اللبنانيون استقبلوهم في بيوتهم والجمعيات تساعدهم والدولة غائبة مي عبود ابي عقل 12 كانون الثاني/يناير 2013 جريدة النهار ليس الوجود الارمني طارئا في سوريا، بل هو يعود الى قرون مضت، ويتجاوز المذابح والابادة الجماعية التي ارتكبها الاتراك في حقهم اوائل القرن العشرين، واضطر الآلاف منهم الى الهرب واللجوء الى سوريا، والدليل كنائسهم وأديرتهم التي تعود الى القرنين الرابع عشر والسادس عشر. تقدر الاحصاءات عددهم بنحو 150 الفا، انخفض في الاعوام العشرين الاخيرة الى 100 الف، وينتشرون في حلب وكسب والقامشلي ودمشق واليعقوبية، ولديهم مدارسهم ومراكزهم ومؤسساتهم وجمعياتهم الثقافية والاجتماعية وأنديتهم الرياضية، الى ممثليهم في البرلمان والجيش، ومكانتهم المهمة في مجالات التجارة والصناعة والاقتصاد والمهن الحرفية. يعتبر الارمن انفسهم مواطنين سوريين كاملي المواطنة، يجمعون بين اصلهم ولغتهم وثقافتهم الارمنية من ناحية وجنسيتهم ومواطنيتهم السورية من جهة ثانية، وهم اصبحوا جزءا لا يتجزأ من نسيج المجتمع السوري، يتأثرون سلبا وايجابا بكل ما يصيبه ويمر به. معروف عنهم تكاتفهم وتعاضدهم، وقد يكون التاريخ وخبرة الحياة من علّماهما ذلك، فكيف الحال في الازمات والاحداث والمصائب؟ وكيف هو وضعهم في ظل الواقع المؤلم في سوريا؟ وهل كتبت عليهم الهجرة والترحال من جديد؟ خطة عمل يتركز الوجود الارمني السوري في حلب، التي اصبحت بعد العام 301 مركزا مهما للحجاج الارمن في طريقهم الى القدس عندما صارت المسيحية دين الدولة الرسمي لارمينيا، ويعيش فيها اليوم نحو 90 الفا، لهم ثقلهم ووجودهم المميز في المجالين الصناعي والتجاري. مع بداية الاحداث في سوريا، عقد في حلب اجتماع ضم رؤساء الطوائف الارمنية، الارثوذكسية والكاثوليكية والانجيلية، وممثلين عن الاحزاب وفعاليات المنطقة، لتنظيم احوال الطائفة واتفقوا على البنود الآتية: 1 – الارمن ليسوا طرفا في النزاع، ويقفون الى جانب سوريا الوطن والدولة كدولة، ويرفضون العنف من اي طرف كان، ويدعون الى الابتعاد من الاعتبارات الطائفية، والالتفات حول سيادة سوريا وحريتها واستقلالها، ويرفضون التدخلات الخارجية والتقسيم. 2 – وضع خطة لمعالجة ما ينتج من العمليات العسكرية جراء الاشتباكات بين الجيش السوري والمجموعات المسلحة. وفي المقابل، اجتمعت الاحزاب الارمنية في لبنان “الطاشناق” و”الهانشاق” و”الرامغفار”، برعاية الرؤساء الروحيين في الطوائف الارمنية الارثوذكسية والكاثوليكية والانجيلية، ووضعوا خطة من اجل استيعاب موجة النازحين الارمن من سوريا، ومساعدتهم على الصعد التربوية والصحية والاجتماعية. وتجدر الاشارة الى ان ما يحصل في حلب يذكّر بما حصل اثناء الحرب اللبنانية من استهداف للمعالم التراثية والمواقع الاثرية، ومن قصف ممنهج للاحياء السكنية، وحرق للاسواق التجارية، بما يتيح للمخططين الافادة من مشاريع اعادة الاعمار والاستثمار بمئات ملايين الدولارات. هجرتان الاحداث المستعرة لا تميز بين المناطق الآهلة، والاسواق التجارية، ومواقع القتال، اذ تعرضت الاحياء الارمنية في حلب للقصف، وأخلي مأوى العجزة