مناقشة لجهاد الزين بقلم فيرا يعقوبيان النهار 31 آب 2006 طالعنا الاستاذ جهاد الزين الذي نكن له كل احترام وتقدير بمقالة صدرت في جريدة “النهار” بتاريخ 24/8/2006، بعنوان “لا يستطيع الارمن ان يكونوا خارج “التفكير الجديد” للدولة اللبنانية”، حملت بعض المغالطات التاريخية والسياسية، تستوجب منا ردا توضيحيا حول بعض النقاط التي من شأنها ان تصحح نظرة بعض اللبنانيين الى مواقف الارمن من الاحداث المتسارعة على الساحتين اللبنانية والدولية، ومن مشاركة تركيا في القوات الدولية لحفظ السلام في جنوب لبنان. اولا: نبدأ بالعنوان الذي يحمل تشكيكاً مبطناً حول موقف الارمن من مجريات الاحداث في لبنان، حيث يقول صاحب المقال “لا يستطيع الارمن ان يكونوا خارج التفكير الجديد للدولة اللبنانية”. ونحن نقول له ان الارمن لم يكونوا يوما خارج التفكير الجديد للدولة بدءا بعهد الاستقلال عام 1943 ووصولا الى اتفاق الطائف، حيث كان الارمن روادا في بناء الدولة اللبنانية على اسس شرعية ووطنية صلبة. بل اكثر من ذلك، ففي الوقت الذي كان فيه ابناء هذا الوطن على اختلاف انتماءاتهم وطوائفهم يتقاتلون ويتقاسمون خيراته، كان ابناء الطائفة الارمنية في لبنان يدعون الى الحوار ووقف التقاتل الاخوي الدموي. كان من الافضل ان يدعو الاستاذ جهاد الزين اللبنانيين الى اخذ العبر من مواقف ابناء الطائفة الارمنية في الوطنية وعزة النفس والكرامة، عوضا عن تلقين الارمن دروساً في السياسة الدولية والتشكيك بولائهم واهتمامهم بالمصالح العليا للدولة اللبنانية. ثانيا: يقول الاستاذ الزين في مستهل مقالته “… لقد حمل القرن الحادي والعشرون” “المبكر” هذا ولادة اول دولة ارمنية مستقلة في العصور الحديثة بعد التجربة الجهيضة والدموية، بل الكارثية التي شهدتها منطقة كيليكيا عام 1919 واوائل العشرينات كمشروع دولة ارمنية”. هذا الكلام دليل واضح على ان الاستاذ جهاد الزين لم يجد الوقت الكافي لقراءة التاريخ الارمني بل اعتمد على مقتطفات من هذا التاريخ فوقع في مغالطات لم نكن نتوقعها من صحافي معروف مثله، لان الدولة الارمنية المستقلة الاولى ولدت في 28 ايار 1918 (بعد معاناة الابادة التي ارتكبها الاتراك العثمانيون عام1915) على قسم من ارمينيا التاريخية والتي عرفت آنذاك بارمينيا الشرقية وليس كيليكيا، في حين اخضعت ارمينيا الغربية (او الولايات الست) للاحتلال التركي وما زالت . ثالثا: يقول الاستاذ جهاد الزين “ولدت دولة ارمينيا المستقلة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1991. ونشأ معها على مدى التسعينات ما يمكن اعتباره تيارين عريضين ارمنيين داخل كل منهما تلوينات مختلفة. تيار يعتبر ان الاستقلال يتطلب من الآن فصاعدا التركيز على بناء الدولة الارمنية والسعي للتخلي عن العداوات السابقة وعلى رأسها العداوة مع تركيا…”. يهمنا ان نوضح للرأي العام اللبناني والعربي، ان اعلان استقلال ارمينيا في ايلول 1991، اشار بشكل واضح لا يقبل الشك او التأويل الى المشاكل العالقة بين ارمينيا وتركيا. واذا سلمنا جدلا بأن هناك فعلا وجود لتيارين مختلفين في الرأي او التوجه السياسي وهذا دليل عافية سياسية. الا انه لا وجود لاي تيار ارمني في ارمينيا او خارجها مهما اختلفت تلويناته وتوجهاته يتجرأ على التغاضي عن الارث التاريخي الذي خلفه الاتراك في الذاكرة الجماعية الارمنية مهما تطلب بناء هذا الاستقلال من تضحيات. رابعا: وخلال حديثه عن الحرب في كاراباخ يقول الاستاذ جهاد الزين “نجح التيار الثاني في ان يوجه الدولة الناشئة نحو خوض حرب شاملة مع اذربيجان ادت الى سيطرة ارمينيا على اقليم ناغورنو قره باخ…”. نود ان نضيف الى المعلومات التاريخية لصاحب المقال معلومة حديثة وهي ان دولة اذربيجان ومع بدء تفكك الاتحاد السوفياتي عام 1988، سارعت الى اعلان الحرب على الارمن في كاراباخ، بارتكابها مجزرة بشعة في مدينة سومغايت الاذرية ضد