نوبل التركية والارمن والقانون الفرنسي…

محمد نور الدين السفير 18 ت1 2006 تضغط المسألة الأرمنية على مسار الأحداث السياسية في تركيا في هذه المرحلة، لا سيما بعد اقرار البرلمان الفرنسي قانوناً، يحتاج أيضا لموافقة مجلس الشيوخ ورئيس الجمهورية، لمعاقبة كل من ينكر حصول “ابادة” العام 1915 ، ومنح جائزة نوبل للروائي التركي اورهان باموك الذي يقول بحصول “ابادة” ضد الأرمن. نجحت تركيا حتى الآن في انتزاع موقفين ضد “تيار الإبادة”، الأول من باموك الذي وصف القانون الفرنسي بغير اللائق للجمهورية الفرنسية، والثاني “أسف” الرئيس الفرنسي جاك شيراك، في اتصال هاتفي مع رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان، لقرار البرلمان. ووسط معارضة اردوغان مقاطعة البضائع الفرنسية، التي بدأت في أوساط المجتمع المدني التركي بمقاطعة شراء العطور، على أن يخصص كل أسبوع لمقاطعة احد المنتجات الفرنسية، كان لافتا الصمت الذي يعتصم به رئيس الجمهورية التركية احمد نجدت سيزر تجاه نيل اورهان باموك جائزة نوبل للأدب. وترى مصادر في القصر الجمهوري أن سيزر حريص على مباركة نجاحات المبدعين الأتراك، وهو يبادر فورا إلى تهنئتهم، كما حصل على صعد رياضية وفنية، ويستقبلهم ويمنحهم الجوائز، لكن الصمت الذي قابل به “نوبل باموك” كان تعبيرا عن شكوك الدولة والأمة التركيتين تجاه موضوع الجائزة، وان منحها لباموك الذي يقر ب”الإبادة”، في اليوم ذاته الذي صوت البرلمان الفرنسي على القرار، يقلق الدولة والشعب التركيين. ورأت صحيفة “حرييت” أن هذين الحدثين شجعا وزير خارجية ارمينيا ورطان اوكسانيان ليطرح في مقابلة مع صحيفة سويسرية ادعاء جديدا، وهو أن عدم اعتراف تركيا ب”الإبادة” يأتي بمعنى استمرارها اليوم، وانه لذلك يعتبر إن اقتراح تشكيل لجنة تحقيق علمية مشتركة ليس أمرا أخلاقيا. واعتبر انه فور فتح الحدود بين تركيا وارمينيا وإقامة علاقات ثنائية فإن لجنة حكومية يمكن ان تبدأ المفاوضات حول المشكلات العالقة. في هذا الوقت، وبعد انتقاده القانون الفرنسي الجديد، أعرب بطريرك الأرمن في تركيا مسروب الثاني، في مقابلة مع “حرييت” امس، عن خشية حقيقية من انقطاع كامل للحوار والجسور بين الأتراك والأرمن، ليس في ما خص ارمينيا فقط بل كذلك “الدياسبورا” الأرمنية، ومن النزعة المعادية للأرمن التي تجتاح تركيا الآن تجاه المواطنين الأتراك من اصل ارمني الذين يعيشون في البلاد. ويوضح مسروب الثاني انه قلق على مستقبل العلاقات بين تركيا وارمينيا، مشيرا الى ان القانون الفرنسي صب الزيت على نار التطرف العرقي وان الكتابات تمتلئ بهذه النزعة الخطيرة. واتهم باريس بتحريض الأرمن ضد العثمانيين عام 1915 وما قبله، ثم التخلي عنهم، فكان ان دفع الأرمن الفاتورة لوحدهم. وهذاالعام هو عام ارمينيا في فرنسا، وتوجد ايضا انتخابات رئاسية في 2007 ، لذا تستغل المسألة الأرمنية لغايات انتخابية داخلية. ويقول مسروب الثاني انه “مع بدء الحرب العالمية الأولى كانت سجلات البطريركية تشير الى وجود مليوني ارمني في الدولة العثمانية. كم من الناس فقدوا حياتهم او هاجروا او هجرّوا لا اعرف، لكن في المحصلة عدد السكان الأرمن الذين يعيشون في تركيا اليوم هو 70 ألفا”. ويرى البطريرك ان الأرمن في تركيا تعرضوا اثناء السجالات حول القانون الفرنسي لضغوط كبيرة، وقد ارسل رسالة الى محافظ اسطنبول لاتخاذ تدابير امنية لحمايتهم، كما يتعرض التجار الأرمن في السوق المغطاة لضغوطات لتركها، ولا يتم احترام مبنى البطريركية نفسه حتى من قبل وسائل الاعلام. ويقول “انها مأساة حقيقية”، مضيفا ان التباعد الحالي بين الطائفة الأرمنية وسائر الأتراك لم يكن موجودا بهذا القدر من قبل، مشيرا الى انه ينظر الى المدارس الأرمنية الموجودة في تركيا على انها مدارس اجنبية، فيما هي مدارس تركية. الا ان مسروب الثاني يعترف بوجود اختلاف في وجهات النظر مع البطريركيات الأرمنية الأخرى في ارمينيا والعالم، حيث ان التسليم المسبق بوجود “ابادة” والقول “كما الشمس هي الشمس، كذلك توجد ابادة”، لن يساعدا على التفاهم. ويوضح “لقد عشنا معا على هذه الأرض، وكان منا وزراء ونواب، وكان العثمانيون يصفوننا ب”الملّة الصادقة”. وكان لدينا في الأناضول اكثر من الف كنيسة وحوالى 400 دير. اليوم يوجد فقط 41 كنيسة”. ويعترف بأن “الدياسبورا” الأرمنية تريد بعد الاعتراف ب”الإبادة” الحصول على تعويضات وعلى الأرض، لكن الواقعية انه يجب ان يبدأ الحوار بين الجامعيين ورجال الدين والمثقفين الأتراك والأرمن، مقترحا ان ترسل رئاسة الشؤون الدينية في تركيا وفدا إلى ارمينيا.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *