ندوة دولية في القاهرة حول تاريخها والنشر في الشرق الأوسط بلغات شعوبه وبلدانه
الطباعة تاريخ حضاريّ وثقافيّ وجسر بين التراث والحداثة

محمد الحمامصي جريدة البناء ا تشرين الاول/اكتوبر 2011 كشفت “الندوة الدولية الرابعة لتاريخ الطباعة والنشر بلغات وبلدان الشرق الأوسط” التي نظمها مركز الخطوط التابع للمكتبة بين 27 و29 أيلول المنصرم، أسراراً مهمة حول ظهور الطباعة عربياً ودورها في التواصل الحضاري والثقافي العربي ـ العربي والعربي ـ الغربي، وأشكال الطباعة التراثية وتقنياتها، والمتاحف الطباعية التراثية، ومطبوعات الجاليات والأقليات، والطباعة الأرمينية؛ كما ناقشت الخطوط الرقمية الطباعية (التراثية/الحديثة)، والوسائط الطباعية المتعددة (تقنيات النشر والطباعة الحديثة بلغات الشرق الأوسط)، والمتاحف الطباعية الافتراضية/التخيلية، فضلاً عن معرض للخطوط والطباعة ضم عدداً من أعمال الرواد الأوائل من علماء الأرمن من خلال مجموعة من أوائل المطبوعات الأرمينية وأندرها. * الأرمن والطباعة الفنية د. مصطفى الرزاز، أستاذ الفنون الجميلة في كلية التربية الفنية في جامعة حلوان، رأى أن كل من كتبوا عن تاريخ الطباعة الفنية اليدوية في مصر أشاروا إلى أن بدايتها الفعليَّة تمت في الثلث الأول من القرن العشرين، باستثناء القوالب الخشبية البارزة التي استخدمها المصريون منذ العصر الفاطمي والتي تحتوي على زخارف تكرارية هندسية ونباتية وحيوانية استخدمت في طباعة المنسوجات. أضاف: “يشيرون بكل ثقة إلى أن فنون الطباعة على الورق تأخرت في مصر نحو الخمسة قرون؛ إذ يؤرخ لبداية الطباعة الفنية في أوروبا في منتصف القرن الثاني عشر مع طباعة أوراق اللعب والصور الدينية. غير أن الباحث ستيتشفيتش أفاد في مصنفه عن تاريخ الكتاب بما يخالف هذا التصور الشائع عن تاريخ الطباعة على الورق وطباعة الكتب في مصر؛ إذ يؤكد أن الكتب الأولى المطبوعة بالقوالب الخشبية التي ظهرت في أوروبا ظهرت مع إنتاجها في مصر، ويتضح من بحوثه أن مصر عرفت طباعة الكتب بالقوالب الخشبية في وقت مقارب جدًّا لطباعة أول كتاب معروف للصيني وانغ شيه عام 968، وهو كتاب دورة البودية Diamond Sutra. ففي اكتشاف يعود إلى نهاية القرن التاسع عشر عثور في آثار مدينة قريبة من الفيوم في مصر على خبيئة تضم نحو خمسين كتابًا، كذلك عثر عام 1894 على عدة أوراق مطبوعة هي عبارة عن أحجبة طبعت بالقوالب الخشبية بين 900 و1350 وهي ضمن مجموعة الأرشيدوق في المكتبة الوطنية في فيينا”. وكشف الرزاز أن متحف الفن الإسلامي في القاهرة يقتني مجموعة من الأوراق المطبوعة تعود إلى ما بين القرنين العاشر والثاني عشر، عثر عليها في الفسطاط والبهنسا والقصير، وهي وثائق تدال على أن المصريين عرفوا ومارسوا فن الحفر البارز على الخشب قبل أن يستخدمه الأوروبيون بأربعة قرون ونصف قرن؛ إذ بدأت هذه التقنية في أوروبا بين القرنين الرابع عشر والخامس عشر. ولفت الرزاز الى دور الأرمن المصريين في الطباعة الليثوغرافية الشعبية “حينما نزح الأرمن إلى مصر هربًا من الأتراك كان بينهم أصحاب مهارة حرفية متمرسون على الطباعة الليثوغرافية، فشاعت في الأسواق الشعبية مطبوعات رسمها فنانون شعبيون مصريون على الحجر وطبعوها بمعاونة الطباعيين الأرمن، وكانت تلك اللوحات تطبع على ورق رخيص بألوان أساسية قوية متراكمة بفعل تحريك القالب الحجري كل مرة؛ وبذلك أصبحت نوعًا شعبيًّا حديثًا للطباعة الليثوغرافية المصورة التي تعبر عن سير الفروسية والأولياء والبراق الشريف مع كتابة وزخارف بيئية مصرية، كما طبعوا لوحات أخرى كتابية خالصة ذات إطارات زخرفية وأشكال رمزية كالكف والهلال