ونقل الى مكان اكثر امانا، كذلك اخليت بعض المدارس، وتعرضت بعض الكنائس الى التخريب، ولجأ الارمن الى احياء تضم نسبة اكبر منهم، للاحتماء والدفاع عن النفس، والتكاتف اكثر في ما بينهم. من اصل نحو 90 الف ارمني في حلب، تؤكد مصادر الحزب الارمني الاكبر في لبنان “الطاشناق”، انه لم يهاجر منها اكثر من 10 آلاف شخص، 4 آلاف توجهوا الى لبنان، و6 آلاف غادروا الى ارمينيا. وتتنوع الهجرة بين: – داخلية، اي بين المدن السورية التي تشهد وجودا ارمنيا، مثل حلب ودير الزور وحمص واللاذقية والشام، كل وفق امكاناته ومعارفه واقاربه. – خارجية، اي الى ارمينيا، خصوصا ممن لا تزال بيوتهم موجودة، او كانوا يسكنون هناك على مدى العشرين عاما الفائتة. وهناك قدمت الحكومة الارمينية المساعدات، وتم تجهيز مدرسة خاصة للتلامذة الارمن السوريين، ووفق البرنامج والمنهج الدراسي السوري وبمعلمين ارمن. كذلك اعطيت التسهيلات الى التجار والحرفيين والصناعيين الحلبيين، واعيد فتح بعض المحال، خصوصا ان ارمينيا في حاجة الى هذه الخبرات ومجالات العمل، اضافة الى مساعدات من ارمن من خارج ارمينيا، ومنظمات وهيئات انسانية ودول تساعد الارمن السوريين، وآخرها من دولة الكويت. مع الاشارة طبعاً الى مئات العائلات والافراد الذين غادروا الى الولايات المتحدة وكندا وأوروبا، خصوصاً الميسورين منهم، او الذين لديهم اقرباء وعلاقات هناك، او سبق ان تقدموا بطلبات هجرة او تأشيرة. وكشف النائب أغوب بقرادونيان ان “الطاشناق” اطلق مبادرة لمساعدة السوريين في حلب، وليس فقط الأرمن، حيث أرسل في الأشهر الثلاثة الأخيرة، 3 طائرات الى أرمينيا، تحمل مساعدات انسانية وبطانيات وأدوية ومواد غذائية، تسلمها “الهلال الأحمر السوري” ومطرانية الارمن في حلب، ووزعت على الارمن والعرب على حد سواء، لأن “الأرمن ليسوا حالة معزولة” على قوله. الى لبنان يراوح عدد الارمن السوريين الذين لجأوا الى لبنان ما بين 3500 – 4000 أرمني على مدى العام الفائت، وفق مصادر مواكبة لهذه الحركة. يتوزع الميسورون منهم على مناطق مختلفة، في فنادق أو شقق مفروشة او مستأجرة، وبعضهم يملك بيوتاً في الأصل. لكن الامكانات المادية للعدد الأكبر من الوافدين ضعيفة، ونزلوا ضيوفاً عند أهلهم وأقاربهم، وتركزوا خصوصاً في برج حمود وانطلياس والمناطق المجاورة، وهي أصلاً مكتظة سكانيا. وتشير المعلومات الى انه على الصعيد الدراسي تم استيعاب نحو 700 تلميذ، من دون مقابل مادي، وبعضهم لا يملكون افادات مدرسية، وعدلت المناهج لتتناسب مع المنهج السوري الذي يتبعونه. على صعيد السكن تم تنظيم استئجار البيوت والتعميم على مراكز الاحزاب والكنائس في برج حمود والمناطق فضلاً عن امكانات تأجير مقابل بدلات معقولة ومقبولة، لتأمين مساكن لائقة للعائلات. وقد تمكن مكتب نواب الارمن من توفير بعض المساعدات المادية لهذه الغاية. على الصعيد الصحي يتم تأمين الأدوية لبعض الأمراض المستعصية بمساعدة وزارة الصحة والجمعيات الخيرية. وبسبب الأوضاع المعيشية الصعبة أصلاً على العائلات اللبنانية التي تستقبل العائلات السورية، يتلقى العديد منها مساعدات مادية