السكان الارمن العزل. لقد طالب الارمن في مسيرات سلمية بتصحيح الخطأ التاريخي الذي ارتكبه ستالين عام 1923 بضم كاراباخ الى اذربيجان واعادتها الى سكانها الاصليين. كان الاجدى بالاستاذ جهاد الزين ان يعود الى التاريخ القريب، بل الى صفحات جريدة “النهار” في تلك الحقبة الزمنية ليطلع على الاحداث الدموية التي حصلت بحق الارمن. ان الرد الارمني كان دفاعا مشروعا عن حقه في الحفاظ على ارضه وثقافته وحق تقرير مصيره وليس تعديا على اذربيجان. خامسا: يقول صاحب المقال “كان الطاشناق فيما يقوم بذلك، للقتال مع الاذريين، يخوض في الوقت نفسه معارك سياسية داخل العاصمة الارمنية لم يحقق فيها كثيرا من النجاحات”. ان قراءة بسيطة ايضا لمجريات الاحداث السياسية لجمهورية ارمينيا خلال السنوات الاخيرة، لعلم الاستاذ جهاد الزين، تظهر ان حزب الطاشناق يشكل اليوم احدى اهم قوى الائتلاف الحكومي في جمهورية ارمينيا، ويشارك في الحياة السياسية البرلمانية فيها عبر نواب منتخبين من الشعب مباشرة. سادسا: في معرض حديثه عن موقف الارمن من مشاركة تركيا في القوات الدولية يقول جهاد الزين “هل سألت هذه الجهة اي تركيا هي التي من الممكن ان تأتي (او لا تأتي) الى لبنان وخاصة جنوبه؟ تركيا الداخلة مباشرة… وعبر الاتحاد الاوروبي – في مسار عقلاني – بل تصالحي – مع الدولة التي شكلت…”. يتوجب علينا نحن ان نوجه هذا السؤال الى الاستاذ جهاد الزين. ترى عن اي تركيا يتحدثون؟ هل عن تركيا التي لا تزال ترفض الاعتراف بارتكابها ابادة الشعب الارمني عام 1915 والتعويض على شعبه كما اعترفت المانيا بابادة اليهود؟ ام عن تركيا التي لا تزال تقمع الشعب الكردي ليس فقط في تركيا بل تلاحقه في داخل الاراضي العراقية، ضاربة بعرض الحائط كافة الاعراف والقوانين الدولية؟ ام ربما تركيا التي لا تزال تحتل قبرص الشمالية عسكريا وترفض التفاوض بشأنها مجازفة بمسألة انضمامها الى الاتحاد الاوروبي؟ وووو….. يجب على تركيا ان تنظف ماضيها من الاخطاء التي تشوبها، وان تتصالح مع تاريخها ومع الشعوب التي ذاقت الامرين منها لتتهيأ لها الظروف الملائمة لتصبح تركيا التي يمتدحها صاحب المقال. سابعا: يتابع الاستاذ جهاد الزين “… اليس سياقا بناء تريد الدولة اللبنانية التي تشجع انقرة على اتخاذ قرارها بالمشاركة فيه، هو سياق اعادة تثبيت بل توسيع سيادة الدولة اللبنانية على الحدود مع اسرائيل لاقامة الاستقرار في تلك المنطقة…”. اسمح لنا ان نقول ان سجل تركيا الحافل بالاضطهاد والابادة خلف آثارا عميقة في الذاكرة الجماعية لشعوب المنطقة التي حكمها العثمانيون مدة 4 قرون. فتركيا التي وقعت حلفا استراتيجيا عسكريا مع اسرائيل، والتي تمتلك تاريخا من السلوك المحرض على عدم الاستقرار، لن تكون عامل استقرار في هذه المنطقةالحساسة جدا، بل على العكس ستكون لوجودها آثار سلبية كبيرة لا تحمد عقباها. ثامنا: ويختتم الاستاذ جهاد الزين بالقول “… نحاول بدورنا وعبر مسارات معقدة وصراعية احيانا فكريا وسياسيا واقتصاديا، ان نعيد تنظيم مقولاتنا حول صراعنا مع اسرائيل ضمن معايير جديدة او اكثر حداثة لمعنى تجاوز المسألة الوطنية المتمثلة بالصراع مع اسرائيل للانطلاق – بعد حل عادل للقضيةالفلسطينية واستعادة الجولان والان استعادة الاراضي المحتلة مجددا في جنوب لبنان، الى رحاب التكيف مع “حقائق العصر” بقيام الدولة الديموقراطية”. نشاطرك هذا الرأي ونضيف عليه، ان الارمن لا يجدون اي مشكلة في التصالح مع تركيا وانهاء المشاكل العالقة معها لطي صفحة الماضي، ولكن بعد اعتراف تركيا بابادة الارمن عام 1915 وبعد اعادة الاراضي الارمنية المحتلة وبعد التعويض المادي والمعنوي على الشعب الارمني. واعتقد يا سيدي اننا لا نختلف هنافي وجهات النظر، بل وانك ستشاطرني هذا الرأي انطلاقا من المنطق الذي استخدمته في تعبيرك انت. عندها لا مانع من مشاركة تركيا في القوات الدولية لحفظ السلام في لبنان.