والنجوم والأشرطة وأحجبة عليها رموز وجداول سحرية وأدعية دينية، وكانت تلك المطابع موجودة في أحياء حارة الحلبية في الأزهر وشارع محمد علي في باب الخلق”. • المردود الثقافي للطباعة الأرمينية تطرقت الباحثة آلاء فهيم أحمد من كلية الآداب في جامعة الإسكندرية إلى المردود الثقافي للطباعة الأرمينية في إستانبول في الفترة (1839 – 1878) حيث ارتبطت النهضة الثقافية الأرمينية في الدولة العثمانية بازدهار فن الطباعة، خاصةً في القرن التاسع عشر، منذ اختراع آلة الطباعة على يد الألماني “غوتنبرغ. مما وقالت: “أدرك الأرمن مدى الأهمية التي جاء بها هذا الاختراع المتواضع، فما لبثوا أن عملوا على إدخال هذه الآلة إلى الدولة العثمانية، خاصة مدينة إستانبول حاضرة الخلافة آنذاك. كان للطباعة الأرمينية في إستانبول دورٌ قوي على النهضة الفكرية الأرمينية، خاصةً منذ بداية عصر التنظيمات 1839 حتى مؤتمر برلين وبداية المسألة الأرمينية 1878، فقد ساعد الأرمن العثمانيين على ازدهار دورهم في الصحافة والترجمة وبعض الفنون الأدبية، في إستانبول وغيرها من المدن العثمانية. فمنذ عام 1845 كان للأرمن مطبعتان في إستانبول وثلاث مطابع في أزمير، ثم ما لبث أن تضاعف عدد هذه المطابع ما ساعد من صدور العديد من الصحف والمجلات والدوريات اليومية والشهرية التي كان يصدرها الأرمن في إستانبول وأزمير وغيرها من الولايات الأرمينية”. ذكرت الباحثة من هذه الدوريات الأرمينية، على سبيل المثال لا الحصر “تلك التي ظهرت في العاصمة العثمانية نتيجة عصر التنظيمات: صحيفة “ماسيس” التي كان يرأس تحريرها غرابيد أوتوجيان، وصحيفة “بيي ويحررها هاروتيون سفاجيان، وصحيفة “هايريك تحرير أربياريان”، فضلاً عن الكثير من الصحف الأخرى. هذا إلى جانب الدور الذي لعبته الطباعة الأرمينية في الترجمة، إذ قامت مؤسسة “داديان إخوان” الأرمينية للطباعة بترجمة العديد من المجلدات والكتب إلى اللغة الأرمينية وطبعها في آلاف النسخ، كما ترجمت التراجيديات الكلاسيكية الأرمينية التي قدمت على أول مسرح أسس في إستانبول وكان في إدارة مكرتيش بيشيكتاشليان (1828-1868)…”. • المطبوعات الحجرية بالمغرب الباحث المغربي الحسن تاوشيخت من المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، ناقش المطبوعات الحجرية في المغرب واعتبر أنها مرحلة وسطى بين الكتابة المخطوطة والطباعة السلكية أو الحديثة، موضحاً: “ظهرت الطباعة الحجرية في المغرب الأقصى خلال القرن 19؛ نتيجة للبعثات العلمية التي أُرسلت إلى بعض الدول العربية وخاصة مصر، وكان لظهور هذه الطباعة دور أساسي في توسيع دائرة المعرفة والنشر، فبرزت إلى الوجود مطابع متخصصة، في مدينة فاس خاصة، وعملت على طبع مجموعة من المؤلفات التي كانت تعتبر من النوادر والخاصة جدًّا”. كشف تاوشيخت عن احتفاظ المكتبة الوطنية للمملكة المغربية بالأغلبية العظمى من هذه المؤلفات التي يتجاوز عدد عناوينها 600 وهم من مختلف العلوم والفنون:”تتوزع هذه المؤلفات بين ما هو ذو طابع ديني من تفسير للقرآن الكريم وتبيان معاني بعض الأحاديث النبوية والفتاوى والأذكار، وتمثل أكثر من 80%، والمواضيع التي تتناول التاريخ (المناقب والسير والحوليات) وتمثل 8%، ثم المطبوعات ذات التوجه الأدبي شعرًا ونثرًا (قصائد وأرجوزات وخطب…) وتمثل 6 %، والمواضيع ذات الصبغة العلمية الدقيقة (الفلك والطب والكيمياء…) وتمثل 4 %، وأخيرًا متنوعات (فهرس وتقييد…) وتمثل 2 %”. • الطباعة وحركة الإصلاح المغربي في الإطار نفسه حول تاريخ دخول الطباعة بأنواعها إلى المغرب سواء كانت طباعة حجرية أو غيرها أشار د. المهدي بن محمد السعيدي من كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة ابن زهر، أكادير، إلى أن دخول الطباعة إلى بلاد المغرب تأخر عن غيره من البلاد العربية؛ لذا كانت المطبعة الأولى الوافدة إلى البلاد هي المطبعة الحجرية التي نقلت من مصر بواسطة أحد علماء المغرب وهو الطيب بن محمد التملي الروداني قاضي تارودانت إحدى البلدات في الجنوب، حين استقدم محمد القباني ليشتغل لديه على مطبعته بأجر معلوم اتفقا عليه، ودخلت المطبعة الحجرية إلى المغرب في وقت أفل نجمها في مصر وبدأت المطبعة السلكية تحل محلها وتلقى رواجًا كبيرًا لجودة مطبوعاتها وسرعتها… ولعل سبب اصطفاء هذه الآلة الطباعية تحديداً وقدومها من مصر وليس من أوروبا القريبة يعود إلى الجو السياسي السائد في المغرب في القرن الثامن عشر والمبني على سياسة الاحتراز من التدخل الأوروبي في البلاد المغربية بعد تعرض الجزائر ثم تونس للاحتلال الفرنسي، والتحرز من كل ما يأتي من الغرب من سلع وآلات. مضيفاً: “غير أن هذا الاحتراز تحول إلى انفتاح حذر مع بداية العهد الاستعماري في المغرب، حينما أقبل المغاربة على التقنيات الغربية، خاصة بعد نشر سلطات الحماية الفرنسية لهذه التقنية في البلاد واستعمالها في عدة مجالات كالفلاحة والنقل والتطبيب والاتصال والمجال العسكري والطباعة والنشر، وظهور المطابع الفرنسية والصحافة الموالية للحماية، واكتشاف رواد الحركة الوطنية أهمية الوسائل الجديدة في إصلاح أوضاع المجتمع والنهوض به والعمل على إنهاء عهد الحجر والحماية”. وسعى المهدي إلى استجلاء تاريخ دخول المطبعة الحجرية للمرة الأولى إلى المغرب وظروف اشتغالها وإخراجها مجموعة من المؤلفات المتعلقة بالعلوم الشرعية والمتون الدراسية اللغوية، في حالة أقرب ما تكون إلى المخطوطات الأصلية والتقنيات البسيطة التي طبقتها لناحية طريقة العمل وتوفير الأوراق والمداد والمصححين، ثم تحولها من مؤسسة مخزنية (حكومية) إلى مقاولة خاصة، ما أزاح احتكار الدولة لهذه التقنية وأفسح المجال أمام ظهور مقاولين آخرين في مجال الطباعة الحجرية ثم السلكية بعد ذلك وازدهار الطباعة، خاصة في العهد الاستعماري الذي شهد إقدام السلطات الاستعمارية على التحديث السريع للمجتمع المغربي – وفق ما تم التوقيع عليه في معاهدة الحماية – وتزويده بالتقنيات الضرورية في المجالات المختلفة، وضمنها الطباعة، كما شهد نشاط رواد الحركة الوطنية الدائب في مجال الكتابة والتأليف والطباعة والنشر؛ لنشر أفكارهم والدعوة إلى الإصلاح والنهضة والعمل على استقلال البلاد. كل ذلك جعل المطابع تزدهر وتتكاثر بين حكومية وخاصة باللغتين العربية والفرنسية، ثم تواصل إدخال التقنيات الحديثة بعد ذلك حتى عهد الاستقلال الذي شهد زيادة كبيرة في وتيرة الانفتاح التقني والمعرفي على الغرب. • الانعكاسـات السياسية والثقافية للطباعة تناولت د. لطيفة الكندوز من جامعة محمد الخامس في الرباط الأبعـاد والانعكاسـات السياسية والثقافية والاجتماعية للمطبـعة في المـغرب، قائلة: “لم يقتصر دور المطبعة في المغرب على الجانب التقني الصرف، المتمثل في نشر الكتب وتوثيقها والحفاظ عليها فقط، بل كانت لها بالإضافة إلى ذلك عدة أدوار فاعلة ومختلفة وأبعاد وانعكاسات كثيرة شملت عدة مستويات، خاصة السياسية والاجتماعية والثقافية”. أضافت: “ساهمت الطباعة بدور كبير في التنمية الثقافية في المغرب؛ إذ تمكنت المطبوعات من تنشيط الحركة التعليمية وتطويرها فغيرت من النهج التعليمي التقليدي، ووسعت دائرة التعليم وطوَّرت برامجه ومناهجه وساعدت في تكوين المدرسة المغربية العصرية؛ ما ساهم في توسيع المدارك الثقافية وانفتاحها على تيارات فكرية