وغذائية تساعدهم على الاستمرار. باقون في حلب لا تزال الغالبية العظمى من الارمن باقية في حلب وفي مناطق أخرى من سوريا، رغم كل الصعوبات والأزمات، والسبب انهم متمسكون بالبقاء في أرضهم وبيوتهم واملاكهم ومحالهم. فهم تجار وصناعيون وحرفيون، ويؤلفون جزءاً أساسياً من النسيج السوري الاجتماعي والاقتصادي، ويريدون البقاء لحماية مصالحهم وأرزاقهم ومعاملهم، التي تعرض عدد كبير منها للنهب والسرقة والتخريب، على ما يؤكدونه. من ناحية ثانية يصرّ الأرمن على بقائهم في سوريا التي يعتبرونها أرض اجدادهم أيضاً منذ قرون عدة وليس على أثر المذابح الارمنية، واذا اضطرتهم الظروف الصعبة الى المغادرة الى حين، فوجهتهم أرمينيا أو لبنان مما يعني البقاء في منطقة الشرق الاوسط الى حين استتباب الوضع في سوريا، ولا يهاجرون الى استراليا او الولايات المتحدة، ليحافظوا على دور المسيحيين في الشرق ويلعبونه، اضافة الى عوامل أساسية أخرى أبرزها: عدم تشجيع رؤساء طوائفهم لهم على المغادرة، والامكانات المادية المتواضعة، وعدم الاحساس بالامان في الهجرة. الجمعيات الأهلية قبل بداية الاحداث في سوريا، تأسست في لبنان 4 جمعيات أرمنية أهلية تعنى بالشأن الاجتماعي والرعاية الصحية للأرمن، وكل واحدة لها امتداداتها خارج لبنان مثل حلب وسوريا، مما أدى الى قيام تعاون سريع، وجعل امكانات التعرف الى أوضاع الارمن في سوريا ممكنة على الصعد الصحي والسكني والاجتماعي. وفي لقاء مع “النهار”، يشير المنسق مع الجمعيات الأهلية أفيديس كيدانيان الى ان التعاون قائم حالياً مع 3 جمعيات ومنظمات أخرى هي: “المفوضية العليا للاجئين”، و”أطباء بلا حدود”، ومكاتب “مؤسسة المخزومي” المعتمدة من مفوضية اللاجئين لتسليم قسائم الطعام والتعاقد مع المستشفيات والمعاينات الطبية. ويشير الى أن “المشكلة الأساسية تبقى في السكن، فمعظم الوافدين حلوا ضيوفاً عند أهلهم واقاربهم وأصدقائهم، لكن وضع العائلة اللبنانية التاعس في الأصل زاد الطين بلّة. والحل بتأمين مدارس مجانية والرعاية الصحية على عاتق الجمعيات، والعلاج في المستشفيات في حالات الولادة والطوارئ، وهنا يتم التنسيق مع المفوضية العليا التي تؤمن في هذه الحالات 85% من الفاتورة الصحية للمسجلين في قوائمها، علماً أن تسجيل الاسماء مؤجل حتى نيسان المقبل”. ويؤكد كيدانيان ان “الدولة اللبنانية لم تقدم شيئاً على الاطلاق الى اللاجئين الوافدين الى المناطق الحدودية في البقاع والشمال أولاً، لكن بعد تغلغلهم في الداخل تغير الوضع. وقد ارسل وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور المسؤولة عن المنطقة، لكن في غياب ميزانية للصرف، تتولى المفوضية العليا معظم المصاريف للمسجلين لديها، بحيث تعطي منحة مدرسية وقسائم شهرية لمواد غذائية بقيمة 31 دولاراً للشخص الواحد”. في ظل ضبابية الوضع السياسي والعسكري في سوريا، يبقى السؤال: الى اي مدى يمكن هذه المؤسسات والاحزاب في لبنان الاستمرار، وتقديم الدعم والمساعدات؟ وماذا لو تطورت الأزمة السورية واضطرت اعداداً اضافية الى اللجوء والنزوح الى لبنان؟ من يتحمل الاعباء والمسؤوليات؟