هشام ناسيف http://www.ghorbanews.com/news.php?action=show&id=46213 حزيران/يونيو 2013 يشكل الأرمن جزءا لا يتجزأ من الفسيفساء الدينية والعرقية التي تميز المجتمع اللبناني، ويختلفون عن غيرهم من الطوائف بخصوصيتهم التي يشكل التاريخ عمادها الأساسي، إذ يظل بالنسبة لهم الوفاء لدماء أجدادهم الذين سقطوا في ما يعتبرونه “مجازر” اقترفها العثمانيون بحقهم أثناء الحرب العالمية الأولى في غرب الأناضول، أمانة في أعناقهم يجب عدم التفريط فيها مهما كانت التضحيات. وقد سعت أرمينيا والأرمن على مدى أكثر من ثلاثين عاما من أجل الاعتراف الرسمي بالأحداث التي تعرض لها أجدادهم في الفترة ما بين 1915 و1917 على أنها “إبادة جماعية”، ويستذكرون هذه الأحداث سنويا يوم 24 أبريل/نيسان الذي يعرف “بيوم الشهيد الأرمني”. وتقدر بعض الإحصائيات عدد الأرمن في الشتات بنحو ثمانية ملايين، وهو ما يتجاوز كثيراً تعداد سكان أرمينيا نفسها البالغ زهاء 3.5 ملايين فقط. ويعود الوجود الأرمني في لبنان إلى فترة الحرب العالمية الأولى (ما بين 1915 و1916) التي وصل فيها قرابة أربعين ألف أرمني إلى البلد، بينما وصل نحو عشرين ألفا عام 1939 من “لواء إسكندرون” (منطقة بأقصى شمال غرب سوريا تابعة لتركيا منذ 1939). ورغم غياب إحصائيات رسمية لأعدادهم داخل لبنان، فإن بعض الجهات الأرمنية أكدت للجزيرة نت أن أعدادهم تقدر بنحو 70 إلى 160 ألف أرمني كحد أقصى، ينقسمون إلى الأرمن الأرثوذكس الذين يشكلون الأغلبية، ثم الأرمن الكاثوليك فالإنجيليون، ويتمركزون أساسا في منطقة جبل لبنان وتحديدا بيروت، وفي البقاع (بلدة عنجر) ومدينة طرابلس. وتؤكد المديرة التنفيذية للهيئة الوطنية الأرمنية في الشرق الأوسط فيرا يعقوبيان أن أرمن لبنان استطاعوا الحفاظ على هويتهم ولغتهم عبر العقود بالنظر إلى طبيعة الدستور والنظام الطائفي في لبنان الذي يحفظ لكل طائفة خصوصياتها. وتضيف “لم يكن لدينا مشكل لا مع المسلمين ولا مع غيرهم.. نحن اندمجنا مع الجميع وكان هدفنا أن تكون لدينا علاقة جيدة مع الجميع، لأننا أصلا كنا غرباء ووافدين جددا على البلد”. وترى يعقوبيان أن القومية بالنسبة للأرمن تأتي قبل الدين، وتقول “نحن أرمن قبل أن نكون مسيحيين.. لذلك يرانا البعض كأننا نعيش في غيتو منعزلين، وفي الحقيقة هو غيتو ثقافي لأننا نسعى للحفاظ جاهدين على لغتنا وهويتنا القومية، ولو لم نتبن هذا النهج ما كنا لنحافظ على وجودنا كأرمن في الشتات”. وبخصوص التقارب التركي الأرمني الذي دشنه الطرفان بتوقيع اتفاقية لتطبيع العلاقات في أكتوبر/تشرين الأول 2009 والذي أثار غضب ورفض أرمن الشتات ومن بينهم اللبنانيون، تؤكد يعقوبيان أن “أرمن الشتات هم المعنيون بالموضوع، بينما أرمن أرمينيا لم يتعرضوا للمجازر التي تعرض لها أجدادنا في أرمينيا الغربية.. وهذا لا يعني أن هناك خلافا أو انقساما بين الأرمن، بل الخلاف مع سياسة الدولة الأرمينية”. وتضيف “مبدئيا ليس لدينا أي مشكل مع التقارب، ولكن لابد أن تكون هناك أسس لهذا التقارب.. أولا الاعتذار عما ارتكبته تركيا عام 1915 بحق الأرمن، والتعويض والاعتراف بحقوقنا السياسية.. كما أن بروتوكول الاتفاق بين إسطنبول ويريفان اعترفت من خلاله الأخيرة بحدود تركيا الحالية، مما يعني فعليا التخلي عن الحق الأرمني في الأناضول”. جامعة للأرمن وقد استطاع الأرمن في لبنان الحفاظ على ثقافتهم وهويتهم عبر تشييد مدارس وجامعات تعتبر جامعة هايغازيان التي تأسست عام 1955 أهمها على الإطلاق، حيث تعد الجامعة الأرمنية الوحيدة في الشرق الأوسط. ويؤكد مدير مركز البحوث عن الشتات الأرمني بالجامعة أنترانيك داكيسيان للجزيرة نت أن الجامعة لم تؤسس فقط للحفاظ على الهوية الأرمنية في لبنان، بل أيضا لتأصيل ثقافة الاحترام المتبادل بين كافة مكونات الشعب اللبناني. ويقول داكيسيان “منذ اليوم الأول احتضنت الجامعة طلابا من الأرمن وغيرهم، وكان فيها طلاب عرب وفلسطينيون.. فثقافة الجامعة تختلف عن بقية الجامعات في المنطقة، حيث إننا نرفض الزج بالسياسة في مناهجنا ولا نميز بين الطلاب، مما يعطيهم إمكانية التعاون مع بعضهم البعض وتكريس مواطنة لبنانية تعترف بكل الطوائف”. سياسيا، يحظى أرمن لبنان بموقع في المشهد السياسي اللبناني من خلال حزب وحيد هو حزب “الطاشناق” الذي تأسس عام 1890 في جورجيا بهدف النضال ضد ما يسميه الأرمن “الطغيان العثماني التركي”، قبل أن ينشئ طلاب جامعات أميركية ويسوعية أول خلية للحزب عام 1902. حياد ملتزم ويؤكد عضو الحزب ورئيس كتلة نواب الأرمن في البرلمان اللبناني هاغوب بقرادونيان أن مواقف أرمن لبنان السياسية لا تحيد عن ثوابت أساسية منها: الدفاع عن شرعية ومؤسسات الدولة، ودعم سيادة واستقلال وحرية لبنان، والعمل على احترام مبدأ التعايش بين كل الطوائف، ورفض العنف والسلاح أو أي خلاف يؤدي إلى التناحر داخل البلد. ويرى بقرادونيان أن سياسة “الحياد الملتزم” التي تبناها الأرمن خلال الحرب اللبنانية كلفتهم غاليا، حيث تعرضوا بحسبه للعديد من الضغوطات ومن كافة الأطراف لزجهم في المعارك. وكانت هذه التجربة برأيه المحدد الأساسي لموقف الأرمن اللبنانيين إزاء ما يجري حاليا في سوريا، حيث يؤكد أنه “انطلاقا من تجربتنا اللبنانية لا نرضى ولا نريد أن يحصل في سوريا ما حصل في لبنان، ولكن للأسف يحصل الآن في سوريا ما حصل في لبنان.. نحن لسنا طرفا في الحرب الدائرة في سوريا وعلى سوريا.. لم نحمل السلاح ولن نحمل السلاح رغم أن كنائسنا تتعرض لضربات قاسية هناك”.