نعمل على تأسيس البنية القانونية للتعاون الثنائي…رؤيتنا السياسية تقوم على حل المشاكل بالحوار والتنازل المتبادل يريفان – زياد حيدر (21 آذار/مارس 2010 –يريفان):شدد الرئيس الأرميني سيرج سركيسيان في حديث خاص لـ«الوطن» في العاصمة الأرمينية يريفان على رغبة بلاده في تمتين العلاقة الثنائية بين البلدين بشكل يعكس متانة العلاقة التي جمعت بين الشعبين السوري والأرميني، مشيراً أن علاقة المؤسسات الرسمية بين البلدين تعمل على تأسيس البنية القانونية التي تسمح للمؤسسات ورجال الأعمال والمفكرين في ترسيخ هذا التعاون. وأشار الرئيس الأرميني إلى أهمية الزيارتين اللتين سيقوم بهما إلى مدينتي حلب ودير الزور للقاء ممثلين عن السوريين الأرمن هناك.sarkis_21032010.jpg” align=left border=0> وقال سركيسيان إن رؤية سياسة بلاده الخارجية تقوم على اعتماد أساس الحوار بين الجهات المختلفة لحل المشاكل العالقة ولتسوية المسائل السياسية، مشيراً إلى المثالين التركي الأرميني والأرميني الأذري. وقال إن الحصار المفروض على أرمينيا يؤثر على آفاق علاقاتها التجارية ولاسيما مع سورية، كما اعتبر أن حل العقد السياسية تحتاج لتنازلات من الطرفين موضحاً أن هذا التنازل يقوم على مبدأ المبادلة. كما جدد سركيسيان القول إن تطبيق العلاقة مع تركيا لا يخضع لأي شرط أرميني مثنياً في الوقت ذاته على رؤية الرئيس بشار الأسد حول ربط البحار الأربعة، معتبرا أن التعاون بين دول الإقليم هو أفضل سبيل لازدهاره. وفيما يلي نص الحوار الذي أجراه الزميل زياد حيدر في العاصمة الأرمينية يريفان: سيادة الرئيس، قام رئيس الجمهورية العربية السورية بشار الأسد بزيارة رسمية إلى أرمينيا، حيث تم التوقيع على عدة اتفاقيات. كيف تقيمون تطور العلاقات الثنائية بعد تلك الزيارة؟ نحن نعطي أهمية بالغة لتوسيع علاقاتنا مع البلد الصديق سورية لدورها المحوري في منطقة الشرق الأوسط. فالعلاقات الأرمينية السورية تقوم على مستوى رفيع وتجسد دفء العلاقات المتبادلة بين الشعبين. والاتصالات متواصلة بشكل فعال في كافة المجالات وهناك زيارات دورية متبادلة. فالزيارة التي قام بها رئيس جمهورية سورية كانت أول زيارة لأرمينيا المستقلة، وقد كان الرئيس الراحل حافظ الأسد قد زار أرمينيا السوفيتية عام 1979. سأذكر مثالاً واحداً فقط: سيتم الانتهاء من بناء نصب تذكاري يرمز للصداقة الأرمينية العربية في إحدى أجمل المواقع في عاصمتنا، والذي يقام بجهود عدد من الأرمن السوريين بدعم من الحكومة الأرمينية ومحافظة يريفان. وخلال زيارتي هذه، سيتم التوقيع على عدد من الاتفاقيات وأعتقد أنه من واجب حكوماتنا أن توفر البنية القانونية المناسبة لكي نفتح المجال أمام المؤسسات والمفكرين ورجال الأعمال والشباب والدوائر الفرعية للتواصل المتبادل بشكل مثمر. إن علاقات الصداقة بين أرمينيا وسورية تتجسد من خلال نشاط قيادتي البلدين. كيف يمكن نقل تلك الإمكانية الايجابية إلى ميدان الاقتصاد والسياسة؟ لقد أسهمت العشرات من الاتفاقيات الموقعة بين الحكومتين بتنمية التعاون الثنائي وكذلك العلاقات على المستوى الرفيع في تأسيس ركيزة لتطوير العلاقات الحميمة بين دمشق ويريفان. نحن مستعدون لدفع علاقات التعاون الأرمينية السورية إلى الأمام وتعزيزها وخاصة في المجالات السياسية والاقتصادية التجارية والعلمية والثقافية وغيرها. أنا متأكد أن لدى نظرائنا السوريين الاستعداد ذاته. إن اللجنة الحكومية المشتركة تعمل بجد حيث ستعقد جلستها الدورية خلال هذا العام. وهناك مشاريع جادة في مجال الطاقة والبيئة والزلازل والصحة والبناء والزراعة والري وغيرها. أنا على ثقة تامة بأن التعاون الأرميني السوري سيستمر بنجاح وسيتطور إلى الأفضل. سيادة الرئيس، خلال زيارتكم إلى سورية ستزورون حلب ودير الزور. ما الرسالة التي تنقلونها إلى المواطنين في سورية وأرمينيا؟ في الآونة الأخيرة، يتم الحديث كثيراً في العالم عن حوار الحضارات والتسامح. وفي سورية أسس الأرمن والسوريون نموذجاً للتآخي والتسامح بين المسلمين والمسيحيين يمكن أن يكون نموذجاً يحتذى به للتسامح في العالم. وهذه التقاليد الطيبة هي ثروة شعوبنا فيجب الحفاظ عليها. فأنا أحرص دائماً خلال زياراتي أن ألتقي بالممثلين عن شعبنا في المهجر. وقد تشكل المهجر بفعل قاس من التاريخ وهو الحلقة المهمة التي تصل الحضارة الأرمينية مع شعوب العالم والمجتمعات والدول. وإن تقبّل العالم لأرمينيا وللشعب الأرميني بشكل عام يتوقف على تقبل الأرمن في المهجر في البلاد التي أضحوا مواطنيها. ولهذه الأسباب لا يمكنني زيارة سورية دون أن أزور حلب ودير الزور لما لهما من مكانة مميزة في تاريخ المهجر الأرميني. سوف أزور تلك المناطق لأعبر عن امتنان شعبنا تجاه أخواتنا وإخواننا السوريين، وكذلك للقاء الأرمن كونهم مواطنين سوريين صالحين. سيادة الرئيس، ما تأثير قرار الكونغرس الأميركي على عملية تطبيع العلاقات الأرمينية التركية؟ غالباً ما يسألونني: كيف يجب تقديم الأدلة عن الإبادة الأرمينية. وهل الاعتراف بالإبادة سيسبب الإضرار بعملية التطبيع الأرمينية التركية، وأمن منطقة القوقاز الجنوبية؟ أجيبهم إنه يوجد العديد من الدول التي لا تحتاج لتقديم أي أدلة لها لأنها تملك أرشيفاً كبيراً حول الإبادة الأرمينية. أما ما يتعلق بالمخاوف من تضرر الأمن من الاعتراف بالإبادة، فالأمر يشبه الاختيار بين الأمن والمسألة المعنوية. أعتقد أن الأمن في منطقتنا محقق باستمرار شريطة أن يكون مبنياً وفق منطق معنوي إدراكي عميق. إن القرار الذي تم مناقشته في الكونغرس الأميركي هو شأن داخلي لا نتدخل فيه، مهما اعتبرناه ذا أهمية معنوية. نحن لم نجعل الاعتراف بالإبادة الأرمينية شرطاً في مسألة تأسيس علاقات طبيعية بين أرمينيا وتركيا لأن موقفنا المبدئي كان تحسين العلاقات الأرمينية التركية دون أي شرط. لا أجد أنه يصح ربط تلك العملية باعتراف دول أخرى بالإبادة الأرمينية. هناك أمر واحد يتضح أمامي، وهو أنه مهما طالت فترة عملية تطبيع العلاقات بيننا، فإن عدد الدول التي توافق على قرارات مماثلة سيزداد. سيادتكم تتطرقون في أحاديثكم غالباً عن حصار أرمينيا وتذكرون أن ذلك يحد من اقتصاد أرمينيا. ما الثمن الاقتصادي الذي تدفعه أرمينيا في حال إغلاق الحدود من الجانب التركي؟ إنه كبير، آخذين بالحسبان شح طرق العبور وكذلك عدم صلاحية خط الحديد الذي يصل أرمينيا بالبحر المتوسط. هناك إمكانيات ضخمة غير متاحة بين دولتينا في مجال الصناعة والتجارة والخدمات. وإن فتح تلك الحدود يمكن أن يكون له منفعة كبيرة بالنسبة لدول أخرى، من خلال تبادل البضائع بين سورية وأرمينيا. لكن أعتقد أن ثمن إغلاق تلك الحدود أكبر على المستوى السياسي. فإغلاق الحدود بحد ذاته هو وسيلة لاستخدام القوة. إن ذلك ليس فقط غير لائق بدولتين جارتين تعيشان في القرن الحادي والعشرين فقط، بل يتعارض مع معايير عديدة نصت عليها اتفاقيات المبادئ الدولية في الأمم المتحدة. تعمل تركيا بشكل دائم ومتكرر للعب دور إقليمي ودولي. إنها عضو في لجنة الأمن في الأمم المتحدة وعضو في مجموعة العشرين وتسعى للانضمام للاتحاد الأوروبي. كل هذا يتعارض مع تنفيذ عقوبات اقتصادية من طرف واحد حيال دولة جارة لها اقتصاد متطور. لقد تحدث الرئيس بشار الأسد في العديد من العواصم ومنها يريفان عن رؤيته في التعاون بين دول المنطقة وخاصة روسيا وأذربيجان وأرمينيا وتركيا وإيران، وبالطبع سورية. ما معوقات تلك الرؤية برأيكم. أية حلول يمكن إيجادها للوصول إليها؟ أنا أتفق مع نظيري الرئيس بشار بشأن رؤيته النبيلة. إنه سياسي بعيد النظر، يحب بلده ويبدي تعاطفه تجاه الجوار والأصدقاء. تبدي أرمينيا نيتها ورغبتها دائماً للتعاون في المنطقة. ونحن مقتنعون بأن الحل الوحيد للمشاكل العالقة هو لمناقشة تلك المشاكل على طاولة الحوار للتوصل إلى حلول ملائمة. يمكن أن يكون هناك تضارب بالآراء بين الدول ولكن التعاون هو أفضل وسيلة لتسوية ذلك. نحن مع السعي نحو خطوات التعاون وإيجاد المجالات التي يمكن من خلالها تفعيل المصالح والاهتمامات المشتركة والمتبادلة. بهذه الطريقة فقط يمكن التوصل إلى حل للمسائل المعقدة والكبيرة، ببطء وإنما بثقة. سيادة الرئيس، كيف تقييم يريفان الرسمية الوضع في الشرق الأوسط؟ برأيكم ما السبيل للتوصل إلى السلام والاستقرار؟ إن أرمينيا تراقب من كثب مواقف الدول العربية الصديقة وخاصة سورية. أرمينيا تقف إلى جانب كل الجهود لإيجاد تسوية كل المشاكل عبر المفاوضات السلمية وتدين دائماً كل عمليات الظلم وانتهاك حقوق الإنسان ومحاولات المعاقبة الجماعية للسكان المدنيين والإرهاب. نحن ندافع عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره عبر بناء دولة مستقلة والذي يقره قرار لمجلس الأمن في الأمم المتحدة. كلنا أمل بأن تصل الأطراف المعنية في الإطار المعقد للشرق الأوسط في المسار الفلسطيني الإسرائيلي والسوري الإسرائيلي إلى طاولة الحوار لمناقشة المشاكل وتتوصل إلى الحل. يجب أن يتم تسوية هذا النزاع الذي انتهك حياة الآلاف من الناس وحق العيش بسلام لأجيال كثيرة. نحن مهتمون بهذه القضية، أولاً لأن العديد من أخواتنا وإخواننا يعيشون في هذه المنطقة. في كل تلك البلاد هناك طائفة أرمينية بمؤسساتها الثقافية والتربوية الروحية. ومن بينها بطريركية الأرمن في القدس التي لها مكانة خاصة لدى الأرمن كأول شعب اعتنق المسيحية رسمياً. انطلاقاً من مصالحنا المباشرة يجب أن يعاد السلام والجلالة لذلك المكان المقدس. ذكرتم مراراً أن تسوية مسألة كاراباخ الجبلية يجب أن تستند إلى التنازلات المتبادلة عبر المفاوضات السلمية. ما تلك التنازلات في حالة أرمينيا؟ ذكرت مراراً أنه من أجل تسوية أي نزاع يجب إيجاد الحل من المسببات وليس من النتائج. فبدلاً من معالجة المرض نحاول محو مسبباته. أن الشعب الأرميني في كاراباخ الجبلية حاول حل كل الظلم والضغوطات خلال عقود طويلة عبر الطرق القانونية في إطار دستور الاتحاد السوفيتي والمبادئ الدولية. لكن كان الرد بالقوة ومحاولة نفي ذلك الشعب. وبدأت عمليات عسكرية مخططة دامت سنوات طويلة ضد أرتساخ فكانت مئات القنابل تسقط على ستيباناكيرد يومياً. وللرد على ذلك استطاع الشعب في أرتساخ أن يتكاتف ويدافع عن وطنه ومقدساته ونسائه وأطفاله وشيوخه. ومن أجل تعزيز الأمن تم تطويق المنطقة بطوق أمني. هذا ما يحدث غالباً في الحروب ولكن الحرب لم تكن خيارنا. على عكس إصرار أذربيجان لم يتم توطين ولا استخدام ذلك الطوق. عندما يحصل الشعب في كاراباخ على الإمكانية الحقيقة في تقرير مصيره وتخلق تقنيات عملية من أجل توفير الأمن والتطور، فإن تنازل الجانب الأرميني يمكن أن يكون بإعادة تلك المناطق حول كاراباخ إلى أذربيجان، طبعاً مع الحفاظ على المعبر بين أرمينيا وكاراباخ الجبلية. أنا صرحت مراراً عن ذلك. ولكن في مفهوم التنازل المشترك يكمن مبدأ المبادلة، ويجب إدراك أن التنازل من قبل طرف واحد يؤدي إلى تعميق الخطر والتهديدات.