سيريان تلغراف | صهيب عنجريني – السفير 15 آب/اغسطس 2013 مثلَ غيرهم من أبناء مدينة حلب، دفع الأرمن السوريون ثمناً باهظا منذ حطّت الحرب رحاها الدامية في عاصمة الاقتصاد السوري، التي احتضنتهم بشكل فعلي منذ هروبهم الكبير من المذبحة التي ارتكبها الأتراك قبل حوالي مائة عام . الأرمن وسوريا : علاقات أقدم من الميلاد العلاقة بين الأرمن وسوريا ضاربة في التاريخ، ويعود أول تماس مباشر لهم معها، وفق المصادر التاريخية، إلى العام 83 ق.م، حيث بقيت سوريا 16 عاما تحت حكم المملكة الأرمنية، في عهد الملك ديكران الملقـب بـ«الكبير». كما هاجر عدد كبير من الأرمن إلى سوريا أيام الخلافة العباسية هرباً مـن الاضطهاد الديني والسياسي البيزنطي وغزوات التتار. ومنذ العام 301 ميلادي، أصبحت حلب مركزا مهما للحجاج الأرمن في طريقهم إلى القدس، بعد أن أصبحت المسيحية دين الدولة الرسمي لأرمينيا. وقد عُثر في العام 1965 على كتابات أرمنية محفورة في الصخر، يصل عددها إلى 20، جنوبي دير الزور، تعود إلى العامين 1628 و1674. وفي العام 1877 انتُخب التاجر الأرمني مانوك قراجيان نائبا عن ولاية حلب في مجلس «المبعوثان الأول»، وهو المجلس النيابي في السلطنة العثمانية. وفي العام 1898 قدرت «السالنامة العثمانية»، وهي الكتاب العثماني الإحصائي السني، عدد السكان الأرمن في حلب بحوالي 4500 أرمني. لكن أبرز مفصل مرت به علاقة الأرمن بسوريا، وفقاً للمؤرخ الأرمني ريمون هـ. كيفوركيان، كان الهجرات الأرمنية الكبيرة بسبب الاضطهاد التركي المتواصلة في الأعوام 1876 و1895 و1909 و1915 و1922 و1939 وبلغ عدد المهاجرين إلى سوريا ولبنان حوالي 125 ألف أرمني،ً منهم 75 ألفا إلى حلب وضواحيها. ووفقا للمؤرخ الحلبي الشيخ كامل فقد بلغ عدد سكان حلب 210 آلاف نسمة مع نهاية العام 1925، وكان الأرمن يشكلون 25 في المئة من سكان المدينة. وكان الأرمن السوريون أول من أدخل إلى البلاد جهاز التصوير بأشعة رونتنغن (1897) والتصوير الضوئي (1880) وأول سيارة إلى حلب (1909) وأول جرار في منطقة تل السمن (1926)، كما أدخلوا للمرة الأولى مهن الخراطة وطرق اللحام المختلفة وصناعة بطاريات الآليات والسيارات وقطع السيارات والحصادات والجرارات، وصنعوا محركات الماء من الألمنيوم وأجهزة أطباء الأسنان والغلاف الخارجي لآليات الـ«بيك آب» وصناديق الشاحنات الكبيرة والقاطرات منذ وقت مبكر من ظهورها، واستخرجوا زيت الزيتون بآلات حديثة. وشهد العام 1946 واحدا من الشواهد البارزة على انتمائهم إلى وطنهم السوري، حيث أصدر مطران الأرمن الأرثوذكس لأبرشية حلب وتوابعها الأسقف زاريه بايسليان نداء إلى المقاتلين الأرمن في الجيش الفرنسي كي ينضموا بأسلحتهم إلى الجيش السوري فلبى الجنود الأرمن النداء. وقد منحه الرئيس الراحل شكري القوتلي وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى بموجب المرسوم رقم 381 تاريخ 2 نيسان العام 1946. الأرمن-في-سورية الأرمن السوريون تحت وطأة الأزمة كان تعداد الأرمن في سوريا قبل الأزمة حوالي مئة ألف نسمة، وهم مواطنون سوريون يتمتعون بكامل الحقوق ومطالبون بكامل الواجبات، بما في ذلك الخدمة العسكرية الإلزامية. ويقطن نصفهم تقريبا في حلب، حيث اجتذبهم إليها حراكها الاقتصادي المتميز. واشتهر الأرمن في حلب بصناعة الفضيات وصياغة الذهب والمجوهرات، علاوةً على بعض الحرف المهنية والصناعية. ومع بداية الأزمة في سوريا، عقد في حلب اجتماع ضم رؤساء الطوائف الارمنية، الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية، وممثلين عن الأحزاب وفعاليات المنطقة، لتنظيم أحوال الطائفة، واتفقوا على البنود الآتية: 1- الأرمن ليسوا طرفا في النزاع، ويقفون إلى جانب سوريا الوطن والدولة كدولة، ويرفضون العنف من أي طرف كان، ويدعون إلى الابتعاد عن الاعتبارات الطائفية، والالتفاف حول سيادة سوريا وحريتها واستقلالها، ويرفضون التدخلات الخارجية والتقسيم. 