كمال كيليجدار أوغلو* صحيفة الشرق الاوسط 8 شباط/فبراير 2012 يتحاور الكثيرون في واشنطن الآن حول قدرة حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم على تشكيل نموذج للربيع العربي، في وقت يرنو فيه جيراننا إلى التخلص من الأنظمة الشمولية والتحول إلى ديمقراطيات حقيقية، لكن الوقائع تثبت بجلاء أن نموذج حزب العدالة والتنمية غير قادر على الصمود. في التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) قمت بزيارة إلى سجن سيلفري حيث يعتقل مئات الصحافيين والناشرين وضباط الجيش والأكاديميين والسياسيين. بدأت المحاكمات في عام 2007 على خلفية اتهامات بأن منظمة سرية متطرفة تخطط منذ سنوات للإطاحة بالحكومة، لكن الكثير منهم معتقلون منذ سنوات دون محاكمة، ولم تصدر إدانة واحدة حتى اليوم. وأصبحت العدالة اليوم على المحك، ولا تزال حتى الآن غائبة على نحو سافر. ما يجري الآن هو هجوم غادر على سيادة القانون في تركيا من قبل الحزب الحاكم في تركيا. كان من الممكن أن تكون هذه المحاكمات مناسبة لتركيا لتحقيق التطهير الفكري لتصحيح الأخطاء السابقة، لكنهم تحولوا إلى أداة لإسكات المعارضة وقمع الحريات. من بين المعتقلين ثمانية من نواب المعارضة في البرلمان، وقد أعلن مجلس الانتخابات الأعلى أن هؤلاء الأفراد كانوا مؤهلين للترشح للانتخابات وجميعهم فازوا بمقاعد في البرلمان. إن سجنهم ينتهك حقوقهم في ظل القانون التركي كنواب منتخبين من الشعب. القاعدة العالمية في القانون هي أن الشخص بريء حتى تثبت إدانته، والأمر الآخر هو أن الأدلة هي السبيل إلى اعتقال المشتبه به، لكن الناس في تركيا اليوم يعاملون كمتهمين حتى تثبت براءتهم؛ ففي البداية يعتقل الشخص ثم يتم جمع الأدلة لإقامة القضية. الذنب المزعوم أصبح هو العرف. والمحزن أن كل معارضي الحكومة اعتبروا متآمرين أو إرهابيين ضد الدولة. حزب العدالة والتنمية منهجي وقاس في محاكمته لكل معارضي سياساته، ويستخدم وسائل الضغط الشمولية مثل غرامات الضرائب الثقيلة وتصوير الفيديو غير المشروع والتنصت على الاتصالات الهاتفية التي استخدمت على نطاق واسع لإسكات الخصوم. وما أثار الانزعاج بشكل أكبر هو زعم حزب العدالة والتنمية أن مثل هذه الأشياء تتم باسم التقدم الديمقراطي. وكان آخر أهداف الحكومة البقايا الباقية من ديمقراطيتنا، والمتمثلة في حزب الشعب الجمهوري الذي أقوده. وخلال وجودي في سجن سيلفري في نوفمبر شبهت أوضاع المسجونين بمن هم في معسكرات الاعتقال، وقلت إن وكلاء النيابة والقضاة لم يطبقوا العدالة ولا يستحقون أن يوصفوا بأنهم دعاة العدالة. وقد علمت الشهر الجاري أن مكتب النائب العام فتح تحقيقا في التصريحات التي أدليت بها، معتبرا أنني أحاول التأثير على «المحاكمات العادلة» وإهانة مسؤولين عموميين، ناهيك عن أنه ما من يوم يمر دون صدور تعليقات من مسؤولين حكوميين، مثل رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان حول عملية القانون والعدالة. ومن الواضح أن هناك محاولة للتضييق على حرية التعبير على زعيم حزب المعارضة الرئيسي في تركيا. في الوقت ذاته عاقبت المحكمة الدستورية حزبنا عندما طالبنا كبير قضاة المحكمة العليا بالتخلي عن قضايا بعينها، وعندما سألنا قيل لنا عندما دفعنا الغرامة التي بلغت 3000 دولار، إن طلبنا كان مبنيا على نوايا سيئة، ولذا فإن حزب الشعب الجمهوري كان يزعج المحكمة من دون داع. لقد تراجعت الديمقراطية إلى ما صرنا إليه، ففي تركيا اليوم عندما تنتقد النظام القضائي، تخضع للمحاكمة. وعندما يلجأ الشخص إلى المحاكمة يعاقب. لكن هذا هو السبب في تمسكي بكلماتي، فأنا أملك الحق والواجب في أن أنتقد كل ما هو خاطئ في بلادي، وهو حق لا يمكن الحياد عنه في أن ننبه إلى الظلم وأن نطالب بالعدالة، وإذا لم تضطلع المحاكم بدورها، فيمكن للمرء، بل ويجب عليه، الوقوف والمطالبة بذلك. أنا لا أطلب الصفح، لكني أرغب في أن ترفع الحصانة عني كنائب في البرلمان حتى أحاكم في محاكمة كي يشهد الجميع النتائج.. فالصواب هو الحصانة المطلقة. تركيا اليوم دولة يعيش فيها الأفراد في خوف منقسمين سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وديمقراطيتنا تتراجع في صور فصل السلطات وحقوق الإنسان الأساسية والحريات والتنمية الاجتماعية والعدالة. ويبدي المواطنون قلقا عميقا إزاء مستقبلهم، هذه النقاط انعكست، للأسف، في غالبية المؤشرات الدولية الرئيسية، مثل «هيومان رايتس ووتش» التي صنفت تركيا في مرتبة متدنية في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية والمساواة. يدافع حزبنا من أجل الديمقراطية والعلمانية وسيادة القانون بغض النظر عن إيمانهم وعرقيتهم وجنسهم أو آرائهم السياسية، فالكل متساوون أمام القانون، وبناء حوائط سياسية واقتصادية وثقافية بين الشعب لا يتفق والديمقراطية أو العدالة الاجتماعية. وحدها الدولة المتصالحة مع نفسها قادرة على أن تكون نموذجا لجيرانها، والدولة التي ابتليت بهذه الأنواع المتعددة من الفرقة والاستقطاب محكوم عليها بالفشل. الوسائل مثل القهر واستغلال الخوف والحد من الحريات، قد تساعد في دعم نظام حكومة لفترة طويلة، لكن التاريخ لم يذكر أن حكومة نجحت في الحكم إلى الأبد باستخدام التدابير الاستبدادية. إن الظلم إلى زوال، أما الحق فهو باق. وتركيا ليست استثناء في ذلك. * رئيس حزب الشعب الجمهوري، الحزب الرئيسي في المعارضة التركية