذربيجان”، ورغم معرفة النتيجة مسبقًا إلا أن المعارضة أقحمت نفسها في التجربة البرلمانية، على أمل أن تحصل على مقعد أو اثنين من شأنهما أن يعضدا تواجدها في المجتمع. لكن جاءات النتيجة الأخيرة للانتخابات البرلمانية لتعلن امتداد عصر الديكتاتورية والسيطرة المتمثل في نظام علييف، الذي تولى الحكم خلفًا لوالده في عام 2003، ثم أعيد انتخابه في 2008 لولاية ثانية من خمس سنوات، وفي العام التالي تم إلغاء القانون الذي يحدد عدد الولايات الرئاسية المتتالية باثنتين فقط. وخرجت المعارضة من اللعبة الانتخابية فارغة اليدين، ما جعلها تصف العملية الانتخابية بالـ”مشينة”، وأنها لم تكن انتخابات أصلاً، بل هي مجرد ديكور نتائجه معروفة مسبقًا. ورغم تطمينات الحكومة قبل العملية الانتخابية بضمان النزاهة والشفافية، ورغم وجود المراقبين الدوليين ووسائل الإعلام المرئية والمقروءة، إلا أن كل هذا لم يمنع من إحكام السلطات قبضتها على العملية الانتخابية من أولها إلى آخرها، والوقوف بجانب الحزب الحاكم وحشد مؤيديه حتى فاز بأكثر من 70 مقعدًا من مقاعد البرلمان الـ125، في حين فاز بالمقاعد المتبقية مرشحون قدموا باعتبارهم مستقلين، لكنهم يدعمون رئيس الدولة، وخرجت المعارضة متمثلة في حزبي الجبهة الشعبية لأذربيجان، وحزب “مساواة” من اللعبة. منافسة غير عادلة نددت كل من المعارضة الأذرية المشتركة في الانتخابات ومناهضي نظام علييف والمراقبين الدوليين بعمليات تزوير واسعة وصفوها بـ«المشينة» وقعت خلال الاقتراع. وقال عيسى غامبر، رئيس حزب مساواة خلال مؤتمر صحفي: “إن ما جرى مؤخرًا في أذربيجان لا علاقة له بالانتخابات”، مضيفًا: “إن هذه الانتخابات بدت مشينة بأسوأ شكل ممكن”. في حين انتقد مراقبون دوليون هذه الانتخابات، معتبرين أنها لا تحقق تقدمًا في اتجاه التطور الديمقراطي. وقال مراقبون من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومجلس أوروبا والبرلمان الأوروبي في بيان: “إدارة هذه الانتخابات بوجه عام لم تكن كافية للدلالة على تحقيق تقدم ملموس في التطور الديمقراطي للبلاد”. وأشار المراقبون إلى «منافسة غير عادلة» للمرشحين، وتقييد حرية الإعلام والتجمع، وحالات تصويت أكثر من مرة، وتجاوزات في عمليات فرز الأصوات. واتهمت المعارضة السلطات بأنها أعاقت تسجيل ترشيحات ممثليها، ومنعت تجمعاتها، وقيدت الصحافة. وقال علي كريملي، الذي ينتمي حزبه (الجبهة الشعبية) إلى ائتلاف المعارضة الرئيسي المشارك في الانتخابات، أن الناخبين في بعض المناطق صوتوا «عدة مرات»، مطالبًا هو وباقي رجال المعارضة الدول الغربية بعدم التغاضي عن انتهاكات الديمقراطية التي تمت في هذه العملية. رد فعل دولي وعلى الصعيد الدولي، لاقت العملية الانتخابية ردود فعل دولية متباينة، فالولايات المتحدة الأمريكية اعتبرت أن الانتخابات تمت بنحو سليم، ولكنها لم تكن حسب المعايير الدولية للديمقراطية. وقال المتحدث باسم الخارجية، فيليب كراولي، في بيان: “إن الانتخابات البرلمانية في أذربيجان جرت بمجرى سليم بمشاركة جميع الأحزاب المعارضة والجماعات المحلية والمراقبين، بالإضافة إلى متابعة المجتمع الدولي، ومع ذلك فإن الانتخابات الأذرية لم تكن وفق المعايير الدولية”. وبين كراولي مساندته لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومجلس أوروبا، مشيرًا إلى وجود بعض المخاطر التي أثرت على سير الانتخابات، منها على سبيل المثال: الاختراقات المستمرة على نظام الاقتراع. ودعا الحكومة الأذرية إلى الأخذ بعين الاعتبار الشكاوى الانتخابية بكل شفافية، وعلى وجه السرعة، وكذلك مساءلة المسؤولين الذين يشتبه في تدخلهم في سير الانتخابات، وأيضًا