2 – وضع خطة لمعالجة ما ينتج من العمليات العسكرية جراء الاشتباكات بين الجيش السوري والمجموعات المسلحة. ومنذ تفجر الأزمة في حلب قبل أكثر من عام، بذلت الجمعيات والنوادي الأرمنية جهداً لافتاً في أعمال الإغاثة وتقديم المساعدات للنازحين من الأحياء الساخنة، حيث رفع المتطوعون الأرمن شعار «سوري أرمني من أجل وطني». ومع تزايد الحراك المسلح في حلب انضم عدد محدود من الشبان الأرمن إلى اللجان الشعبية، التي كانت تقتصر مهمتها آنذاك على إقامة بعض الحواجز في عدد من المناطق. وبعد وصول المعارك إلى حي الميدان، وسيطرة المسلحين على حي الشيخ مقصود استشعر الأرمن خطراً كبيراً، نتيجة اقتراب المعارك من الأحياء التي يقطنونها، وهي الميدان، السليمانية، العزيزية، الفيلات، خاصة مع تنامي سيطرة المتشددين الإسلاميين على الحراك المسلح، والاستهداف المستمر للأحياء الأرمنية بقذائف الهاون، وحمل المزيد من الشبان الأرمن السلاح، ومن مختلف الطبقات الاجتماعية لحماية أحيائهم، فاعتبر المتشددون الإسلاميون هذا الأمر مبرراً لاستهداف الطائفة الأرمنية بالكامل، وأصدروا «فتاوى» بإباحة أموالهم أينما وُجدوا. ومثل غيرهم من صناعيي المدينة، فقد كثير من الأرمن مصانعهم، كما أصبحوا هدفاً دائماً لحوادث الاختطاف. ونتيجةَ لكل تلك العوامل، آثر عدد كبير من الأرمن مغادرة المدينة. ووفقاً لمصادر المطرانيات الأرمنية في حلب فإن عدد الأرمن المتبقين في المدينة حالياً لا يتجاوز 20 ألفاً، وقد غادر قسم منهم إلى مدن وقرى سورية أخرى شكلت مستقراً تاريخياً لهم في سوريا، ومن أبرزها كسب في ريف اللاذقية، وغادر قسم آخر إلى لبنان، فيما فضل معظم المغادرين التوجه إلى أرمينيا. «حلب الجديدة» في يريفان وبحسب مصادر في المطرانية الارمنية في حلب فقد قامت الحكومة الأرمنية بتقديم تسهيلات كثيرة، فاتخذت قرارا بمساعدة الأرمن الراغبين في الهجرة إليها مهما كان عددهم، ومنحتهم الجنسية قبل خروجهم من سوريا. كما تكفلت إحدى شركات الطيران الأرمينية بتسيير رحلات مجانية بين حلب ويريفان. وتبنت الحكومة الأرمينية برنامجاً لتشييد حي سكني، أطلقت عليه اسم «حلب الجديدة»، وذلك حتى «يشعر الوافدون من حلب وكأنهم ما يزالون في سوريا». ومن المقرر أن يمتد الحي على مساحة تقارب الخمسة هكتارات، ويقع على بعد 20 كيلومترا من العاصمة يريفان، حيث سيدفع الراغبون بتملك شقق فيه نصف ثمنها، بينما تتكفل الحكومة والجمعيات الخيرية الأرمنية بالنصف الثاني. عمليات الاختطاف مستمرة لا تتوافر إحصائية دقيقة بعدد المختطفين الأرمن في حلب، لكن المؤكد أن هذه الحوادث لم تتوقف، والهدف دائماً الحصول على فدية مالية مقابل إطلاق سراح المختطفين. وآخر تلك الحوادث سجل منتصف تموز الماضي، حيث اختطفت سيارة كانت تقل سبعة من الأرمن المسافرين عبر إعزاز إلى تركيا ومنها براً إلى أرمينيا. كان راكبو السيارة أربعة شبانٍ وثلاث سيدات، فتم اختطاف الشبان الأربعة، وهم كاريكين هاتزاكورزيان، كارو بابوغليان، ناريك فارجابديان، ساكو أسادوريان، وأصيبت السيدات الثلاث بانهيار عصبي، وتم إسعافهنَّ إلى أحد مستشفيات غازي عنتاب. وأعلن «لواء شهداء بدر» الذي يتزعمه خالد حياني مسؤوليته عن اختطافهم بتهمة «التشبيح»، في حادثة ليست الأولى من نوعها، ولا يبدو أنها ستكون الأخيرة.