د. نورا أريسيان الثورة – دمشق ( 10 آذار 2006) – انتابني شعور بالاعتزاز عندما علمت من وسائل الإعلام أن سماحتكم تدعون الى إصدار قانون دولي يمنع المساس بمقدسات الشعوب وأديانهم وأي شيء يسيء إليها, مطالباً أوروبا بالوقوف الى جانب هذا المطلب. وطالبتم باعتماد سياسة الحوار والتفاهم بين الأديان واحترام الشعوب بدلاً من فتح باب الصدام إثر موضوع نشر الرسوم المسيئة للنبي محمد في صحف أوروبية. ومن المشجع والمريح أيضاً أن هناك أفكار مطروحة لإصدار تشريع من الأمم المتحدة يتعلق باحترام الأديان, ومطالبة منتدى الأديان بإعلان قانون يجرم كل شخص أو هيئة يصدر عنها ما يسيئ أو يتعرض بالإهانة للمعتقدات والمشاعر الدينية لدى الشعوب. وكذلك نجد الاتحاد الأوروبي بصدد وضع لوائح أخلاقية لوسائل الإعلام, ووجود مشروع قرار إسلامي في الأمم المتحدة ينص على حظر حالات عدم تقبل الديانات الأخرى. وإني إذ أتقدم الى سماحتكم بهذه الرسالة لأعبر عن فخري بشخصكم وإصراركم على الدعوة الى احترام المقدسات والقيم الدينية, والمطالبة بقرار دولي يمنع المساس بمقدسات الشعوب وأديانهم. وإننا في سوريةا إذ نعيش في جو من التعايش يعتبر نموذجاً للشعوب على اختلاف أديانهم ومعتقداتهم, فلا نقبل أي إساءة للنبي أو أي تجاهل للرسالة الإسلامية السمحاء. خاصة وأن العالم يشهد العديد من الحالات في المساس بمقدسات شعوب أخرى. ففي منتصف شهر كانون الأول 2005 قام مسلحون في (جولفا) في (ناخيتشيفان) (التابعة لأذربيجان) على الحدود الإيرانية بتحطيم وتكسير الصلبان الحجرية الأرمنية في المقبرة التاريخية الواقعة على ضفاف نهر (أراكس) وثم رميها في النهر, رغم وجود اتفاقيات دولية تحرم انتهاك المعالم الأثرية والتاريخية والدينية. علماً أن تلك الصلبان الحجرية تمثل قيمة دينية للشعب الأرمني علاوة على أنها نماذج نادرة لفن النحت الأرمني ونصب تذكارية وأضرحة تحمل زخارف أرمنية يعود تاريخها الى القرنين الخامس عشر والسادس عشر. أود أن أركز على أهمية منع تدنيس الرموز الدينية وإدانتها ومعاقبة مرتكبيها حسب قوانين دولية مشرعة. ولن يختلف إثنان في أن جريمة إتلاف تلك الأوابد التاريخية هي تهديد لتاريخ الحضارة العالمية ومحاولة لطمس الحقيقة, لأنها تشكل قيمة إنسانية بغض النظر عن وضعها الجغرافي والتبعية القومية. والأمر الإستثنائي هو أن يتقدم شخص مسلم في منصبكم ويدعو لإصدار قانون دولي يمنع المساس بمقدسات الشعوب وأديانهم. إنكم تسهمون بذلك في إنقاذ تلك المقدسات والحفاظ عليها, والتأكيد على أنه لا يجوز المساس لا بصورة الرسول ولا المسيح ولا الصلبان الحجرية وغيرها من الرموز الدينية. ومن جهة أخرى, أرى أنه من واجبنا جميعاً أن نعّرف العالم أن الإسلام دين السلام والمحبة والتسامح والمبادرة في الإنقاذ والحماية, كما هو معروف عن حماية واستضافة الشعب العربي في سورية للأرمن أثناء مأساتهم في بداية القرن الماضي. فحياة الشعوب مستمرة كما دعا القرآن الكريم في الآية الكريمة: } يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم{ (الحجرات/13). سماحة المفتي كم أحوجنا في هذا العالم الضعيف الى شخصيات دينية على مستوى سماحتكم لتقول كلمتها وتطالب بقرارات دولية. دمتم خيراً للوطن, مسلمين ومسيحيين. مع فائق تقديري واحترامي,