على احترام حرية التعبير. في حين قالت المنسقة العليا للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كاثرين أشتون: “إنها اطلعت على نتائج الانتخابات البرلمانية في أذربيجان”، مشيرة إلى أن الانتخابات سارت بمجرى سليم، وذلك بمشاركة جميع الأحزاب المعارضة. وأشارت أشتون، في بيان، إلى أن إدارة الانتخابات بوجه عام لم تكن كافية للدلالة على تحقيق تقدم ملموس في التطور الديمقراطي للبلاد، داعية السلطات الأذربيجانية إلى معالجة القصور والقضايا المثيرة التي واجهت العملية الانتخابية. وأضافت: “إنها تشجع السلطات الأذربيجانية لتعزيز جهودها الرامية إلى تحقيق الديمقراطية، ومراعاة حقوق الإنسان، خاصة فيما يتعلق بضمان وتعزيز التعددية الديمقراطية، وحرية الإعلام والتجمعات”. لمحة تاريخية: ما سبق يجعلنا نتطرق بصورة مختصرة لبعض الأحزاب الموجودة في أذربيجان وأجندة كل حزب، وقبل أن نعرض هذه الأحزاب نذكر لمحة عن الحياة السياسية في أذربيجان، فقد تم وضع الدستور الأذربيجاني سنة 1978م، ويقرر أن أعلى سلطة في البلاد تتركز في يد المجلس الأعلى (البرلمان)، ثم يليه مجلس الوزراء الذي يتولى السلطة التنفيذية والإدارية، وينص الدستور على أن يقوم رئيس الجمهورية بتعيين الحكومة، أما رئيس الجمهورية فيتم انتخابه بالتصويت المباشر، وهو الذي يقوم بتعيين رئيس الوزراء ومجلس الوزراء، ولكن لابد أن يصادق المجلس الأعلى على هذه التعيينات، ورغم وجود رئيس للوزراء، فإن رئيس الجمهورية يتولى رئاسة الحكومة، أما الحياة الحزبية في أذربيجان فيوجد بها 10 أحزاب تتنوع أهدافها وسياساتها على النحو التالي: 1 – حزب الاستقلال الوطني: أسس هذا الحزب عام 1992 على يد “اعتبار محمدوف”، وكان معظم قادة هذا الحزب من الأعضاء المؤسسين للجبهة الشعبية. وحزب الاستقلال هذا يعارض انضمام أذربيجان لمجموعة دول الكومنولث، كما يعارض تغيير الخط الروسي الذي يستخدمه الشعب الأذري إلى الخط اللاتيني الذي أقره البرلمان، واعتبر هذا الحزب تغيير الهوية التركية الأذرية إلى التركية العثمانية منافيًا للمصالح الوطنية للبلاد. 2 – الحزب الاشتراكي الديمقراطي: هذا الحزب هو الآخر منبثق عن الجبهة الشعبية، وبرنامجه كان من بقايا النظام السوفيتي، وهو يعارض التقارب مع تركيا، ومع هذا فهو يؤيد العلمانية، ووافق منذ البداية على الانضمام لدول الكومنولث. 3 – حزب المساواة: ويسمى “بني مساوات”، أي المساواة الجديد، وزعيم هذا الحزب هو “عيسى قنبروف” الذي كان رئيسًا للبرلمان في فترة حكومة الجبهة الشعبية، ويعتبر محمد أمين زاده، الذي أسس جمهورية أذربيجان عام 1918م، هو المؤسس الفعلي لحزب المساواة في 1911م. 4 – حزب الطريق الصحيح: أسس هذا الحزب عام 1993، وتولى رئاسته النائب الأول لرئيس البرلمان “تامر لمان قاراييف”، وتمثلت أهداف هذا الحزب في إقرار العدالة الاجتماعية، وتوفير الحرية، والحفاظ على الوحدة العامة. 5 – حزب اتحاد العمال الطوراني المستقل: مؤسس هذا الحزب هو “نعمت بناه أوغلو”، أحد زعماء الجبهة الشعبية، وهو يعارض تغيير التاريخ والهوية الأذرية إلى التركية الأناضولية، وإنما يتمسك هذا الحزب بقوة بالقومية الأذرية. 6 – حزب تضامن الشعب الأذربيجاني: أسس هذا الحزب “صابر رستم خانغي”، رئيس لجنة الصحافة في أذربيجان، وله صحيفة ناطقة باسمه تسمى “آند”، أي القسم. 7 – منظمة “بزقورد”، أي الذئب الرمادي: زعيم هذه المنظمة هو “إسكندر حميدوف”، العضو البارز في الجبهة الشعبية ووزير الداخلية في عهد الرئيس إيلتشي بيك (أبو الفضل)، ويقال: إن منظمة الذئب الرمادي منظمة دولية؛ حيث إن لها فروعًا في أوزبكستان وتركيا، والمركز الرئيس لهذه المنظمة في أسطنبول. 