محمد نور الدين كانون الثاني/يناير 2011 صحيفة السفير – لبنان أثارت تصريحات رئيس الوزراء الجزائري احمد اويحيى المنتقدة لـ«المتاجرة» التركية بدم الجزائريين، على حد تعبيره، ردة فعل في أوساط الصحافة التركية. ولوحظ في هذا المجال التزام المسؤولين الأتراك الصمت الكامل تجاه تصريحات اويحيى. وكان تحذير البعض داخل تركيا رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان من عدم ربط موضوع «الإبادة» الأرمنية باستعمار فرنسا للجزائر قد تكرر في الآونة الأخيرة من دون أن يجد آذاناً صاغية. ووجهة نظر الذين لا يريدون الإشارة إلى الجزائر، ليس عدم وجود جرائم فرنسية استعمارية خلال فترة الاحتلال واعترف بها الفرنسيون أنفسهم، بل لأن تركيا نفسها في عهد عدنان مندريس رئيس وزراء تركيا في الخمسينيات، والذي يعتبر اردوغان نفسه امتداداً له، كانت على تحالف وثيق مع فرنسا أثناء الاحتلال الفرنسي للجزائر. بل أكثر من ذلك كان لتركيا مواقف مخزية بالنسبة لمطلب استقلال الجزائر في الأمم المتحدة والحق بتقرير المصير. فقد عارضت تركيا في عهد مندريس قراراً تقدّمت به دول العالم الثالث بحق الجزائر في تقرير مصيرها في شباط 1957. وكررت أنقرة موقفها من مشروع قرار آخر في نهاية العام نفسه والذي عارضته أيضاً إسرائيل والغرب. وجددت معارضتها لاستقلال الجزائر عندما لم تؤيد مشروع قرار آخر في نهاية العام 1958، وجددت الرفض لمشاريع القرارات التي عرضت أمام الأمم المتحدة في خريف العام 1959. ويعرض المؤرخ التركي البارز فاخر أرما اوغلو موقف تركيا المشين من تحرر الجزائر في بحث صدر عن مركز الأبحاث التاريخية التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي. كذلك يرى البعض في تركيا أن اعتبار اردوغان ووزير الخارجية احمد داود اوغلو ما قامت به فرنسا في الجزائر «إبادة» إنما يكرران من حيث لا يدريان ما يتهمان به الرئيس الفرنـسي نيكولا ساركوزي من أن قضية «الإبادة» يقررها المؤرخون لا السياسيون. سميح ايديز، المعلق المعروف، كتب في «ميللييت»، إن العالم لا يمكن أن يتشكل وفقا لما ترغب به تركيا. وكلام اويحيى مثال على ذلك. ويضيف انه ليس من الصعوبة التكهن من أن النائبة الفرنسية فاليري بوير التي قدمت مشروع القانون الذي يجرم إنكار «الإبادة» الارمنية كانت مسرورة جدا عندما سمعت كلام اويحيى. ويقول ايديز انه ليس صعبا أيضا التكهن أن الفرنسيين يعتبرون تصريح اويحيى «جوابا مثل صفعة على تركيا». ويقول ايديز إنه من المثير للملاحظة أن فرنسا لم ترد كفاية على تصريحات اردوغان وداود اوغلو التي اعتبرها الغرب بأنها «عدوانية وتهديدية». وأوضح انه باستثناء تصريحات لأحد مستشاري ساركوزي الأرمني الأصل باتريك ديفيجيان، فإن فرنسا لم تتجاوز حدود اللياقة في الرد على المسؤولين الأتراك. ويقول ايديز إن ردة الفعل الفرنسية المحدودة هي «درس في اللياقة» من جهة ورسالة بأن هناك مرحلة أخرى لهذا الموضوع هي في مجلس الشيوخ حيث «سترون». كما أن ما شاع عن تهديدات بالقتل من الأتراك ضد فاليري بوير سوف يسهّل عمل مجلس الشيوخ، و«إذا أضفنا ما قاله رئيس وزراء الجزائر فإن الطريق التي اتبعتها تركيا تخاطب المشاعر لا العقل». ويتساءل «ما الذي سنقوله رداً على كلمات رئيس الوزراء الجزائري؟». ويقول إن البعض سيقول إن اويحيى هو عبد للغرب، لكن المسألة ليست بهذه البساطة. وذكّر ايديز بما كان سأله للسفير الجزائري في تركيا عن استخدام تركيا للجزائر ضد فرنسا، حيث أجابه السفير «هذه مسألة تخص العلاقات بين تركيا وفرنسا ولا تعني الجزائر». ويقول ايديز إن كلام اويحيى عن دعم تركيا «الأطلسية» لفرنسا في الجزائر صحيح. ويضيف إنه صحيح أن تركيا قد اعتذرت من الجزائر في عهد طورغوت اوزال، لكن كان لافتاً أن اويحيى أشار إلى أطلسية تركيا آنذاك. وكان بذلك يلمّح إلى مشاركة تركيا في حملة حلف شمال الأطلسي الأخيرة على ليبيا التي عارضتها الجزائر، وبأن تركيا لا تزال، هي هي، عضواً في «الأطلسي»، موضحاً «انتم أعضاء في الحلف وقد شاركتم في العمليات ضد ليبيا». وينهي ايديز مقالته بالقول إنه قد تفاجئ تصريحات اويحيى البعض، لكن بالنسبة لمتتبعي الديناميات العالمية عن كثب وكمبدأ فإن هذه التصريحات ليست مفاجئة.