وضد تحميل حكومة اردوغان اوزار مذابح ارتكبها غيره منذ عشرات السنين محمد باقر شري الديار 14 ت1 2006 كان شارون يلتقي حكاماً عرباً في حين ظل اردوغان اشهرا يرفض الالتقاء به ! هناك من يشجع التظاهر ضد اردوغان لانه تعهد بعدم المساس بالمقاومة… لماذا تعتبر تظاهرات لبنانيين ضد الاحتلال في العراق نقصاً في الحس السيادي» وتظاهرات ارمن لبنان ضد تركيا من صميم الممارسات السيادية ؟! «لعبة الامم» تعاقب اردوغان لانه رفض استقطاباً طائفياً ضد إيران؟ ليس هنالك لبناني أو عربي او حتى تركي، الا ويفهم دوافع الاخوة الأرمن اللبنانيين في احياء ذكرى ما تعرض له الأرمن في تركيا من مظالم في عهد الانكشارية التركية. وشهداء 6 ايار عندنا الذين نحيي ذكراهم كل سنة والذين علقهم جمال باشا السفاح على اعواد المشانق التي اطلق عليها اللبنانيون اسم «ارجوحة الابطال» تجسّد ذكراهم كراهية اللبنانيين للظلم بجميع اشكاله. ولكن هذا لا يعني وجوب تحميل حكومة تركيا الحالية وزر أو مسؤولية ما لحق باللبنانيين والعرب والأرمن من مظالم على يد السلطنة العثمانية. ولا بد أن نتذكر بأن الأتراك انفسهم ثاروا على تلك السلطنة واسقطوها، فهي رغم انها كانت تحمل رايةالخلافة العثمانية باسم جميع المسلمين، الا أن ضحايا ممارسات سلاطينها وحكامها، كانوا من جميع الملل والطوائف. بل لقد كان من ضحاياها المسلمون الاتراك انفسهم! وعندما قام حكم اتاتورك في تركيا فانه رغم رفعه شعار العلمانية والمساواة بين الأتراك حتى أن هنالك طوائف كانت مهمشة ومظلومة في عهد السلاطين الاتراك ويصل تعداد بعضها الى ما يقارب العشرين مليونا، حاول اتاتورك ان يساويها بالفئات التركية الاخرى التي كانت في عهد السلطنة تستأثر بالامتيازات، الا ان اتاتورك لم يمح عار الأعمال الابادية التي تعرض لها الأرمن في تركيا، بل ان عصمت اينونو الذي جاء من بعده، وكان يسير على نهجه، عندما عقدت مؤتمر للدول الاوروبية للنظر في محنة ارمن تركياوحضرها اينونو خليفة اتاتورك. قال انه ليس هناك موضوع للبحث، لانكم اذا جئم لكي تبحثوا قضية الارمن في تركيا، فاننا نقول لكم: لم يعد هنالك قضية للارمن عندنا.. لسبب وحيد هو انه لم يعد في تركيا ارمن!.. ويبدو أن «واقعية» الدول الاوروبية وصلت حدّ صرف النظر عن مواصلة البحث في الموضوع! وفي ذلك عبرة للعرب ولكل شعب يشكو امره للمراجع الدولية التي تدعي لنفسها الرغبة في تحقيق العدالة وحماية حقوق الأنسان، دون ان يقرن شكواه بعناصر قوة تدعم حقه، فانه يصبح «اضيع من الأيتام على ما مأدبة اللئام»! وبقطع النظر عن ادعاء الكثيرين، وخاصة من يبوئون انفسهم مقاعد الباحثين والمحققين والمؤرخين النزهاء، بأن ما اصاب الارمن في تركيا من محن لم يكن لدافع دينية او طائفية، بل سببه تسلط السلاطين وحكمهم الانكشاري الذي طال غير الارمن في تركيا نفسها وفي اماكن اخرى من البلاد التي طالتها يد السلطة العثمانية، على نحو يذكّر بما حدث من أعمال ابادية في الجزائر في عهد الاستعمار الاستيطاني، والذي كان يحرق ويبيد ويدمر قرى بأكلمها، وانه حتى في الوقت الذي احتفل فيه العالم بعيد النصر على النازية، واحب الجزائريون ان يشاركوا الفرنسيين والاوروبيين هذه الاحتفالات وخرجوا الى الشوارع بالملايين، ولكنهم قرنوا اهازيج النصر بالمطالبة بمنحهم الاستقلال عن فرنسا التي كانت حكومتها اشتراكية، برئاسة «دالادييه» باطلاق النار على الجزائريين المحتفلين مع الفرنسيين بالنصر، فقتلت منهم في يوم واحد ما يقارب الـ45 الفا! ومع ذلك فان الوطنيين الجزائريين بمن فيهم «جبهة التحرير الجزائرية» التي قامت بالثورة ضد الاستعمار الاستيطاني، عندما وصلت الى الحكم بعد نيل الجزائر الاستقلال، لم تتعامل مع فرنسا كعدو، بل طوت صفحة العداء، دون ان تنسى الويلات والمظالم التي الحقها الاستعمار الفرنسي، بل لقد تعاملت باحترام مع الجنرال ديغول الذي كان قد أقر الجزائريين بالاستقلال عن فرنسا، رغم معارضة غلاة المتطرفين في فرنسا وغلاة المستوطنين في الجزائر، ولدرجة انقسام الجيش الفرنسي في الجزائر على نفسه. وخلال اليوبيل الفضي لاستقلال الجزائر والذي احتفل به على نطاق واسع، وحضره ضيوف كبار من الخارج في عهد الرئيس هواري بومدين وكان من بين الضيوف من يمثل فرنسا على اعلى المستويات. والمقصود من اعطاء هذا المثل هو لفت النظر الى أن الدول التي ترتكب المظالم بحق فريق من أبنائها او بحق شعوب اخرى، فانها لا تظل حكوماتها المتعاقبة التي لم ترتكب هذه المظالم مدانة، خاصة اذا قامت حكومات تشارك المظلومين شجبهم لما تعرض له اسلافهم من ظلم، ولا تلاحق «اللعنة» حكومة تأتي بعد ثلاثةارباع القرن، كما تحاول جهات دولية دفع الشعب الارمني للتظاهر ضد حكومة اردوغان الحالية اليوم على ما ارتكبته الدولة التركية ضد الأرمن في تركيا منذ عقود : اذ يمكن ان تكون حكومة اردوغان الحالية اكثر شجباً لما لحق بالأرمن من الأرمن أنفسهم! من هنا كانت التعبئة المعادية لحكومة اردوغان لمجرد ارسال قوات رمزية تشارك مع قوات اليونيفيل، وعلى هذا النطاق الواسع المحموم في لبنان تطرح علامات استفهام عما اذا كانت تعبئة طبيعية او في محلها، الا اذا كانت الحكومة التركية الحالية متبنية لما لحق بالارمن من مظالم على يد الحكام الاتراك الذين ارتكبوا تلك الاعمال فالحكام اليابانيون يتعاملون ـ وان كان من موقع الند للند ـ مع الولايات المتحدة بل ينافسونها بالمنتوجات الصناعية وتصل هذه المنتوجات الى اميركا لتنافس البضائع الاميركية في قلب الولايات المتحدة، رغم ان اميركا استخدمت القنبلة النووية ضد اليابان في عهد ترومان ومحت مدينتين من الوجود! ونحن نجد ان اردوغان نفسه سبق له ان زار لبنان في عهد الرئيس الحريري الأب، ولم يتحرك احد من الأرمن ضده. وكان بصدد عقد اتفاقات على مبادلات تجارية مع لبنان بل لقد عقد اتفاقات مع الرئيس الشهيد على تعهدات ومقاولات تستطيع فيها مؤسسات الرئيس الحريري الخاصة تقديم الخدمات وتنجز مشاريع في تركيا. ولم يتحرك احد بالمعارضة حتى من «أرمن» 14 آذار ولو بتصريح او كلمة اعتراض. هل نريد ان نقول بأن موقف الحريري الابن يختلف الآن عن موقف والده؟ وهل أن هنالك «اشكالاً ما» بينه وبين الحكومة التركية اليوم، جعله يشجع او يرتضي تحرك اصدقائه الارمن في قوى 14 آذار على حشد كل القوى الارمنية في موقف عدائي ضد حكومة تركيا الحالية وضد ارسال ولو قوات رمزية تركية للمشاركةمع قوات اليونيفيل في لبنان، علماً أن غوكسيل الذي كان ناطقاً باسم قوات الطوارىء الدولية في لبنان سنين طويلة، ورغم العلاقات التي وصلت حدّ التحالف بين تركيا واسرائيل في عهود سبقت عهد مجيء اردوغان وحزبه