8 – الحزب الإسلامي: هو التنظيم السياسي النشط على مستوى البلاد، حيث له شعبية في كل المدن، وتم تأسيس هذا الحزب بعد انشقاق أعضائه عن الجبهة الشعبية بسبب ميولها الاشتراكية والعلمانية المتشددة، وقد سجل الحزب في وزارة العدل كحزب مستقل عام 1992، وبدأ نشاطه السياسي على الفور بزعامة الحاج علي إكرام. وبرنامج هذا الحزب يهدف إلى تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية، والثقافية الوطنية، ووحدة المسلمين، والكفاح من أجل الحفاظ على استقلال ووحدة الجمهورية، والتوسع في بناء المساجد والمراكز الثقافية الإسلامية، وفي الوقت الراهن يعكف الحزب على ترميم وتجديد المساجد وفتحها، وإقامة المراسم والأعياد والمناسبات الإسلامية. ويصدر الحزب نشرتين صحفيتين تعبران عن نهجه، وهما:”إسلام سي”، أي صوت الإسلام، و “إسلام دنيا سي”، أي دنيا الإسلام. 9 – حزب أذربيجان المستقل: أسس هذا الحزب عام 1991 بزعامة “نظامي سليمانوف”، وهو الذي عارض تغيير اسم الأمة الأذرية إلى التركية، بعدما أقر البرلمان ذلك الأمر من قبل، وله صحيفة ناطقة باسمه تسمى “آختاريش”، أي الباحث. 10 – حزب أذربيجان الجديدة (يني أذربيجان): مؤسس هذا الحزب هو الرئيس الأذربيجاني السابق، “حيدر علييف”، والمقر الرئيس لهذا الحزب في منطقة “نخجوان” ذات الحكم الذاتي، وهذا الحزب لا يعارض الميول الروسية، وفي نفس الوقت فإنه لا يؤيد التبعية المطلقة لتركيا. وبجانب هذه الأحزاب هناك منظمات سياسية أخرى لها نشاطها السياسي والمجتمعي، ومنها: منظمة القزلباشيين، والحزب الديمقراطي، وحزب حرية الشعب، والجمعية الوطنية، وجمعية التوبة، وحزب بيرليك الديمقراطي، واتحاد الشباب الشيوعي من أجل نهضة أذربيجان، وحزب جمهورية أذربيجان الإسلامية، وحزب الخضر الأذربيجاني، وغير ذلك من الأحزاب التي وصل عددها في عام 1998 إلى أكثر من 25 حزبًا ومنظمة. والناظر لما سبق سيجد هشاشة في الحالة الحزبية لهذه الجمهورية المستقلة؛ بسبب نفوذ الحزب الحاكم، وتسخير أدوات الدولة كلها لخدمته، مما سبب تهميش الأحزاب الأخرى، وهذه الأحزاب المذكورة من الممكن تقسميها إلى التالي: أحزاب مؤيدة للسلطة تأييدًا مطلقًا، وأخرى تسمى ظاهريًا “معارضة”، لكن أجندتها تحتوي على تأييد الحزب الحاكم، وثالثة إسلامية يتلخص دورها في ترميم المساجد، والاحتفال بالمناسبات الدينية، وهي بعيدة كل البعد عن الحياة السياسية، ورابعة تشكل المعارضة الحقيقية، وهذه نصيبها من المنابر الشرعية قليل جدًا، ويتم التضييق عليها وعلى أنشطتها، ومن ثم تهميش دورها، فلا يسمع عنها أحد إلا خلال الانتخابات البرلمانية، وأغلب قادة هذه الأحزاب لا يستقرون في البلاد. خلاصة القول: إن نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة في أذربيجان أكدت أن هذه البلاد مازالت تحكم بقبضة حديدية قريبة جدًا من القبضة السوفيتية، متمثلة في طريقة الرئيس الحالي في إدارة البلاد، والتي يعتمد فيها على ضمان التأييد الغربي له، حيث إن هذا الغرب هو الذي يسعى إليه طمعًا في ثروته النفطية، وهو لا يبذل لهم هذه المواد الخام إلا بعد الحصول على ضمانات دولية لتأييد حكمه، والثناء المتواصل عليه. ونهاية نقول: على حكومة هذه الجمهورية أن تأخذ بعين الاعتبار الشكاوى الانتخابية المقدمة بكل شفافية، وعلى وجه السرعة، وكذلك مساءلة المسؤولين الذين يشتبه في تدخلهم في سير الانتخابات، واحترام حرية التعبير، وإلا فالثورات من الممكن أن تندلع، وإذا حدث هذا؛ فالنتائج معروفة، وهي: تدهور اقتصادي، تراجع المكانة الدولية، التدخل الخارجي، والعبث بمقدرات البلاد.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *