دنيز عطا الله السفير( لبنان) – 13 آذار 2006 تعود الاحزاب الارمنية اليوم الى طاولة الحوار. تعود بتوافق بعيد عن صخب خلافات الآخرين. تعود، كما اعتادت في الأزمات ، مسلحة ب“الحيادالايجابي“. لا يدعي النواب الثلاثة المتناوبون على “الصف الاول“ ما يفوق قدراتهم. يعرفون بدقة حجمهم السياسي والدور الذي يمكنهم القيام به. ومن هذه المعرفة انطلقوا ليعززوا هذا الدور ويضاعفوا هذا الحجم عبر توافقهم. ثلاثة نواب ينتمون الى ثلاثة احزاب مختلفة تاريخيا من أرمينيا.. الى لبنان. ومع ذلك توافقوا على المشاركة في الحوار بوفد موحد وتناوبوا على الجلوس في الصف الاول: هاكوب قصارجيان عن “الرامغفار“. يغيا جرجيان عن “الهنشاك“. وهاكوب بقرادونيان عن “الطاشناق“. لم يتجاوز هؤلاء النواب خلافهم “الارمني“ فقط انما خلافاتهم في السياسة اللبنانية ايضا. فقصارجيان وجرجيان ينتميان الى كتلة “المستقبل“، فيما بقرادونيان ينتمي الى “كتلة الاصلاح والتغيير“. وعلى رغم بعد “المسافة السياسية“ بين الكتلتين استطاع الارمن أن يجدوا سبيلا الى توافقهم. كيف؟ وماذا سيفعل النواب الثلاثة في حال طرح موضوع خلافي جوهري بين الكتلتين؟ يقول النائب قصارجيان: “سنسعى جاهدين للعب دور توافقي. وإذا طرح شأن خلافي كموضوع رئاسة الجمهورية وكان للعماد ميشال عون مثلا موقف ولقوى 14 آذار موقف آخر، فسنسعى الى تقريب وجهات النظر. اذا تعذر علينا ذلك فسنلتزم “الحياد الايجابي“. فنحن كأحزاب أرمنية لدينا اصلا وجهات نظر مختلفة حول المواضيع المطروحة ولا نريد، عبر تحيزنا لهذا الطرف أو ذاك، أن نفجر خلافاتنا الداخلية. يكفي البلد خلافات“. يضيف: “لقد قالت الاحزاب الارمنية منذ البداية انها ستتفق متمنية ان يحذو الآخرون حذوها. نأمل أن يعود اليوم كل الاطراف الى طاولة الحوار ويعملوا بحرص للوصول الى صيغ تفاهم جدية لمشاكلنا الكبيرة“. النائب بقرادونيان يطلق تسمية اخرى على الموقف الارمني. يقول “هو موقف ملتزم وليس حياديا. نحن ملتزمون بالحوار. نسعى مع المتحاورين الى تجنب الصراعات والوصول الى حلول للمشاكل“. ويؤكد “اننا كأحزاب أرمنية نرى في مؤتمر الحوار مرحلة مفصلية واساسية لمستقبل لبنان عبر حل كل مشاكله العالقة. وان الشعب اللبناني ينتظر من المتحاورين الوصول الى نتائج ايجابية. وهذه كانت الاسباب التي دفعتنا كأحزاب الى تجاوز خلافاتنا والتوجه الى طاولة الحوار بوفد موحد“. وماذا لو طُرح موضوع خلافي حتى بين الاحزاب الارمنية؟ يجيب بقرادونيان: “تتفق احزابنا على المبادئ الاساسية الكبرى: سيادة لبنان على كل اراضيه، استقلاله واستقراره، حريته وقيام الدولة الفاعلة. كلها امور يجمع الارمن عليها. قد نختلف على التفاصيل…“. ماذا اذا كانت “التفاصيل“ رئاسة الجمهورية مثلا؟ يجيب بقرادونيان: “قد نكون كحزب “الطاشناق“ نؤيد مرشحا فيما الحزبان الآخران يؤيدان مرشحا آخر. لكن المهم في مؤتمر الحوار انه لا وجود للتسويات وأنصاف الحلول. كلنا نسعى الى اجماع، فإذا حصل فلن يكون الارمن عائقا بطبيعة الحال. واذا لم يحصل فسنسعى مع جميع الساعين للوصول اليه“. يتفق بقرادونيان وقصارجيان على “الجدية التي سادت الحوار كما الجرأة والصراحة والشفافية في مقاربة المواضيع“. يعتبر قصارجيان “ان اليومين الاولين عكسا بصدق رغبة جميع الفرقاء بالحوار. لقد دهشنا بمرونة بعض الطروحات ما عكس اجواء شديدة الايجابية يمكن بمثلها الوصول الى ما يطمح اليه اللبنانييون. اما اليومان الاخيران فقد بات الجميع يعرف مجرياتهما التي نتمنى الا تتكرر“. يقر بقرادونيان ان “الحوار أمر صعب. ربما اصعب من اللجوء الى السلاح. بالتالي، يقتضي بالمتحاورين الدخول الى الجلسات متخففين من بعض احمالهم، وان يُبدوا استعدادهم للاقتناع والاقناع“. ويشير الى أن “الجلسات السابقة عكست استعدادا عند كل المتحاورين لايجاد حلول للمشاكل المطروحة. فقد كانوا على معرفة تامة بمدى ثقل المسؤولية الملقاة على عاتقهم من قبل الشعب اللبناني“. لم تضيع الاحزاب الارمنية وقت “استراحة المتحاورين“. اجتمعت في ما بينها لتمتن اسس تحالفها. قررت عدم الدخول في أي شد حبال أو صراع بين المتحاورين. وأفادت مصادر متقاطعة ان “موقف الاحزاب واضح ويعكس رغبة الشارع الارمني الذي يريد فعلا العودة الى “الحياد“ في الصراعات اللبنانية الداخلية الكبرى. فحتى الالتزام بالدولة، وهو موقف الارمن التاريخي، أصبح له اليوم أكثر من “مفهوم“ و“وجهة نظر“ في “من“ يمثل الدولة. وبالتالي، فإن الموقف الانسب للارمن كما للبنان، يتمثل بالسعي نحو التوافق وتقريب وجهات النظر بين مختلف الافرقاء. فاذا تعذر ذلك، لا بد من تجنب الدخول في اصطفافات تزيد من حدة التشنجات والخلافات“. تعود الاحزاب الارمنية اليوم الى طاولة الحوار، بعد أن أعطت بنفسها، عبر تشكيلها وفدا موحدا، مثالا على “امكانية تجاوز الخلافات إذا حسُنت النوايا“، كما يؤكد مسؤولو تلك الاحزاب.