الحاكم في تركيا، فان احداً من ارمن لبنان لم يتحرك للاعتراض على وجوده في الصورة على رأس قوات اليونيفيل في لبنان. وبالمناسبة فان حتى المعادين للسياسات التركية السابقة في لبنان، والذين كانوا يثمنون اداء الجنرال التركي غوكسيل خلال معايشته للقوات الدولية حيث كان ابرز الظاهرين في الصورة ناطقاً باسم القوات الدولية تلك المدة الطويلة، فكان المواطنون يثنون عليه، ويشيدون بموضوعيته وميله الدائم لتفهم الشكاوى من التجاوزات والاعتداءات الاسرائيلية. ثم ان اردوغان ورغم تراجعه نسبياً عن مواقفه المجافية للسياسة الاسرائيلية على ضوء جرائم شارون، ظل اشهراً عديدة يرفض استقبال شارون في تركيا، وحاول ان يقترب بخطوات حثيثة من لبنان وسوريا والسعودية والعالم العربي، في محاولة للتفلت من «الزواج الكاثوليكي التركي ـ الاسرائيلي»، فكان يعاقب مع حكومته بافتعال مشاكل وكوارث غامضة المصدر من ايد خفية، ارادت ان تبرهن له انه سيتعرض للمزيد من المتاعب اذا استمر في جهوده للفكاك من قيود العلاقات التي كادت تكون عضوية بين تركيا واسرائيل! وخلال العدوان الاسرائيلي على لبنان وقفت حكومة اردوغان موقفاً شاجباً للعدوان بقوة، واتخذت موقفا رافضاً بحزم لتمرير القنابل الاميركية «الذكية» الى اسرائيل عبر تركيا ابان المعركة. ولم تنس واشنطن لاردوغان والبرلمان الذي حقق فيه اغلبيته النيابية، رفضهما استخدام اراضي تركيا منطلقاً لغزو العراق رغم زيارات وولفويتز وكونداليزا رايس لانقرة وضغوطهما الدؤوبة على اردوغان وغول (وزير الخارجية التركية) ومحاولة دفع القوات التركية المسلحة للضغط على حكومته.. واهم من ذلك كله ما صدر عن اردوغان ولم يعط حقه من الثناء والتقدير والشكر من جانب الحكومة اللبنانية بل من جانب المقاومة نفسها نتيجة غفلة عن وجوب تقدير اهمية ما صدر عن رئيس الوزراء التركي من مواقف، خلال الاعداد لاشراك قوات اضافية من الدول المتعددة الجنسية : فقد اشترط لارسال قوات تركية سواء كانت قوات رمزية او باعداد كبيرة الى لبنان، للمشاركة في قوات «اليونيفيل»، ان يكون واضحاً كل الوضوح بانه ليس من مهمات هذه القوات في لبنان ان تتعرض للمقاومة او سلاحها وانه في حال الطلب من القوات التركية المشاركة بمثل هذا العمل، فان قواته ستنسحب تلقائياً من لبنان! وهذا موقف كان يفترض في المقاومة على الأقل، تحية اردوغان عليه والاشادة به بقوة، دون ان يعني ذلك تجاهلاً لمشاعر الارمن قبل ان يتظاهروا او بعد ان تظاهروا : «إذْ لا احد يعترض على احتجاجهم على ما يعتبرونه ظلماً لحق بهم عندما وقعت المجازر الانكشارية ضد الارمن، بل كل اللبنانيين والعرب معهم في هذا الاجتجاج رغم تقادم الزمن على ما وقع. وهذا امر يُقدّر عليه الارمن. وهم بالنسبة لعدم نسيانهم لما لحق بهم، يتميزون عن اللبنانيين الآ]خرين (على اعتبار انهم هم ايضا لبنانيون) وسائر العرب وحتى عن الفلسطينيين، اصحاب قضية العرب الاولي، اننا نكاد ننسى ذكرى وعد بلفور الذي كان بداية الطريق لسلب الفلسطينيين وطنهم. وكان الفلسطينيون والعرب يحيون هذه الذكرى كل سنة على نطاق واسع ثم بدأ احياؤهم لهذه الذكرى يتضاءل سنة بعد سنة، الى ان تلاشى احياء هذه الذكرى تقريباً، ولم تعد ترد ذكرى وعد بلفور وحتى مجازر دير ياسين وقبية ونحالين وكفر قاسم وجنين وسائر «المنجزات الابادية» الاسرائيلية الا على ألسنة المؤرخين وفي بعض الخطب لماما، وبشكل عابر وفي غير مناسبات احياء شاملة او جامعة. ولكن اذا كان الارمن اللبنانيون يشاركوننا كما تفيد اليافطات التي رفعوها استنكارهم لمظالم اسرائيل عبر شجبهم لعلاقات تركيا مع اسرائيل، فعليهم في الوقت ذاته ان يرحبوا بموقف رئيس حكومة اردوغان التركية الحالية، عندما يعلن انه لا يريد القيام بعمل عدائي ضد المقاومة او المساس بها على يد قواته المشاركة في اليونيفيل، وانه هو الوحيد بين كل حكام الدول التي شاركت في «اليونيفيل» الذي تعهد بالانسحاب من اليونيفيل اذا طُلب منه المساس بالمقاومة! بل انه رغم ماضي تركيا في العهد العثماني تجاه اللبنانيين والعرب والأرمن على السواء، فان على اللبنانيين بمن فيهم الارمن اللبنانيين أن «يكرموا» القوات التركية التي يرفض اردوغان ان تشارك في اي عمل عدائي ضد المقاومة وسلاحها، وهي التي تكاد تكوّن القوة العربية الوحيدة التي تتصدى ميدانياً لاسرائيل، دون ان نتخلى عن شجبنا الدائم لكل ما لحق بنا وبالأرمن من مظالم على ايدي العثمانيين والانكشاريين، ودون ان ننسى شهداء 6 ايار الذين علقوا على اعواد المشانق ودون ان ننسى سوء المعاملة التي كان يعامل بها لبنانيون احرار على اساس عنصري ومذهبي من جانب الحكام الاتراك في تلك الحقبة.. ونحن على مثل اليقين بأن اطياف من 14 آذار وخاصة «التيار» الذي يقودها جميعاً وجدت في حث الارمن اللبنانيين – حتى دون الأرمن في ارمينيا – على حشد اضخم قوة وبمشاركة «جماهير» غير ارمنية من اجواء 14 اذار، وجدتها فرصة استعراضية لان تدفع لحشد هذه المظاهرات، مجاراة «للاجواءالاطلسية» وخاصة الفرنسية المعادية لدخول تركيا للسوق الاوروبية، وهي جزء من عقوبات تفرض على تركيا بسبب محاولة اردوغان «فك الرباط» التركي ـ الاسرائيلي الذي كانت تريد واشنطن ان تبقيه «رباطا مقدساً» يعتبر المساس به نوعا من تجاوز «الخطوط الحمراء» ثم ان بعض قوى 14 آذار في محاباتها ودعمها للمظاهرات العدائية الارمنية ـ اللبنانية ضد حقوق اردوغان، تعتقد انها تحرز «مكاسب انتخابية» مقبلة فهي تتوهم انها بذلك تتضمن اصوات الارمن اللبنانيين في الانتخابات العادية. الى جانب «اغاظة» اردوغان الذي لم يجار بعض اقطاب 14 آذار الذين قصدوا تركيا لاقناعه بوجوب اتخاذ تركيا موقفاً واضحاً ضد المقاومة. وكان الرد العلني على ذلك من قبل اردوغان، هو افساح المجال لمظاهرات مئات الالوف من الشعب التركي تأييداً للمقاومة، وشجبا للعدوان، ذلك ان اردوغان حتى لو اراد الاستجابة «لتمنيات» بعض اطياف 14 آذار فانه لا بد له ان يراعي مشاعر شعبه.. ثم ان من اسباب «امتعاض» واشنطن بل وغضبها على اردوغان انه لم يجار رغباتها في ان يلعب دوراً عدائيا سافراً ضد ايران فيما يتعلق بالملف النووي، وتحريضها لتركيا على ان تمثل «القطب السني» الذي يلعب دوراً مناوئاً لايران على صعيد اثارة التناقضات الطائفية، وهو امر لم ينجح بعض اطياف 14 آذار بان يكون «رسولا ناجحاً» من جانب فرنسا واميركا، كدفع اوردوغان اليه، مما جعله ينصح من له علاقة مباشرة بهما في «مركز القرار» في باريس وواشنطن بدعوة عاهل السعودية، او حث عاهل السعودية على زيارة تركيا لاقناع اوردوغان بلعب دور استقطابي طائفي على هذا الصعيد! ولكن اوردوغان لا يستطيع بجميع المقاييس من ناحية الالتزام العقائدي لحزب اسلامي ينبذ الصراعات المذهبية، وخاصة ان في تركيا ما يقارب العشرين مليون مواطن من الذين يغالون في الولاء لمذهب اسلامي آخر، مما يفتح الباب على مصراعيه لفتن داخلية تؤثر على الوحدة الوطنية… ويكفي تركيا متاعبها مع حزب العمال الكردستاني والذي لا تتورع «لعبة الامم» من تحريك «ديناميته العدائية» ضد الدولة التركية كلما استشعرت الحاجة الى ضرورة خلق المتاعب لحكومة انقرة! ثم هنالك سؤال يوجه الى من ينسبون لانفسهم الحرص على السيادة في لبنان والذين يفهمون السيادة فهماً «أعور»: لماذا اذا قامت تظاهرة من لبنانيين بالاصالة جداً عن جد – وليسوا مكتسبين لبنانيتهم عن طريق التجنيس اكتساباً منذ فترة محدودة من السنين – اذا قاموا بمسيرة او مظاهرة تضامناً مع ما يعانيه الاشقاء العراقيون مثلاً على يد الاحتلال او على يد عصابات تعيث فساداً في العراق او احتجاجاً على توجه قوات الاحتلال في فترة من الفترات لتدمير «المرقد المطهر» للامام علي (ع) يعتبرون ذلك ولاء لغير لبنان، علماً انهم لو قاموا بمظاهرات تضامنية مع شعب مظلوم غير عربي ولو في آخر الدنيا، فانكم لا تتهمون المتظاهرين في لبنانيتهم «وسيادتهم» بينما لو قام الاخوة الارمن الذين اصبحوا لبنانيين منذ زمن وجزءاً عضوياً من الوحدة الوطنية اللبنانية بمظاهرة في ساحة الشهداء وفي قلب بيروت على نحو تعبوي صاخب ليس احتجاجاً على مظالم لحقت بالشعب الارمني حدثت منذ ما يقرب من ثلاثة ارباع القرن، لا تعتبرونها ضعفاً في الحس السيادي. ولا نطرح هذا السؤال لاننا نعترض على حق مواطنينا الارمن الذين اصبحوا جزءا لا يتجزأ من النسيج الوطني اللبناني، ولكننا نتساءل عن سبب ازدواجية المعايير: «فالسيادة» يمكن ان تمنح ليس لمن تنتمي اصولهم الى شعب ارمني عزيز يتميز بالكياسة والنشاط وله حق التمتع بكامل حقوق المواطنين والحياة الحرةالكريمة نتيجة ما حل به من مظالم، بل ان بعض «السياديين» مستعدون لأن يروا ضعفاً من الحس السيادي عند من يحتج على مظالم شعب شقيق مظلوم يراد تقسيم وتمزيق وطنه وترتكب فيه المجازر على مسمع ومرأى من الاحتلال واحياناً على يد الاحتلال نفسه وباشرافه وبتدبيره وترتيبه، علماً ان ما يحدث في العراق او فلسطين من مظالم ليست من المظالم التي مضى عليها زمن بعيد، بل انها بدأت منذ مطلع القرن الماضي ولا تزال ترتكب حتى اليوم على ابشع ما تكون المجازر، فاذا كانت تظاهرة حاشدة او «مسيرة اكفان» احتجاجاً على ما يرتكب في العراق او فلسطين من مظالم تعتبر نقصاً في الحس السيادي كأنّ السيادة الحقيقية في نظرهم تتمثل بدفن الرؤوس في الرمال واعتبار ما يجري حولنا وما يستهدفنا قبل سوانا، وكأنه يقع في اقصى اطراف العالم، بينما تداعياته تكاد تصل نيرانها الى ثيابنا. ثم لماذا نبعد كثيراً من اعطاء المثل جغرافياً. فخلال العدوان الاخير وعندما كان لبنان يحترق، كان فريق من اللبنانيين يجري «تحييدهم» بين المقاومة والعدو وكأن الامر لا يعنيهم، علي عكس قطاعات اخرى من اللبنانيين، التي كان البعض يراهن على عدائها للمقاومة وسكوتها على العدوان اثبتت ان السيادة في دمها، وبدء الشعور بالسيادة الحقيقية عندما يعتبر المواطن ان ما يصيب مواطناً اخر او منطقة اخرى، كأنه قد اصابه هو شخصياً في الصميم!