مسيرة ضخمة وقداس في الذكرى ال 91 لإبادة الأرمن كيشيشيان: مطلبنا الأساسي أن تقرّ تركيا بالخطأ

جريدة النهار – لبنان 15 نيسان 2006 كتبت ماري كلير فغالي: “على قوّتنا ان تتركز في سرعتنا وقدرتنا على احداث الصدمة. لقد أعطيت اوامري الى القوة الخاصة في الشرطة السرية كي تتوجه الى الجبهة البولندية وتقتل الرجال والنساء والاطفال من دون رحمة. ففي نهاية الامر، من يذكر اليوم الابادة الارمنية؟”. يوم ردد الزعيم النازي أدولف هتلر عبارته هذه عام 1929، كان رهانه على ان قتل أكثر من مليون ونصف مليون أرمني على ايدي النظام التركي عام 1915 سيطويه النسيان، كغيره من جرائم التطهير العرقي الاخرى التي يتغاضى عنها الى اليوم بعض البشرية لمصالح دول. أمس كانت الذكرى الـ 91 للابادة. لم تكن اعوام الجد آرام تشولاكيان الثلاثة والتسعون او المطر المتساقط بشدة لتثنيه عن السير من بطريركية الارمن الارثوذكس لبيت كيليكيا في انطلياس الى الملعب البلدي في برج حمود، للمشاركة في احياء ذكرى تشريده في اصقاع الارض وهو في سنّ السنتين، قبل ان تتبناه احدى العائلات اللبنانية في بسكنتا. حمل الجد حزنه، لف عنقه بعلم بلاده الاول، وسار مع عشرات آلاف مواطنيه من أرمن لبنان. مانوك ايضاً حمل ولديه ونزل، عاتباً على اللبنانيين الذين “نسوا الويلات التي انزلها فيهم العثمانيون ايام جمال باشا السفاح”. يقول: “لا نريد من الاتراك شيئاً، ولا ندعو الى انتقام. عليهم فقط الاعتراف بالمجزرة التي ارتكبوها في حقنا، واعادة اراضينا المحتلة. واولادنا من بعدنا لن ينسوا (…)”. هوفيك، الشاب الارمني الفخور بلبنانيته شارك في المسيرة تعبيراً عن رفضه “ان يقتل أكثر من مليون ونصف مليون أرمني من أبنائنا ولا من يسأل. جئت كي يرى العالم ان الابادة وقعت، وهي تشهد على إجرام الاتراك. جرحنا عمره 91 عاماً، ولا نطلب الا الاقرار بالحقيقة”. اما أغوب، فيسأل بغضب: “لماذا يذهب اللبنانيون الى تركيا، ويتهافت المغنون على الالحان التركية؟ هل ينسون سفر برلك؟”. باختصار، ذاكرة الارمن لا تموت، ولا تسكت عن الحق. وهي في ذلك تبقى واحدة، موحدة، لا تشوب تظاهراتها اي انقسامات او حزازات. وحده علم ارمينيا رفرف امس فوق رؤوس الرجال والنساء والاطفال والكشفيين والمسؤولين اللبنانيين واللبنانيين من اصل ارمني. وحدها ارمينيا كانت محور الذكرى، ذكرى لم يقوَ على محوها هتلر ولا غيره. بدعوة من “الهيئة المركزية لإحياء ذكرى الإبادة الارمنية” شارك عشرات آلاف الارمن في مسيرة شعبية انطلقت من انطلياس، حيث ترأس الكاثوليكوس آرام الأول قداساً عن أرواح الشهداء ووضع أكاليل زهر على ضرائحهم في باحة البطريركية. ورفعت خلال المسيرة الاعلام اللبنانية ولافتات كتب عليها: “اين كان ضمير العالم عام 1915″، و”لا يموت حق وراءه مطالب”، و”لو حوسب المجرمون الاتراك لما تجرأ آخرون على ارتكاب جرائم مماثلة”، و”الابادة فولكلور تركي”. وتقدّم المسيرة رجال دين أرمن ووزراء ونواب وفاعليات سياسية ودينية واجتماعية. وقد أقيم في ملعب برج حمود مهرجان خطابي حضره محافظ بيروت ناصيف قالوش ممثلاً رئيس الجمهورية، والمدير العام لوزارة العدل عمر الناطور ممثلاً رئيس مجلس الوزراء، والسيد مايز بو ضاهر ممثلاً رئيس مجلس النواب نبيه بري. حضر ايضاً الوزيران جان اوغاسابيان وميشال فرعون، والنواب ادغار معلوف ممثلا النائب العماد ميشال عون، عباس هاشم، سليم عون، غسان مخيبر، نبيل نقولا، جيلبرت زوين، شامل موزايا، ستريدا جعجع، انطوان زهرا، فريد حبيب، علي شري، عبد اللطيف الزين، انطوان غانم، سيرج طورسركيسيان، اغوب قصارجيان، يغيا جرجيان، السيدة ميرنا المر ممثلة النائب ميشال المر، العميد بانوس مانجيان ممثلاً قائد الجيش، والمونسنيور سمير نصار ممثلاً البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، مرخص طائفة الأرمن الأرثوذكس في لبنان المطران كيغام خاتشريان ورئيس اتحاد الكنائس الارمنية الإنجيلية في الشرق الأدنى القس صوغومون كيلاغبيان، ممثل النائب البطريركي لطائفة الأرمن الأرثوذكس الأب جورج اسادوريان، السفير الأرميني واهان دير غيفونتيان، الوزراء والنواب السابقون الان طابوريان، سيبوه هوفنانيان، شاهي برصوميان، نوريجان دميرجيان، ابرهام ددهيان، عدنان طرابلسي، غسان الاشقر، السيد مسعود الأشقر وفاعليات اختيارية وممثلون لاحزاب التقدمي الاشتراكي والبعث والقومي، و”جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية”. كوشكيريان والقى اليكسان كوشكيريان كلمة الهيئة المركزية لإحياء ذكرى الإبادة الارمنية، وقال: “بعد مرور 91 عاماً على الإبادة، يحيي الشعب الارمني أينما وجد ذكرى شهدائه الأبرار، عسى أن تتذكر الإنسانية جمعاء ان هناك جريمة ما زالت دون حساب ولا عقاب. إن عدم الإقرار بهذه الإبادة وإدانتها ومعاقبتها إنما يساهم في فتح الباب أمام جرائم أخرى في المستقبل. والقضية الارمنية تهدف إلى نصرة العدالة، هي قضية البشرية والكرامة الإنسانية. وتركيا اليوم مطالبة بالتصالح مع ماضيها والاعتراف بمسؤوليتها بالجريمة وتعويض الشعب الارمني معنوياً ومادياً وإعادة الحق والأرض إلى أصحابها (…)”. طابوريان بدوره، القى طابوريان كلمة وصف فيها انتشار الأرمن في لبنان والعالم بأنه “دليل حيّ ومتماد على حصول الإبادة الجماعية في حقهم، ونتيجة لأفظع مجزرة شهدها التاريخ، وسكت عنها العالم المتحضر، لتصبح عارا على جبين الإنسانية”. وقال: “إن اعتراف تركيا بالإبادة والاعتذار عنها وتعويض الخسائر البشرية والماديّة التي لحقت بالشعب الأرمني وإعادة الأراضي المغتصبة الى أصحابها الشرعيّين من شروط أي مصالحة بين الشعب الأرمني وتركيا. فالقضية الأرمنية هي في الأساس سياسية وقضية الحقوق المشروعة المغتصبة (…). كما ان التمييز العنصري لا يزال يجد له موطئا في تركيا، حيث يتواصل تدمير المعالم الحضارية والإرث الثقافي الأرمني في المناطق التي سكنها الأرمن في أرمينيا التاريخية، وكان آخرها انتهاك المقابر الأرمنية والصلبان الحجريّة في ناخيتشفان على ايدي الاذريين الأتراك، في محاولة لمحو أي اثر على الوجود الأرمني التاريخي في تلك المنطقة. والصراع التركي الأرمنيّ ليس صراعا دينيا، بل هو قوميّ واثني. الجريمة تستمّر، ويستمرّ معها احتلال الأراضي الأرمنية وانتهاك معالمها التاريخّية ومحاولات تزوير التاريخ. ولأن المساعي في متابعة القضيّة الأرمنية اكتسبت زخما جديدا في السنوات الأخيرة، لم تتردّد الحكومة التركية في اللجوء إلى الإرهاب الحكوميّ مصرّحة عن هدفها وهو إسكات الأصوات الناشطة المرفوعة باسم العدالة وتجاوز حكومات العالم التي اعترفت بالإبادة الأرمنية. إننا إذ نعرب عن تقديرنا للعديد من حكومات العالم وعلى رأسها مجلس النواب اللبناني الذي اعترف بالإبادة الأرمنية، نطالب البرلمان الأوروبي باحترام قراره في 18 حزيران 1987 والضغط على تركيا لإلزامها بتطبيق مبادئ الإتحاد المتعلقة باحترام حقوق الإنسان والأقليات، كشرط أساسي للموافقة على دخولها نادي الإتحاد (…)”. خاتشريان اما المطران خاتشريان فألقى كلمة جاء فيها: “(…) نجتمع اليوم لنقول للأجيال التي سبقتنا أننا نواصل المسيرة، وهي ليست إلا وقفة عز وإجلال وتكريم للشهداء الذين سقطوا دفاعاً عن أرضهم وشرفهم وحضارتهم. انتم أيها الأبطال شباب اليوم تقفون هنا على ارض لبنان المباركة، ارض الحرية والكرامة، ترفعون الصوت عاليا مطالبين المجتمع الدولي بمحاسبة مرتكبي المجازر بحق أجدادكم وشعبكم. تصرخون قائلين انكم لن تنسوا قضيتكم الوطنية ولا بد من يقظة ضمير عالمية تعيد حقكم كاملاً. وقوفكم هنا على ارض لبنان الحر المستقل فرصة للتعبير عن الشكر والامتنان والعرفان بالجميل لكل الشعوب وللدول التي سعت الى تخفيف آلام الشعب الارمني أو الذين بذلوا جهدا لمنع حصول مزيد من الجرائم أثناء المجازر والتهجير. وفي طليعة هذه الشعوب يأتي الشعب اللبناني الأصيل والمضياف والنبيل الذي شارك رغيفه وأرضه الشعب الارمني. وستبقى تلك المعاملة الطيبة والكريمة محفورة في ذاكرة الأرمن (…). كما لا بد من التنويه بدور لبنان في تحقيق العدالة في 9 أيار 2000، اذ اعترف البرلمان اللبناني بالإجماع ودان بشدة الإبادة الارمنية، مطالباً بمحاسبة مرتكبيها كي لا تتكرر فظائع مماثلة بحق الشعوب”. كيشيشيان وكان كاثوليكوس الارمن الكاثوليك لبيت كليكيا آرام الاول كيشيشيان وجّه الى الحشود في باحة الكاثوليكوسية في انطلياس رسالة، مما جاء فيها: “ان حقوق الانسان تشكّل ركيزة المجتمعات والاوطان والدول المتطورة، وهي حقوق منحها الله للانسان. وبالتالي، لا يحق لانسان الاستيلاء عليها، لان في ذلك دحضاً للنعمة الالهية. وبهذا، فان قوة المجتمعات الحية وعظمتها ليست في عددها ولا اقتصادها او قوتها العسكرية، انما في صدقها تجاه مسلمات حقوق الانسان (…). ان الابادة التي خططت لها السلطنة العثمانية عام 1915 ونفذتها، وان سياسة النفي التي تنتهجها تركيا اليوم وحكومات بعض الدول لن تنجح في تضليل هذا الواقع التاريخي ولا سيما امام هذا الكم من المستندات والوثائق. مطلبنا الاساسي هو ان تصدق تركيا تجاه هذه الحقبة من تاريخها الماضي، وتقر بالخطأ الذي اقترفه آباؤها (…)”. أصدر حزب الطاشناق بياناً أعلن فيه تنظيم قسم الشباب التابع له تجمعاً حاشداً في زحلة وطرابلس وعنجر في ذكرى الابادة. بدوره، نظم حزب الهنشاك يوم الجمعة الماضي احتفالاً في صالة “ارار اديان” لبطريركية الارمن الكاثوليك في الجعيتاوي. كما نظمت “هيئة الدفاع عن القضية الارمنية” في الحزب لقاء تضامنياً في باحة كنيسة “سورب هاروتيون” في الرميل احياء للذكرى.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *