الأب انطوان اطاميان(مونريال) جريدة النهار 31 تموز/يوليو 2011 منذ اشهر تعاني سورياازمة سياسية حادة.وتركيا،الدولةالجارة، نراها توجه النداء تلو النداء الى القيادة السورية واركانها لتتجاوب مع مطالب المتظاهرين، وتعمل على تحقيق التعديلات الدستورية والاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والاعلامية والحزبية. ونظرا الى تفاقم الأوضاع في سوريا ها ا ن مجلة “الصباح”التركية تنشر مقالا تعبر فيه عن قلق حكام تركيا حيال الاقليات الكردية والارمنية التي تشكل ما يقارب الـ7% من مجمل سكان البلاد، متناسية حقوق الـ93% من ابناء الشعب السوري. انه من دون شك شعور انساني نبيل تفجر فجأة من اعماق قلب ذاك العثماني التركي الذي نفذ فصول الابادة الارمنية، مطلع القرن العشرين، وتحديدا في 24 نيسان 1915، ولا يزال ناكراً لها. فمن اجل هذا المقال المشرف، لا بد لنا نحن الارمن، من ان نتقدم بالشكر العميق الى السيد أردوغان وحكومته الرشيدة، على المشاعر الانسانية النبيلة التي تدفقت، فجأة من قلب كبير يكنّ الخير للشعوب المستضعفة المقهورة، وبخاصة للشعب الارمني في سوريا. علما اننا كنا سنضاعف الشكر والعرفان بالجميل لو تفضل سيادته، واهتمّ قليلاً، بالاقلية الارمنية المخلصة التي لا تزال تعيش في تركيا، تحت نير من التشريعات والاحكام العصبية. فيا ايها السيد أرودغان، هل نسيت موجة السم تلك التي نفثتها في الساحات الدولية، ومن على المنابر والمحافل الحكومية، عندما لمست مساعي حكومة ارمينيا في يريفان، لتحصد مزيداً من الاعترافات بتاريخية الابادة الارمنية التي ارتكبها اجداد لك سنة 1915، تربعوا على كراسي الحكم في اسطنبول، والتي تتربع انت اليوم عليها؟ الا يحق لنا ان نسألك عن سبب الاهتمام الزائد للجالية الارمنية في سوريا؟ هل هناك من تمييز وتمايز بين الارمن في تركيا والارمن في سوريا؟ فما الفارق بينهما؟ اليسوا كلهم مواطنين صالحين مخلصين لأوطانهم، في تركيا او في سوريا؟ الست مدركا، حتى اليوم، ان الأرمني الذي كسب تقدير الشعوب والدول والحكومات واحترامها اينما حل هو هو؟ هل نسيت، ام تناسيت، ان التركي من اصل ارمني هو فخر تركيا، ومساهم في صنع مجدها وتفوقها وحضارتها؟ هل نسيت ان غالبية المواطنين السوريين هم من اصل ارمني، وقد هُجّروا من تركيا وسيقوا عنوة الى صحارى دير الزور، والمدن والقرى السورية عراة حفاة؟ وقد استقبلهم الشعب السوري وحكومته استقبالا انسانياً كريماً، هو من شيم عروبتهم المضيافة، مانحاً اياهم المأوى والملجأ وحتى الهوية، بينما انت واجدادك هدمتم قصورهم ومنازلهم وكنائسهم، وسلبتم متاجرهم وممتلكاتهم واقتلعتم هويتهم! فاعلم جيدا، يا سيد اردوغان، ان الارمني لن يترك وطنه الحبيب سوريا الأبية العصية على المؤامرات ليذهب ويسكن تحت الخيم. انت تصرخ علناً وجهاراً بأنك ستطرد الارمن من تركيا، من ارض اجدادهم، ان هم طالبوا بحقوقهم المشروعة، كما فعل من قبلك طلعت وانور وجمال، بينما سيادة الرئيس بشار الاسد يصرح “ان الأرمني هو جزء لا يتجزأ من النسيج السوري العريق”. لن نقبل منك نصائح ملغومة تسديها للحكم في سوريا كي يسير على طريق الاصلاح والديموقراطية، بينما انت وحكومتك لا تزالون تقبعون في مستنقعات الديكتاتورية. تحل انت بالديموقراطية اولا، ومن ثم انصح غيرك. نصيحتنا اليك ان تبادر الى الاعتراف بالابادة الارمنية لترتفع حقا الى مقام الدول المتحضرة، الراقية، المحترمة حقوق الآخرين. ان كنت ديموقراطيا صالحا، اسمح لي ان اسألك، لماذا، في بلدك، يطارد ويقتل كل من ينادي بالحقوق الارمنية، ويطالب بالاعتراف بالابادة الارمنية المشؤومة الجهنمية؟ لماذا قتل في 24 نيسان المنصرم الشاب “سيفاك”وسفك دمه، وهو المجند في الجيش التركي؟ ولماذا اغتيل بطل القضية الارمنية “هرانت دنيك”وباسم اية ديموقراطية سقط هذا الصحافي اللامع الواعد ملطخاً بدمائه الذكية؟ اطلب منك، ان تجيب بكل شجاعة وصدق وديموقراطية عن هذه الاسئلة، ومن ثم تصنف ذاتك مصلحاً وداعياً ديموقراطياً، ومدافعا عن حقوق الشعب السوري وصديقاً مخلصاً للأرمن في سوريا. نحن اليوم سنسخر من الدول الحرة والمتحضّرة التي فوَضتك ناطقاً باسمها، في شأن الاحداث والمعضلة السورية. فهل يستطيع متعصب غدار ان يرشد الآخرين ويوجههم على طريق قبول الآخر واحترامه، وصون حقوقه والدفاع عنها؟ فالعثماني مهما نمق لغته الديبلوماسية، ومهما جمّل وجهه بمساحيق الفن السياسي، سيبقى لغزاً عالمياً، ومهرجاً سياسياً على خشبة مسرح التاريخ.