جديدة. كما فتحت الطباعة آفاق التواصل الثقافي والحضاري بين المغرب والخارج، فبواسطتها وصلت أصداء الدعوة الإصلاحية من الشرق، فكانت لذلك انعكاسات على الكتابات المغربية لا سيما في تناولها قضية إصلاحات التعليم والمجتمع المغربي، وعن طريق الكتب والجرائد التي كانت تستورد من الشرق، خاصة الكتب المصرية واللبنانية، بواسطة أعضاء البعثات التي درست في جامعات مصر وسورية ولبنان وفرنسا، اطلع المغاربة على النهضة العربية وعلى الكفاح ضد المستعمر بالدول الإسلامية، فكان له أثر كبير فينقل المعارف وتبادل الأفكار الإصلاحية بين المغرب والمشرق”. • الطباعة جسر بين الحداثة والتراث الباحث صلاح مصيلحي علي عبد الله من جامعة البحرين تناول دور الطبعة في التواصل الثقافي والحضاري قائلاً: “للكتاب العربي قصة طويلة شغلت الناس وتاريخ حافل ملأ الدنيا منذ نزوله من السماء وانتشاره في آفاق الأرض؛ لتتعلم منه شعوب كثيرة ما لم يكونوا يعلمون، ولما اتصلت الحضارة الإسلامية بغيرها من الحضارات التي أوشكت على الأفول أفادت من علومها، ونقلت كتبها إلى لغتها ثم درستها وزادت عليها جديدًا مبتكرًا؛ وفي ضوء ذلك يحاول هذا البحث أن يبين كيف كان ظهور الطباعة نقطة تحول بين عهدين: عهد جمود العالم الإسلامي، ثم عهد يقظته، فكانت حياتنا الثقافية وسبل تخاطبنا شيئًا آخر غير الذي عرفناه بعدما حمل نابوليون مطبعته إلى مصر، فقد عجَّلت بحركة التقدم ونشرت الثقافة التي تعني إعادة كتابة التراث الإسلامي بصورته الحقيقية وخصائصه الأساسية التي لا تحتمل الخلاف حولها، من خلال الفحص والتدقيق والاستكشاف؛ لتعود الحياة إلى التراث ليستقر في عقول الناس وصدورهم، فتتحول الكتب والمراجع إلى غذاء روحي وفكري ويومي يعيشه الناس ويتواصلون من خلاله، في عملية بناء جسور بين الماضي والحاضر، وتمتد إلى المستقبل الذي بدأت ملامحه تضيع منا، وساهمت الطباعة في تعريف العالم بعطاء الثقافة والفكر العربي على مدى العصور”. • المطبوعة واشتعال الحرب الباردة كشف الباحث أحمد جلال بسيوني من كلية الآداب، جامعة دمنهور، عن أن الكلمة المطبوعة كان لها دور بارز في الجانب الإعلامي. وأهم النتائج التي ترتبت عن انتهاء الحرب العالمية الثانية ما عُرف باسم “الحرب الباردة”، التي تناوب فيها المعسكران الغربي بزعامة الولايات المتحدة والشرقي بزعامة الاتحاد السوڤياتي للسيطرة على مقدرات العالم وشعوبه بصورة جديدة جدًّا في التاريخ، وتجنب كلا الفريقين فيها “الحرب الساخنة”؛ ففي حالة اندلاعها تدمّر العالم؛ لذا استبدل المعسكران الكبيران تلك “الحرب الساخنة” بـ “الحرب الباردة”. أضاف: “كان المعسكران الكبيران متفقين ضمنًا على أنَّ التراشق بالكلمات أفضل بكثير من التراشق بالصواريخ النووية، فبعدما كانت دعايات الكلمات المطبوعة سببًا في نشوب الحرب الساخنة في الماضي، أصبحت المبرر لهذا الإنفاق المهول على التسلح في كلا المعسكرين بدعوى الخوف من الآخر. من هنا حاول كلا الطرفين التفنن والإبداع في توظيف الخطب أو المقالات أو التقارير لخدمة الأهداف السياسية والإستراتيجية، وبالتالي كان أحد الأشخاص من هذا الجانب أو ذاك يلقي خطبة أو يكتب مقالاً سرعان ما تتلقفه الصحف وتنشره، ثم تقوم الدراسات والأبحاث والندوات والمؤتمرات بتحليله، فيرد عليه الجانب المقابل بالمثل، وباتت هذه الكلمات من أهم الأسباب التي اندلعت بسببها الحرب الباردة”.

أردوغان يدعو سركيسيان الى الإعتذار لتركيا!!!!

البرلمان الفرنسي يقر قانون تجريم الابادة الارمنية

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

تقرير طلعت باشا حول الإبادة الجماعية الأرمنية

أرشيف