هناك من ينكر الحقيقة

غولف تايم 24 ايار 2006 بقلم روبيرت فيسك قبل عدة أيام، وصلتني رسالة من السفير التركي في بريطانيا، وسألني سعادته إن كنت أزعم أن إبادة الأرمن وقعت في أناضول الشرقية عام 1915 وأضاف السفير أكين ألبتونا بأن لدي أفكاراً خاطئة حول تلك الأحداث.. نعم أنا كذلك. ولدي أفكار حول سوق مليون ونصف المليون أرمني نحو الموت والهلاك على يد أسيادهم في السلطنة العثمانية عام 1915. وأن الرجال تعرضوا للضرب بالسكاكين بينما تم اغتصاب النساء وتم سوقهم بالقوافل، ونزعت أحشاءهم وتعرضوا للجوع والحرق والموت وأما أطفالهم فقد تم ذبحهم وهم أحياء. وقد التقيت عدداً من الناجين ورأيت صوراً لهؤلاء الضحايا أخذت من قبل المصور الألماني الشجاع أرمن فاغنر، وأعتقد بأن تلك الصور أرسلت الى النفايات. وكذلك أرشيف الدبلوماسيين الذين سجلوا تلك المجازر بأوامر من عصابة الوطنيين الذين قادوا الحكومة العثمانية عام 1915. وماذا سيكون رد فعلنا لو كتب سفير ألمانيا ملاحظة “هل تزعم أن إبادة اليهود وقعت في أوروبا الشرقية بين عامي 1939 و1945؟ أعتقد أن لديك أفكاراً خاطئة حول تلك الأحداث.. وطبعاً سوف يدان السفير الألماني من قبل الخارجية حين يفصح عن رسالة مماثلة وسوف يستدعى للمشاورات وسوف يقوم الاتحاد الأوروبي بالجدال بشأن فرض عقوبات على ألمانيا. إنما السفير التركي لن يقلق. فبلاده ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي بعد، وهو يأمل ذلك. وإن إدارة بلير المتعنتة حاولت منع مشاركة الأرمن في يوم المحرقة في بريطانيا. وضمن هذه المخادعة، هناك بصيص من النور. ويجدر بي القول أن رسالة السفير هي تعبير عن رأي عدد متنامي من المواطنين الأتراك. وأنا أعرف العديد منهم وهم مقتنعون أن قصة الشر التي أتت من الأرمن يجب أن تثار في بلادهم. فأتساءل لماذا يقوم السفير التركي ألبتونا وزملائه في باريس وبيروت وغيرها من المدن بقضاء وقتهم بهذه السفاهات؟ فعلى سبيل المثال في لبنان، أرسلت السفارة التركية بلاغاً لصحيفة “لوريان لوجور” مشيرة الى العبارة المسماة “الإبادة الأرمنية” وتتساءل لماذا لا تقوم الدولة الأرمنية الحديثة بالرد على دعوة تركيا للمشاركة في الدراسة التاريخية ودراسة أحداث عام 1915. في الحقيقة، لن يرد الرئيس الأرمني روبيرت كوتشاريان على هذه الدعوة لنفس السبب الذي لم يرد فيه المجتمع اليهودي لدعوة مماثلة من الرئيس الإيراني لدراسة المحرقة اليهودية. ولأنه تم ارتكاب جريمة دولية لم يسبقها مثيل فالسؤال المجرد سوف يجرح ملايين الضحايا الذين أهلكوا. ولكن الاتهامات التركية ملفقة. ففي بيروت، استدعوا حلفاء الكارثة في غاليبولي عام 1915 عندما تعرضت فرق بريطانيا وفرنسا وأستراليا ونيوزيلاندا لأضرار ضخمة وجماعية على يد الجيش التركية. وعموماً أهلك أكثر من ربع مليون رجل في الدردنيل ومن بينهم جنود أتراك. وصرحت السفارة التركية في بيروت أن الدول المتحاربة في غاليبولي قد حولت عدائها الى تسوية وصداقة واحترام متبادل. إنها محاولة جيدة. ولكن حمام الدم في غاليبولي لم يشمل القتل المنظم لمئات الآلاف من البريطانيين والفرنسيين والاستراليين والنيوزيلانديين، نساء وأطفال. والآن، إليكم بصيص النور. هناك مجموعة من “الأتراك الصالحين” يتحدون حكومتهم بشأن موقفها غير المشرف من أحداث عام 1915. ويطالب أحمد إينسل وباسكين أورهان وخليل بيركتاي وهرانت دينك ورجب زاراكوغلو وغيرهم بأن التطور الديموقراطي في تركيا سوف يزيل الغمامة وأنهم سيحصلون على الدعم من الأرمن. وقد عبروا عن أحداث عام 1915 على أنها “كارثة” و”مأساة” و”عذاب” الأرمن. وتعتبر د. فطمة غوتشيك من جامعة ميشيغان من الباحثين الأتراك الشجعان الذين يناضلون لمواجهة إرهاب السلطنة العثمانية ضد الأرمن. هي أيضاً تعارض استخدام كلمة “إبادة” –بالرغم من أنها تعترف بصحتها- على أساس أنه تم تسييسها وأصبحت بحثاً ممنوعاً. أنا متعاطف مع هذا الجدال، فلماذا نصعب عمل الأتراك الشرفاء بينما يقوم هؤلاء النساء والرجال باستخدام قوة الوطنية التركية؟ والمشكلة أن آخرين يطالبون الالغاء ذاته. لقد كتب لي السفير التركي أن الأرمن فشلوا في إبداء دليلهم لدعم إدعاءاتهم بشأن الإبادة. ويقول إن الإبادة الجماعية لها تسمية قانونية خاصة بها في اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948. لكن السفير يعرف تماماً أن عبارة إبادة وضعت من قبل اليهودي رافايل ليمكن لتسمية قتل جماعي للأرمن. وهناك أرشيف جديد يتم فتحه في الغرب وتفوح رائحة الموت في صفحاته. وأذكر هنا السجلات التي تم اكتشافها مؤخراً والتابعة لوزير الدانمارك في تركيا خلال الحرب العالمية الأولى، حين يقول إن هدف الأتراك كان إفناء الشعب الأرمني. فقد كتب كارل وندل في 3 تموز 1915 أنه تم أمر مطران خربوط لترك حلب خلال 48 ساعة وثم تم إعلامه أن المطران ولفيف من رجال الدين المرافقين له تم قتلهم بين دياربكر وأورفا في مكان لقيت أكثر من 1700 عائلة أرمنية حتفها وواجهت المصير ذاته. في أنغورا تم قتل 6000 رجل تقريباً على الطريق… وحتى هنا في استنبول يتم خطف الأرمن ويتم إرسالهم الى آسيا.. وهناك الكثير الكثير… وها هو ألبتونا في رسالته التي وجهها إلي يقول فيها “حقاً الأرمن الذين يعيشون خارج أرمينيا الغربية بما فيها استنبول .. تم شملهم في عمليات التهجير”. . أهو “تغيير كوبنهاغن” الأخير أم السفير التركي في محكمة “القديس جيمز” المحكمة الملكية في بريطانيا؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *