محمد نور الدين صحيفة السفير-لبنان 27 كانون الثاني/يناير 2012 “نعم ماذا أصابنا حتى عدنا في سياستنا الخارجية إلى عشر سنين خلت؟”. بهذا التساؤل استهل الكاتب والأكاديمي الإسلامي المعروف علي بولاتش مقالته في صحيفة “زمان” الإسلامية الموالية لحزب العدالة والتنمية والتابعة لرجل الدين التركي المقيم في أميركا فتح الله غولين. بقول بولاتش إن سببين كانا وراء الاعتلال في سياسة تركيا الخارجية. الأول هو التزامات تركيا، والثاني النواقص البنيوية للنموذج الذي يراد أن يكون مثالا للمنطقة. وهناك سبب ثالث يمكن أن يضاف وهو المقاربة واللغة الاتحادية (نسبة لجمعية الاتحاد والترقي العثمانية التي مارست سياسات قمعية وعنصرية بعد خلع السلطان عبد الحميد الثاني عام 1909) والعثمانية الجديدة والقومية التي طبعت السياستين الداخلية والخارجية لتركيا والتي أخافت دول المنطقة. ويرى بولاتش أن “مستوى التكتيك” في السياسة الخارجية خلال السنوات الأخيرة كان ناجحاً: تصفير المشكلات مع الجيران، القوة الناعمة، أولوية العلاقات التجارية – الاقتصادية، وغير ذلك. وقد أعطت هذه التكتيكات نتائج من إيران إلى مصر وأفريقيا. لكن تركيا كانت أمام حقيقة مرة، وهو أنها في كل خطواتها كانت محكومة بأن تأخذ في الاعتبار التزاماتها مع الغرب. ولكن ما إن بدأت تركيا تتصرف كما لو أنها خرجت من “مستوى التكتيك” إلى أن تتصرف باسمها فقط في المنطقة حتى رفع الغرب لها لافتة “توقفي”. لقد ذكّر هؤلاء تركيا أنها حليفة للغرب وأنها عضو في حلف شمال الأطلسي، ولها مسار مع الاتحاد الأوروبي ولها شراكة مع الولايات المتحدة. يعني تركيا من دون أوروبا والولايات المتحدة لا يمكن أن تلعب دوراً في المنطقة، ويمكن لها ذلك فقط من خلال الخطوط التي رسمتها لها أميركا وأوروبا. وهذا يعني أن الحرية المعترف لأنقرة بها من جانب الغرب في السنوات العشر الأخيرة ليست إستراتيجية بل تتصل بالمجال التكتيكي ليس إلا. وفي الأساس إن الإذن المعطى لتركيا بالقيام بسياسات تكتيكية لا يعود إلى حكومات العدالة والتنمية بل إلى حكومات طورغوت أوزال. بل إن سياسات تعدد البعد وتصفير المشكلات نوقشت خلال عهد إسماعيل جيم في وزارة الخارجية. كان اوزال يقول للأميركيين “انتم لا تعرفون المنطقة بالقدر الذي نعرفه. إنكم تتحركون مثل الفيل الذي يدخل دكان الزجاجيات وتكسّرون كل شيء. اتركوا لنا حرية الحركة في المنطقة. نحن نعرف جيداً لغة المنطقة وردود فعلها وشيفراتها. والنتيجة التي ستخرج ستكون لصالحكم وصالحنا”. وقد اقتنع الغرب جزئياً بهذا. وعلى هذا الأساس انفتحت تركيا على الشرق الأوسط والبلقان وآسيا الوسطى. وقد توصل حزب العدالة والتنمية إلى هذه النتيجة. وبناء عليها تحركت تركيا: علاقات عالية المستوى مع إيران، مجالس تعاون استراتيجية مع العراق وسوريا، تطوير العلاقات مع دول الخليج. وما إن انفتحت الطريق أمام الإخوان المسلمين حتى كانت أميركا وأوروبا ترسل إلى تركيا ما مفاده “أنت عضو في التحالف الغربي. تحرّكي بالتنسيق معنا. أنت تخرجين عن الرقابة”. قبلت تركيا فرنسا في الجناح العسكري لحلف شمال الأطلسي وسكتت على انتخاب أندرس فوغ راسموسن أميناً عاماً للحلف ووافقت على انضمام إسرائيل إلى منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. ونصبت الدرع الصاروخية في ملاطية. وشاركت في عمليات “الأطلسي” في ليبيا. ولم تعارض عسكرة المعارضة السورية، ولعبت في لبنان الورقة الخاسرة، وفي العراق وقفت خلف البعثيين السابقين بحجة أنهم سنّة، مثيرة غضب غالبية الشيعة، وبذلك أغلقت المنطقة أبوابها أمام تركيا. ويتابع بولاتش قائلا “من هذه التجربة نخرج بخلاصة أن تركيا لا يمكن أن تتحرك في المنطقة بسياسة مستقلة. وفي حال تقدمت بعض الشيء يأتي الغرب ويذكّرها أن لها حدوداً لا يمكن تجاوزها لأننا بلد تحت الوصاية. والتزاماتنا تجاه الغرب تعرضنا للربح إذا أجرينا حساباتنا بالقرش والى الخسارة إذا أجرينا الحسابات بالليرة”.